قراءة معاصرة كاشفة لـ«ليلة القدر» (٢ من ٤)

ما يقرب من ٧ سنوات فى التحرير

التأويل الكامل للقرآن

أما قوله (وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم) فهو: بما أن القرآن حقيقة مطلقة فتأويله الكامل لا يكون إلا من قبل واحد فقط، هو الله المطلق. أما معرفة التأويل المتدرج المرحلي فهو من قبل الراسخين في العلم كلهم مجتمعين لا فرادى. وهنا يجب أن نفهم أن الراسخين في العلم هم مجموعة كبار الفلاسفة وعلماء الطبيعة وأصل الإنسان وأصل الكون وعلماء الفضاء وكبار علماء التاريخ مجتمعين. 
والراسخون في العلم مجتمعين يؤولون حسب أرضيتهم المعرفية ويستنتجون النظريات الفلسفية والعلمية، ويتقدم التأويل والعلم في كل عصر حتى قيام الساعة، فعند ذلك يتم تأويل كل الآيات التي تتعلق بهذا الكون وهذه الحياة «حيث تصبح هذه الآيات بصائر». لذا فالراسخون في العلم مجتمعين لا فرادى، وكل حسب اختصاصه يؤولون القرآن بالشكل التالي:

ـ الحالة الأولى: تحويل بعض الآيات إلى بصائر حية «أي مطابقة مباشرة مع الحقيقة الموضوعية» وهذا أقوى أنواع التأويل، أي التأويل الحسي. من هذا المنطلق نفهم الحالة الأولى التي جاءت في قوله تعالى: (لكل نبأ مستقر وسوف تعلمون) (الأنعام 76).

ـ الحالة الثانية: استنتاج واستقراء لنظريات فلسفية وعلمية بالتأويل، وذلك حسب أرضيتهم المعرفية المتوفرة، (سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق) (فصلت 35). فكل نبأ جاء في القرآن «ومن هنا جاءت كلمة النبوة» له زمن سيستقر فيه، أي يصبح تأويله نهائيا «مبصرا». أما قوله «سنريهم» فالرؤيا من اختصاص الفؤاد، وهو الإدراك المشخص بالحواس.

إن هؤلاء الراسخين في العلم هم بالضرورة من المؤمنين لأنهم يقولون: (آمنا به كل من عند ربنا) (أم الكتاب والقرآن وتفصيل الكتاب).

الراسخون في العلم

فمن هم الراسخون في العلم؟ لقد وضع الكتاب تعريفا لهم بقوله: (بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم) (العنكبوت 94). هنا نلاحظ التشابه الكبير بقوله (في صدور الذين أوتوا العلم) فالصدر هنا ليس جوف الصدر ولا جوف الرأس «الجمجمة»، وإنما هو كما يقول الشاعر:

ونحن أناس لا توسط بيننا .. لنا الصدر دون العالمين أو القبر

فالصدر هنا تعني ما نقوله الآن «الصدارة» كأن نقول إن إسحاق نيوتن يحتل مركز الصدارة بين علماء الرياضيات، وإن أينشتاين يحتل مركز الصدارة بين علماء الفيزياء. فالراسخون في العلم هم من الناس الذين يحتلون مكان الصدارة بين العلماء والفلاسفة، وهؤلاء من أمثال «البيرونى، الحسن بن الهيثم، ابن رشد، إسحاق نيوتن، أينشتاين، تشارلز داروين، كانط، هيجل». وهكذا أيضا نفهم قوله تعالى في سورة الناس: (قل أعوذ برب الناس، ملك الناس، إله الناس، من شر الوسواس الخناس، الذي يوسوس في صدور الناس، من الجنة والناس) بأن الاستعاذة به سبحانه وتعالى من الوسواس الخناس الذي يوسوس في الناس الذين يحتلون مكان الصدارة في مجتمعهم أو في العالم بأسره.

الوحي والعقل والحقيقة

وهنا يخلص الدكتور شحرور إلى أن كل التفاسير الموجودة بين أيدينا ليست أكثر من تفاسير تاريخية مرحلية للقرآن، أي لها قيمة تاريخية لأنها نتاج أشخاص عاشوا منذ قرون. وحين نسأله عن الشروط التي يجب اتباعها لكي يتم التأويل الآن أو في المستقبل.. يقول:

فالتأويل مشتق من «أول» وهذا الفعل من أفعال الأضداد في اللسان العربي فنقول أول الأمر وهو عكس آخره، هذا المعنى الأول وفي هذا المعنى جاء قوله تعالى (هو الأول والآخر) (الحديد 2). أما المعنى المضاد، أي بمعنى آخر الأمر فنقول: إن السرقة تؤول بصاحبها إلى السجن. هنا جاءت بمعنى تنتهي به. فالتأويل هو ما تنتهي إليه الآية «أي ما تؤول إليه» من قانون عقلي نظري أو حقيقة موضوعية مباشرة. فلدينا الآيات التي جاءت بصيغة نظرية، وعندما نؤولها نستنتج منها قانونا ينطبق مع العقل والحقيقة أي علينا أن نفهم القاعدتين التاليتين: أن الوحي لا يناقض العقل، وأن الوحي لا يناقض الحقيقة.

ومن هنا ننطلق، أن كل ما أوحى إلى محمد هو من عالم الحقيقة ومن عالم المعقولات حيث لا يوجد شيء في الوجود المادي غير قابل لأن يعقل ولكن هناك عجزا وقصورا للعقل، وبالتالي لا يوجد آية من آيات الكتاب غير قابلة أن تعقل الآن أو في المستقبل. فبدلا من أن نكيل الاتهامات للقرآن بأنه غير قابل أن يعقل من الناس، علينا أن نتهم أنفسنا بالقصور عن فهم آياته.

وفي معنى التأويل جاءت الآيات التالية:

ـ (وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم) (آل عمران 7) أي الراسخون في العلم يعلمون ما النظريات والحقائق العلمية التي يمكن استنتاجها من الآية القرآنية، كل حسب اختصاصه وحسب الأرضية المعرفية لعصره. وحيث يمكن استنتاج نظريات علمية جديدة تعتبر قفزات هائلة في المعرفة الإنسانية مثل نظرية النشوء والارتقاء لداروين لأنها تعد نموذجا حيا ممتازا للتأويل.

ـ (بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله) (يونس 93) هنا لاحظ كيف أنهم استعجلوا بتكذيب القرآن ولم يؤول بعد.

ـ (وقال يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقا) (يوسف 001). هذه الآية من سورة يوسف أعطتنا معنيين مهمين جدا: المعنى الأول هو معنى التأويل والمعنى الثاني هو معنى الحق.

ففي المعنى الأول: لقد رأى يوسف في المنام ما رآه، ثم تتالت الأحداث حتى وصل أهله إلى مصر وهو وزير، عندها تحول المنام من مجرد رؤيا في وعي يوسف إلى حقيقة موضوعية مادية خارج وعيه. هذا التحول هو التأويل. وفي المعنى الثاني (جعلها ربي حقا) أي غير صيرورتها من مجرد رؤيا إلى حقيقة ملموسة خارج وعي يوسف، لذا استعمل كلمة «حقا». فيصبح معنى الآية: قال يا أبت هذا ما انتهت إليه «آلت» رؤياي التي كانت مجرد أفكار في وعيي إلى حقيقة ملموسة خارج وعيي. وهذا أيضا ما قاله يوسف لصاحبيه في السجن (قال لا يأتيكما طعام ترزقانه إلا نبأتكما بتأويله) (يوسف 73) التأويل هنا: ما يأتيهم من رؤيا فيها طعام إلا أخبرهم بما تنتهي به «تؤول» إلى حقيقة موضوعية.

وبما أن القرآن بتأويله الكامل الكلي لا يكون إلا يوم القيامة، لأن كل آياته تصبح مبصرة، بما فيها آيات الساعة والصور والبعث والحساب والثواب والعقاب. فقد قال: 
(يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق.. الآية (الأعراف 35).

وفي قصة موسى مع العبد الصالح في سورة الكهف نبأه العبد الصالح عما تؤول «ما تنتهي» إليه الأحداث التي قام بها، ولم يستطع موسى الصبر عليها لذا قال له: (سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا) (الكهف 87) وبعد الانتهاء من التأويل قال له: (ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرا) (الكهف 28).

وفي قوله في سورة الاسراء: (وأوفوا الكيل إذا كلتم وزنوا بالقسطاس المستقيم ذلك خير وأحسن تأويلا) (الإسراء 53) فهنا جاء التأويل بمعنى النهاية تماما. أي أن إيفاء الكيل والوزن بالقسطاس سيؤولان «سينتهيان» بكم إلى الأحس.

(وللحديث بقية...)،،،،

@@@@@@@@@@

شارك الخبر على