في تركيا.. «السلطان» يسحق حرية الصحافة لدواعي أمنية
حوالي ٨ سنوات فى التحرير
شددت تركيا حملتها الشرسة على الإعلام منذ محاولة الانقلاب العسكري الفاشل، التي وقعت في 15 يوليو الماضي، ما دفع المؤسسات الحقوقية لإصدار تصريحات وبيانات إدانة تعتبر تركيا أولى دول العالم في استهداف الصحفيين.فخلال فترة فرض حالة الطوارئ، وهي ثلاثة أشهر، كانت الحكومة لها السلطة بموجب إصدار مرسوم من رجب طيب أردوغان، رئيس الجمهورية، لإغلاق 102 مؤسسة إعلامية، بما في ذلك 45 صحيفة، و16 قناة تليفزيونية، وثلاث وكالات للأنباء، و23 محطة إذاعية، و15 مجلة، و29 دار نشر.
كما تم إصدار مذكرات اعتقال لأكثر من 100 صحفي، وبحسب منظمة "منصة من أجل صحافة مستقلة" تم القبض على 48 صحفيًا منذ بداية التحقيقات في محاولة الانقلاب العسكري.
وفقد نحو 2308 من العمال والصحفيين وظائفهم، يعمل بعضهم في المؤسسات التابعة للداعية فتح الله جولن، الذي تتهمه السلطات التركية بالتدبير لمحاولة الانقلاب، في حين تم إلغاء مئات الاعتمادات الصحفية التي تصدرها الحكومة، ومصادرة جوازات سفر عدد غير معروف من الصحفيين.
المثير في الأمر أن "الحكومة التركية" تُصر على أن هذه الإجراءات هي لأسباب تتعلق بالأمن، وأن هؤلاء الصحفيين المحبوسين حاليًا يتم التحقيق معهم أو أنهم محتجزين لاحتمال تورطهم في أنشطة إجرامية.
إلا أن المؤسسات الحقوقية تنفي الأمر قائلة: "إحدى المشكلات الكبرى في تركيا هو العلاقة المتقاربة بين السلطة القضائية والحكومة، ما يؤثر بالسلب على حرية الصحافة"، وذلك وفقًا لـ"إيرول أونديرأوغلو" ممثل تركيا في منظمة "مراسلون بلا حدود.
وأضاف ممثل تركيا في المنظمة الدولية، "إن الحكومة الآن تتجاوز المحاكم، ما يجعل الأمور أكثر تعقيدًا، فتركيا الآن تتصدر قائمة أسوأ الدول في مجال حرية الصحافة".
وأوضح أن الثقة في النظام القضائي، التي كانت بالفعل في حالة يُرثى لها قبل محاولة الانقلاب، تراجعت إلى مستوى منخفض جدًا، إذ إن "جان دوندار"، رئيس تحرير صحيفة "جمهوريت" السابق، أعلن في وقت سابق من هذا الشهر أنه سيتخلى عن منصبه، قائلًا: إنه "لم يعد لديه ثقة في المحاكم التركية لقبول استئنافه بعد أن حُكم عليه بالسجن في شهر مايو بتهمة إفشاء أسرار الدولة".
وأكد "دوندار" الذي يعيش في الخارج، أنه لن يُسلم نفسه على الأقل حتى نهاية حالة الطوارئ.
وفي حادثة مشابهة، أمرت محكمة في إسطنبول "بإغلاق مؤقت لصحيفة "أوزغور غونديم"، المؤيدة للاكراد، بعد أن حُكم على الصحيفة بأنها وسيلة إعلامية تعمل لصالح "حزب العمال الكردستاني" المحظور، وقامت الشرطة باقتحام مكاتب الصحيفة واعتقلت 24 شخصًا.
العديد من الصحفيين المعتقلين يعملون لصالح وسائل الإعلام التابعة لحركة جولن، وهو انقسام في المجتمع التركي، ولكن جماعات حقوق الإنسان والصحفيين يعتبرون أن حرية الصحافة يجب أن تكون غير مشروطة.
"أحمد شيك" صحفي يعمل في مجال التحقيقات وكان قد أمضى أكثر من عام في السجن بسبب كتاب عن اختراق الشرطة من قبل مؤيدي حركة جولن، قال لصحيفة "الجارديان" البريطانية: "أنا لا أدافع عن حركة جولن، لكنني أدافع عن مهنتي"، مشيرًا إلى أن معظم القضاة الذي ترأسوا قضيته هم في السجن الآن، والعديد من وسائل الإعلام الذين فرحوا لسجنه يواجهون الآن المعاملة نفسها.
وأضاف "ما يمارس اليوم ضد مؤسسات جولن حدث معي بالأمس، وغدًا سيكون الدور عليكم، وهذا هو السبب دائمًا لدفاعنا عن حرية التعبير، والتمسك بمبادئنا".
"شيك" أكد أن الكثيرين في تركيا يكافحون لإظهار تضامنهم مع الصحفيين المعتقلين، فعندما اعتقلت مراسلة صحيفة "توداي زمان" هانم بصرى أردال، كانت وسائل التواصل الاجتماعي التركية تشتعل، ولكن لا يجب أن يُسجن أحد بسبب الصحافة.
وفي ظل الهجوم الشرس الذي تتعرض له وسائل الاعلام التركية، فقد عملت مجموعة صغيرة من الصحفيين البارزين معًا لتأسيس "Gazete Duvar"، وهي صحيفة إليكترونية تهدف إلى تجنب الاستقطاب العميق.
علي دوران توباز، رئيس تحرير الصحيفة، قال لـ"الجارديان" البريطانية: "بدأنا قبل الموعد المقرر بسبب محاولة الانقلاب وحالة التغطية الإخبارية"، مشيرًا إلى أن الموقع لا يزال غير مثالي ويحتاج إلى تحسين.
وأضاف "أردنا أن نفعل شيئًا من خلال التمسك بالمعايير الصحفية العالية، ونريد تغيير الأمور نحو الأفضل".