​الدراما السورية في قبضة الأسد.. تخلف فني وتشويه للإسلاميين

ما يقرب من ٧ سنوات فى التحرير

كتب - أحمد مطاوع

عادت الدراما السورية إلى الزخم مجددًا في الموسم الرمضاني الجاري، رغم الأزمات قادمة من ركود استمر سنوات، في أعقاب المظاهرات التي اندلعت ضد نظام بشار الأسد في مارس 2011، وسرعان ما تصاعدت وتيرة أحداثها وصولًا إلى حرب أهلية، طرفها الثاني معارضة منقسمة على نفسها بين تحالفات ضيقة وميليشيات عديدة، وذلك بعدما استعادت الأعمال الفنية عددًا من نجومها الكبار سواء ممثلين أو كتاب أو مخرجين ومصورين، ممن عزفوا عن الإنتاج المحلي وانطلقو نحو السوق العربية وبالأخص مصر، والذين قرروا إثراء وطنهم المتنازع المفتت في نيران ورماد الحرب، من خلال أعمال متنوعة تركز أغلبها في سياق كوميدي اجتماعي لعادات أهل الشام بجانب الفانتازيا التاريخية.

إلا أن دراما أهل الشام هذه المرة، شهدت عودة مخيبة غلبتها البروباجندا السياسية، وهزمها التخلف الفني عن عهد نجوميتها، ما أثر على صعوبة تسويقها وتعرضها لهجوم حاد من جانب النقاد والمشاهدين مع بداية عرضها، تراجعت عقودًا بعد أن كانت دمشق صاروخًا دراميًا صاعدًا، استطاع أن يحرج عراقة الدراما المصرية ونجومها، ويخطف انتباه المشاهدين العرب والمصريين أيضًا ويجذبهم بأعمال فنية عالية المستوى، قبل يتمزق الجسد السوري.   

أبرز الأعمال.. كوميديا المجتمع والحب

انخفض عدد المسلسلات السورية من نحو 30 في السابق إلى ما يقرب من 20 مسلسلًا في الموسم الرمضاني الحالي.

وشهدت دراما رمضان استمرار الأجزاء بنحو الثلث، لكنها شهدت تجدد في دماء الممثلين، عن الأجزاء السابقة، بعد عزوف عدد كبير منهم بسبب تكرار المشاركة فيها، نظرًا لرتابة الأحداث والمط الشديد، وأبرزها "قناديل العشاق"، و"باب الحارة بجزء تاسع، و"طوق البنات" الجزء الرابع، و"عطر الشام الجزء الثاني".

وتركزت المواضيع الدرامية في الثلث الثاني من القائمة، على الجانب الاجتماعي في إطار الحب والعلاقات والعائلة، مثل مسلسل "شبابيك"، و"حكم الهوى"، و"ترجمان الأشواق"، و"نجيب"، و"الغريب".

وحضرت الكوميديا في العديد من الأعمال ولكن معظمها جاء ذات طابع خفيف "لايت"، مثل "جنان نسوان"، و"أزمة عائلية"، "سنة أولى زواج"، و"بقعة ضوء".

 وبرز مسلسلًا وحيدًا في قالب الخيال والفانتازيا، وهو "أوركيديا"، صاحب الإنتاج الأضخم، للمخرج المشهور حاتم علي، بصحبة نخبة من ألمع النجوم السوريين على رأسهم جمال سليمان وسلوم حداد وسامر المصري وباسل الخياط وسلافة معمار ومي سكاف، وتدور أحداثه حول صراعات بين ثلاث ممالك، وتم تصويره في رومانيا، خاصة وأن أغلب المشاركين فيه من المعارضين لنظام الأسد.

انتقادات حادة.. حكومة الأسد تكتب المسلسلات

لاحقت الدرامة السورية هذا العام، انتقادات حادة، على كافة المستويات الاجتماعية والسياسية والفنية، إذ رأى كافة المهاجمين أنها باتت لا تعايش الواقع ولا تعبر عن آلام السوريين.

فنيًا.. الدراما مسحوب خيرها ولا تمس الوجع

في الوقت الذي يرى فيه كثيرًا من النقاد أن الدراما السورية تشهد أسوأ مواسمها على الإطلاق خلال رمضان 2017، على كافة المستويات، من الإداء والإخراج والفصص والسسيناريوهات، حَمل المخرج والكاتب السوري مأمون البني، الجميع في سوريا المسؤولية، مؤكدًا أن سبب الانحدار يتلخص في مجموعة من الأمور 

وأضح البني: “لا يمكن صناعة دراما ناجحة ونصف السوريين مشردين في أرجاء المعمورة، كما أن معظم الفنانين الذين ما يزالون في سوريا لا يملكون الموهبة كدراميين"، متابعًا: "المواضيع الناجحة في الدراما السورية كانت تتكلم عن الوجع السوري، والآن ابتعد صناع الدراما عن أوجاع السوريين، وبدأوا بالبحث عن وجع من نوع خاص، وعندما تبعد الدراما عن الوضع السوري الحالي وما وصلت إليه سوريا، فهي الآن أصبحت دراما (مسحوب خيرها)".

ويقول الناقد ماهر منصور، المختص بالشؤون الفنية والدرامية، في تصريحات صحفية، إن الكوميديا السورية في السنوات الأخيرة، ولاسيما في الموسم الحالي، لا تشبه ما كرسته على مدار 5 عقود، ولا تشبه الطريقة التي قدمت نفسها بها سابقا. إذ يسودها "الاستسهال والضبابية في فهم الكوميديا، وأصول كتابتها وتجسيدها صفة عامة لجزء من الأعمال"، كما هو الحال في “جنان نسوان” و “سنة أولى زواج".

اجتماعيًا.. المسلسلات تعيش الوهم 

يرى سوريون أن الدراما انفصلت تمامًا عن الواقع، بالاستمرار في ترسيخ الصورة النمطية لسنوات ما قبل الحرب وكأن الواقع الحالي طبيعيًا، فهي تبعد عن معالجة قضايا المجتمع السوري الحقيقية.

وموضحين عبر مواقع التواصل الاجتماعي، أن المسلسلات تجاهلت أيضًا، ما تمر به وسوريا من حروب ودموية وتشريد في الداخل والخارج وفقر مدقع ومناطق محاصرة ومخيمات عارية تأوي الأطفال والشيوخ والنساء ممن يُقتلون يوميًا إما ذبحًا أو قنصفًا أو كميائيًا وبالبراميل المتفجرة.

واستدل المهاجمون، في هذا الإطار، إلى ظهور أبطال المسلسلات في أجواء من الرفاهية داخل بيوت فارهة لم تشاهدها أرض الشام المتألمة أصلًا في أوقات السلم.

سياسيًا.. الدراما لعبة في يد الأسد  

ارتكزت أغلب المعالجات الدرامية للمسلسلات السورية في المارثون الرمضاني الحالي، على إضفاء بعد سياسي على الأحداث يستهدف بصفة مباشرة تشويه الإسلاميين والعناصر والتنظيمات المتشددة وتحميلهم وحدهم مسؤولية ما تشهده سوريا من خراب، كما حولت الصراع السوري إلى جبهات خارجية ومؤامرات تحاك ضد الوطن، بحسب نقاد وسوريون على مواقع التواصل الاجتماعي.

وفي هذا السياق، يتهم معارضون للنظام، مسلسل "باب الحارة"، بأنه مسيس لصالح بشار الأسد، من خلال تمرير رسائل تغاير الواقع على الأرض.

وأشار أصحاب هذا المعسكر، إلى أن المسلسل يسعى إلى تغيير مفهوم النضال والمعارضة لدى المشاهدين بشكل غير مباشر، من خلال تصوير أن النضال الحقيقي ليس "ضد النظام بل ضد المستعمر الفرنسي، وضد تركيا التي سيطرت على لواء الإسكندرون.

ويقول الفنان السوري، سامر المصري، الشهير بشخصية "العقيد أبو شهاب"، والمعروف بمعارضته لنظام الأسد، إن الأجزاء الأخيرة من مسلسل باب الحارة أصبحت أجندة سياسية، وأن المسلسل يكتب في أروقة الحكومة السورية، من أجل تمرير رسائل إلى العالم العربي من خلاله.

وأضاف المصري، في مقابلة مع قناة "العربية"، عن مشهد المطالبة بلواء الإسكندرون في المسلسل: "عم يطالبوا بلواء الإسكندرون اللي الحكومة السورية سلمته من زمان وباعته".، مؤكدًا أن "باب الحارة في جزئه التاسع لم يقدم شيئًا جديدًا من الناحية الفنية".

أزمة تسويق.. لا تدعوهم يقتلونها 

واجهت الدراما السورية هذا الموسم أزمة تسويقية كبيرة تسببت في خروج العديد من المسلسلات من سباق العرض، ودشنت الممثلة السورية شكران مرتجى، هاشتاج "أنا مع الدراما السورية"، بسبب إحجام المحطات الفضائية عن شراء المسلسلات، معتبرة أنها تتعرض لحرب شرسة، رغم أنها مطلوبة في كل الدول العربية.

وشددت على أن ما يعرض في رمضان حاليًا من الأعمال السورية، هي تلك التي تعتبر سلسلة أجزاء أو التي يشارك فيها ممثلون معينون، مشيرة إلى أن الآتي أعظم، وخصوصًا أن المنتجين سينهمكون السنة المقبلة بالتسويق لأعمالهم التي بقيت في الأدراج ولن يفكروا في تصوير عمل آخر جديد.

وقالت عبر صفحتها على "فيسبوك": "طالبوا بالدراما السورية بكل المحطات، لا تدعوهم يقتلونها كما قتلونا.. هي رسالتنا إلى العالم.. درامتنا مصدر دخل وطني تساعد اقتصادنا".

المعارضة غياب.. وبشار يلاعب نفسه

في الوقت الذي تغافلت فيه المعارضة السورية، منذ اندلاع الأحداث، عن أهمية الدراما ودورها كقوة ناعمة ومؤثرة بل وسلاح شامل يمكنه أن يغير كافة المعادلات، خاصة من خلال استثمار آلياتها في خدمة قضية الثورة واللاجئين وحسم موقفها تجاه الميليشيات والجماعات الإرهابية، استغل نظام بشار الأسد المسلسلات بشكل أساسي في خدمة أهدافه ودعم مواقفه وكسب تعاطف وتأييد شعبي معه، بجانب وجلب عوائد مادية نظير التسويق، وذلك عبر إنتاج أعمالًا متنوعة عبر مديرية الإنتاج بالتليفزيون الحكومي، أو عن طريق شركات الإنتاج السورية الخاصة.

لماذا تغيب المعارضة عن الدراما؟

لم تستطع المعارضة إنشاء شركات إنتاج فني، تمكنها من جذب الفنانين السوريين تجاهها، في الوقت الذي خسر فيه كل الفنانين المعارضين للنظام، تقريبًا مواردهم المالية، وذلك يرجع إلى للعديد من الأسباب حددها عدد من النقاد المهتمين بتحليل المشهد الدرامي في سوريا.

أولا: لا يرى رجال الأعمال في صف المعارضة والداعمين لها، في الدراما سلاحًا قادرًا على إثارة الرأي العام لصالحهم أو يمكنهم من تحقيق نصر سريع على أرض النزاع مع النظام، خاصة وأنهم يسعون للترويجهم لأنفسهم عبر أعمال الإغاثة وتقديم المساعدات، وأن في إنتاج المسلسلات سيكون اسمهم مستترًا وسيصب الترويج لصالح الفنانين فقط، وبالتالي لن يستفادوا دعائيًا.

ثانيًا: أن قطاعًا مهمًا من المعارضة يرى أن الدراما من الأعمال "المحرمة"، وأن صرف الأموال فيها خروج عن عقيدتهم الفكرية ورؤيتهم الدينية، وبالتالي الأمر مستبعد.

ثالثًا: وقد يكون هذا السبب الأهم، وهو إحجام القنوات الفضائية واسعة الانتشار، عن شراء الأعمال الدرامية التي تهاجم النظام السوري وتدعم مبادئ وأهداف المعارضة "الثورية"، لأسباب ومصالح سياسية.

شارك الخبر على