القوائم الحمراء.. وسيلة دولية تهدد اقتصاد «داعش»

حوالي ٧ سنوات فى التحرير

كتب - أحمد مطاوع

ذاقت الآثار في سوريا والعراق تحديدًا مُرّ المآسي، تزامنًا مع ظهور التنظيم الإرهابي "داعش"، وما صاحبه من محاولات بحثية واسعة لقراءة وفهم مرجعيته دينيًا وسياسيًا وتفسير بواعث العنف والدموية المترسخة في منهجيته وتلذذ أعضائه بها، وكذلك همجيته الحادة تجاه كل ما هو إنساني أو من ما فعله على مستوى التاريخ والتراث، والمتمثل بعضها في المشاهد العبثية لتدمير الآثار بالبلدان التي ارتبط اسمها بوجود هؤلاء الغربان، على اعتبار أنها "أصنام"، لكن تبين بعد مرور وقت قليل أن الأمر ورائه أبعادًا أخرى غير دينية تمامًا، من بينها الاتجار والبروباجندا، وتبع ذلك تحركات دولية من الجهات المعنية بشؤون الآثار وحمايتها، للحد من هذا الإجرام بحق الإرث الحضاري، وما يترتب عنه من فقدان قدرة التعرف على تنوع قصص التأريخ البشري.

القوائم الحمراء.. تعاون دولي مكثف

في إطار الجهود الدولية لمواجهة الاعتداءات المتواصلة من تنظيم "داعش" على الآثار، كانت القوائم الحمراء عبر اليونسكو أو التنسيق معه، أحد أبرز طرق المواجهة، فهي أداة إرشادية، يتم من خلالها توثيق القطع الأثرية المنهوبة والمهربة، لتعريف محبي جمع المقتنيات الأثرية بعمليات البيع المشبوهة، بهدف شل حركة تداول الآثار وبيعها عالميًا، بالإضافة إلى تسهيل عمل رجال الشرطة ومسؤولي الجمارك وسائر المعنيين بحماية الممتلكات الثقافية على الصعيد العالمي، لأنها تساعد في التعرف على الهوية.

ونشط دور المجلس الدولي للمتاحف، كأحد الجهات المعنية بالتصدي لمثل هذه العمليات الإجرامية، وتحديدًا في مناطق الحروب والصراعات بالوطن العربي، وعلى رأسها سوريا والعراق، في ظل موجات تدميرية يخوضها "داعش" ضد التراث الحضاري والثقافي بهذه البلاد، وذلك عبر إصداره قوائم حمراء للقطع الآثرية المسروقة.

قائمة حمراء جديدة

أصدر المجلس الدولي للمتاحف، في السنوات الأخيرة سلسلة من القوائم الحمراء، كان آخرها، القائمة المعلن عنها أول أمس، لمنع الاتجار في عدد من القطع الأثرية المسروقة من سوريا.

وقال الدكتور خالد عزب، رئيس اللجنة الوطنية المصرية للمتاحف وعضو مجلس إدارة المنظمة العربية للمتاحف، في تصريحات صحفية، إن القائمة الجديدة تضم 33 قطعة محددة المعالم وتعود إلى حقب تاريخية متعددة، منها قطعًا مسروقة من متحف معرة النعمان، تعود للنصف الثاني من القرن الخامس قبل الميلاد، وأخرى من متحف دمشق الوطني، وكذلك عملات أثرية تعود للحقبة الإغريقية وعملات رومانية وإسلامية.

وناشد المجلس، متاحف العالم ودور المزادات، وتجار الفن وجامعي التحف، بعدم التعامل مع هذه القطع، مؤكدًا على ضرورة التعامل مع أي قطعة خرجت من سوريا بحرص شديد والتأكد من المستندات الخاصة بها، موضحًا أن ملكية أي قطعة على هذه القائمة سترد للدولة السورية.

وأشار عزب، إلى أن المعاهدات والاتفاقيات الدولية تحمي التراث السوري خاصة اتفاقية اليونسكو الصادرة عام 1970 بشأن التدابير الواجب اتخاذها لحظر ومنع الاستيراد والتصدير ونقل ملكية الممتلكات الثقافية، واتفاقية اليونسكو لعام 1972 المتعلقة بحماية التراث العالمي الثقافي والطبيعي.

 داعش والآثار.. معركة التمويل والبروباجندا

يتعامل تنظيم "داعش" وبقية التنظيمات الإرهابية مع الآثار بطريقتين مختلفتين لتحقيق أهداف معينة، تخدم مصالح التنظيم، نوضح بعضها في السطور التالية:

الطريقة الأولى: تهريب وأموال

تعتمد هذه الطريقة على تجارة وتهريب القطع الأثرية التاريخية إلى العديد من الدول، من أجل تأمين مصادر تمويل إضافية، بجانب عمليات أخرى غير شرعية مثل بيع النفط في السوق السوداء العالمية.

الطريقة الثانية: تدمير وابتزاز 

هي الطريقة الأخطر، وتتم من خلال تدمير الآثار التي لم يستطيع التنظيم الإرهابي بيعها أو تهريبها إلى خارج سوريا، وقد يكون التدمير بهدف سياسي، غرضه "البروباجندا" وتسليط الضوء إعلاميًا عليهم، بحثًا عن إبعاد الأنظار عن إخفاقات في مناطق أخرى، وبهدف رفع الحالة المعنوية لمقاتليه عبر تحقيق انتصار "وهمي" على حساب التاريخ بطريقة أقرب لـ"فرد العضلات".

وفي بغض الأحيان يكون سعي التنظيم الإرهابي التخريبي، من التدمير هو ابتزاز بعض دول العالم الكبرى المهمومة بحماية التاريخ والتراث، بهدف الحصول على تمويل أو دعم إجباري ما.

من يشتري آثار سوريا والعراق؟

في تحقيق أجرته صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، نوفمبر 2014، بالتزامن مع تحذيرات المجلس العالمي للمتاحف من خطورة استمرار عمليات التهريب، أكد خبراء الآثار، أن الآثار المهربة تجد طريقها بسهولة إلى السوق الأمريكية، مشيرين إلى ارتفاع واردات العراق الثقافية إلى الولايات المتحدة بنسبة 61% ما بين عام 2011 و2013، بينما زادت الواردات الثقافية السورية في نفس الفترة بنسبة 145%، وهو ما يشير إلى تدفق آثار كلا البلدين إلى تجار أمريكيين.

وكشف تحقيق آخر بثته إذاعة "إن دي أر" الألمانية، أواخر 2014، أن آثار العراق وسوريا المهربة تباع بشكل علني من خلال بيوت المزاد في ألمانيا.

فيما ذكر مهرب آثار سوري، لصحيفة "لو تومب" الفرنسية، أن مقاتلي "داعش"، حين يسيطرون على منطقة ما، فإن علمية تهريب الآثار في تلك المنطقة تخضع مباشرة لسيطرتهم وتحكمهم أيضًا.

وفضح باحث الآثار العراقي، عامر عبد الرزاق الزبيدي في أوائل 2015، تهريب تنظيم "داعش" لآلاف القطع الأثرية القيمة من العراق، عبر تركيا وإسرائيل إلى سوريا، لافتًا أن مافيا الآثار اشترت القطع الأثرية العراقية المنهوبة، التي استخرجها تنظيم "داعش". 

هل تنهي القوائم مآسي تدمير التاريخ؟

يبدو أن دور القوائم الحمراء يقتصر على محاصرة الآثار وتضييق سبل بيعها، كمجرد "أداة إرشادية" تساعد في التعرف على الهوية، كما ذكر سابقًا، لتسهيل عمل رجال الشرطة ومسؤولي الجمارك وسائر المعنيين بحماية الممتلكات الثقافية على الصعيد العالمي.

وأكد ملامح تلك المهمة، كريستيان منهارت رئيس إدارة المتاحف بمنظمة اليونسكو ورئيس بعثتها آنذاك، خلال زيارته لمصر في مارس 2011، وضع فكرة القوائم الحمراء للآثار في خانة شكلية أو أقرب إلى وسيلة للحصار فقط، إذ أكد أن "لا وصاية لليونسكو على أي دولة، وأن المنظمة لا نمتلك قوات لحماية الآثار‏". 

ذكر فى هذا الخبر
شارك الخبر على