شىء من الأمل
almost 9 years in أخبار اليوم
ليس شبح الدولار وحده أو عجز الموازنة هو المسئول عن الغلاء والانفلات فى أرتفاع الاسعار الذى نعانى منه الآن.. قبل شبح الدولار وعجز الموازنة هناك الاحتكار الذى جعل هامش الربح فى كل السلع المتداولة فى أسواقنا ضخما جدا وصار لا يقل منذ سنوات طويلة عن 150٪ وأحيانا يصل إلى 250٪ بينما لا يزيد هامش الربح فى الدول صاحبة الأسواق المفتوحة والاقتصاديات الرأسمالية العريقة عن 30٪ لأن أسواقها تعتبر المنافسة قاعدة أساسية فيها، ولانها لا تسمح بوجود احتكارات تسيطر على انتاج وتجارة واستيراد السلع كما هو الحال عندنا.
وهكذا.. الغلاء عندنا هو ابن الاحتكار الذى يسيطر على اقتصادنا وعلى أسواقنا.. لا توجد سلعة أو خدمة أساسية أو ثانوية لا يتحكم فيها، انتاجا أو تجارة، مجموعة محدودة من المحتكرين لا تزيد فى بعض الاحيان على عشرة محتكرين كبار.. هؤلاء هم الذين يتحكمون فى تحديد أسعار بيع هذه السلع والخدمات وهى عادة أسعار ارتفعة مغال فيها نظرا لاصرارهم على أن يكون هامش الربح الذى يحصلون عليه هم وبقية التجار كبيرا وضخما.. لقد قال لى صاحب مزرعة فواكه فى طريق القاهرة الاسكندرية الصحراوى أنه باع كيلو العنب من مزرعته هذا الموسم بنحو جنيه وربع، بينما يشتريه المستهلك فى نهاية المطاف بنحو عشرة جنيهات وربما أكثر لبعض الانواع وفى بعض المناطق.. وقس على ذلك بقية كل الفواكه والخضراوات وكل السلع الغذائية وغير الغذائية.
بل لقد وصل الأمر لدى بعض التجار أنهم يقبلون بأن تتلف الخضراوات والفاكهة التى يبيعونها ويتخلصون منها بالقائها فى القمامة ولا يقومون بتخفيض أسعارها.. هذا يكشف أن الاحتكار فى بلدنا صار منظومة وأسلوب عمل ممنهج يلتزم به التجار الصغار والتجار الكبار أيضا.
ولذلك.. لا سبيل جاد وفعال لمواجهة الغلاء الذى نعانى منه، والذى يلتهم الدخول الحقيقية للاغلبية الكبيرة من المصريين سوى مواجهة ومحاربة هذا الاحتكار والقضاء عليه.
نعم هناك جهود تبذل منذ سنوات فى هذا الصدد بقيام وزارة التموين بتوفير كميات من السلع بأسعار مخفضة فى منافذ المجمعات التعاونية، وقيام وزارة الزراعة بإتاحة منافذ بيع متحركة للخضر والفاكهة واللحوم، وطرح القوات المسلحة فى منافذ خاصة لها كميات أخرى أيضا من السلع الغذائية.. لكن كل ذلك لم ينل من منظومة الاحتكار التى تسيطر على اقتصادنا وعلى أسواقنا وتجعل المحتكرين، خاصة الكبار منهم - يتحكمون فى تحديد أسعار السلع الاساسية وغير الاساسية بعد ابطال قانون العرض والطلب.. ولذلك شهدنا ارتفاعا دائما فى الاسعار حتى فى ظل زيادة المعروض من السلع وانخفاض الطلب أحيانا!.. وهذا ما حدث بالنسبة للارز الذى زاد المعروض منه وظل سعره مرتفعا ولم ينخفض الا داخل منافذ القوات المسلحة ووزارتى التموين والزراعة، وما حدث أيضا بالنسبة للسيارات التى مازالت أسعارها ترتفع رغم انخفاض حركة شرائها.
وهذا يعنى أننا نحتاج مواجهة مختلفة للاحتكار الذى يسيطر على اقتصادنا وأسواقنا تولد لنا غلاء يلتهم دخولنا و بالتالى يخفض من مستوى معيشتنا ، والدليل الزيادة المستمرة فى نسبة من يعيشون تحت خط الفقر والتى ارتفعت إلى 27.8٪عام 2015من السكان مقابل 26.3٪ من السكان قبل عامين، واذا أضيف إليهم من يعيشون على هامش هذ الخط، فإننا سنجد أنفسنا أمام نحو نصف السكان يعانون بشدة من هذا الغلاء.
وهذه المواجهة المختلفة تبدأ بحالة جرد ومراجعة لاحوال اقتصادنا وأسواقنا ولنبدأ بالسلع الاساسية والضرورية لنعرف من يتحكم فى انتاجها وتجارتها أو استيرادها اذا كان نستورد معظمها من الخارج مثل الزيوت ، أو نسبة كبيرة منها مثل اللحوم.. يجب أولا أن نتعرف على هؤلاء المحتكرين فى كل سعلة انتاجا وتجارة واستيرادا.. ولن نجد صعوبة فى ذلك لان لدينا كما كبيرا من الدراسات تعدى أصحابها لذلك الامر من قبل ورصدوا لنا المحتكرين بالاسماء والاعداد، والمطلوب فقط تحديث هذه البيانات والمعلومات .
وبعد ذلك نبدأ فى وضع خطة لتفكيك الاحتكارات فى كل سلعة وذلك أولا بتوسيع قاعدة المنتجين لها وقاعدة كبار تجارها أو تجار الجملة فيها، وقاعدة مستورديها بقرارات اقتصادية وليست بالطبع ادارية.. ولن يتم ذلك الا اذا انتهجنا سبيل توسيع قاعدة المستثمرين بدلا من الاعتماد على عدد محدود من كبار رجال الاعمال كما فعلنا منذ سنوات، ومازلنا نفعل حتى الآن.
ثم تأتى فيما بعد مراجعة قانون الاحتكار ليس فقط بتغليظ عقوبة الممارسات الاحتكارية، وإنما لتشجيع الابلاغ عن المحتكرين وليس عقابهم، ودعم جهاز مواجهة الاحتكار حتى يصبح قادرا على أداء واجباته فى هذا الصدد.
لقد قال على بن أبى طالب كرم الله وجهه لو كان الفقر رجلا لقتلته والآن حان الوقت لكى تقول حكومتنا لو كان الاحتكار رجلا لقتلته. حان قتل الاحتكار لانه هو الذى يولد لنا الغلاء الفاحش.. وهذا الغلاء هو الذى يصنع لنا الفقر ويزيد عدد الفقراء يوما بعد آخر.