الاجتهاد مع النص بين التدين الفردي والمعاملات الاجتماعية

حوالي ٧ سنوات فى التحرير

منذ أن دهمتنا السفن الفرنسية في نهاية القرن الثامن عشر، وكنا نظن أننا أعظم منطقة في العالم، ورأينا أننا في تراجع لا مثيل له، هزمتنا الحضارة قبل أن يهزمنا الانتصار العسكري، فقد طردنا الفرنسيين من الأرض، ولكن عقولنا لم تغادرها الصدمة، ولم نطردهم من العقل وجاء محمد علي ليرسل البعثات، ليعرف لماذا هم كذلك ولماذا نحن كذلك، وكيف نكون مثلهم من حيث التقدم والمدنية.
ومنذ محمد علي ونحن في صراع، لا نعرف ما نريد بالضبط، هل نقيم دولة علمانية على غرار النظام الغربي.

 يقوم المعادون لهذا النسق، بإظهار كل سوءات المجتمع الغربي من إباحية وتحلل ونسبتها إلى النظام العلماني الذي أقيم هناك، هل نقيم نظاما دينيا على ما يطلق عليه تطبيق الشريعة الإسلامية، أقيم في العديد من الدول ولم يكن مرضيا عنه ولم يحقق تنمية، نموذج طلبان، ونموذج السودان، أو حتى باكستان، السعودية لها وضع خاص وتعيش على وفورات البترول، ولم تصنع تنمية حقيقية تحقق لها الاستدامة، إذا تراجع البترول وله عمر افتراضي بالتأكيد فسيكون موقفها صعبا، وإذا حقق النظام الديني درجة من درجات التنمية ـإيران نموذجا- فلا قبول بمستوى الحرية، وهناك تململ عام، وبشكل عام، فالدول الإسلامية هي أكثر الدول تخلفا وتراجعا، والدول التي بدأت تخرج إلى التقدم والتنمية مثل ماليزيا، فقد أخذت بالنظام الغربي.

الصراع قائم على فكرة غائمة تسمى ثوابت الدين، التي لم يحددها أحد، وإذا سألت أحدهم ما ثوابت الدين، يقول ماينفعش نجعل الصبح ثلاث ركعات أو المغرب 4 ركعات، تعجبت من المثل، وتبين لي أن الأمور يبدو لي أنها غير واضحة، وأننا نتناقش على أرضيات مختلفة.

أعتقد أنه يجب التفريق بين الأمور الفردية والأمور الاجتماعية، فالتدين الفردي، إذا كانت الطقوس توقيفية كما يقول الفقهاء، بمعنى أن الطواف 7 مرات أو حصوات الرجم سبع أو العبادات بشكل عام أو الصيام، فهي أمور فردية، بمعنى إذا كانت مطلقة التنزيل فإنها نسبية التطبيق، وليس للمجتمع أن يفرضها على شخص أو يجبر شخصا عليها، إلا إذا كانت داخل الأسرة الصغيرة من قبل النصيحة، أو من قبل الواعظ الديني في إطار النصيحة أيضا.

ولكن ما يهمنا هو المجتمع وإدارته، وعلاقاته البينية وإدارة حياته الاجتماعية والسياسية والاقتصادية.

هنا تكون علاقتنا بالدين مقاصد كلية، عدالة وحرية وتكافل وإيثار، لا أمورا تفصيلية جامدة، لأن الحياة متغيرة، وطبيعة الحياة المتغيرة في حاجة إلى علاقات اجتماعية متغيرة وطبيعة معاملات أكثر حداثة.

وربما المتعاملون مع أجهزة الكمبيوتر، يعرفون ما يسمى الأبجريت، أو التحديث، فكلما نزل فرجن جديد من البرنامج الذي يتعامل معه المواطن سواء كان عملا أكاديميا، أو حتى لعبة، فإنه في حاجة إلى عمل أبجريت للجهاز، من حيث المعالج أو السرعة أو الرامات، أو سعة التخزين، وغيرها من المصطلحات الخاصة بالأجهزة، ومعدل التغير والتحديث أصبح يسير بوتيرة سريعة للغاية، سرعة الحياة التي نعيش فيها.

ولذلك فمن الغريب الإصرار على الاستمرار بالأخذ بفقه مر عليه أكثر من 12 قرنا من الزمان، والالتزام بحذافيره، وما زلنا نتزوج على ما يسمى مذهب الإمام أبي حنيفة النعمان.

أعتقد أن التوثيق الآن يقوم مقام الشهود وأكثر من الشهود، فالشهود يموتون، ولكن التوثيق لا يموت، سواء كان التوثيق المكتوب للاعتداد به لدى المحاكم، أو التوثيق المصور صوتا وصورة للفرح والمعازيم وملابس الزواج.

وأعتقد أن الإشهار الآن، إذا أراد الزوجان التحلل من مصاريف الزواج، أو أنهم كانوا سبق لهم الزواج، فيكفيهم ضغطة على فيسبوك على صفحة الزوج وعلى صفحة الزوجة، ليعرف الآلاف من أصدقائهم في العالم بأمر الزواج.

وأمور كثيرة من الممكن بحثها في طبيعة العلاقات الاجتماعية بين الأفراد التي ينظمها القانون.

ولذلك فكلمة لا اجتهاد مع النص لا محل لها من الإعراب، وإذا كنا سنتفق أن العبادات توقيفية فإن المعاملات تاريخية، منها ما هو قابل للاستمرار معنا ومنه من يحتاج إلى التعديل، ولا أعتقد أن النص كان يقصد تثبيتها من الأساس، لأن هذا ضد طبيعة الحياة، وضد طبيعة التغيير، وكررنا كثيرا كيف تجاوز عمر بن الخطاب النص في أمر المؤلفة قلوبهم وفي أمر حد السرقة.

ولذلك فأنا أرى أن كل شيء، وأقصد كل شيء في أمور المعاملات قابل للتغيير، الشرط الوحيد هو التغيير بشروط الشورى والقبول العام، ليس الهوى ولا الرأي الفردي، فالمجالس المنتخبة لها القدرة على التغيير، ولا مانع من الخطأ والإصابة، لأن الخطأ الخارج بعد شورى، قابل للتغيير بنفس الآلية.

ودائما ما يروج الراديكاليون، أنهم يريدون زواج الرجلان أو المرأتان، كما يحدث في الغرب، وهذا كلام مدهش، لأن الشورى لا تخرج عن السياق العام والتوافق العام للمجتمع، بل على العكس، فإن التوافق العام تجاوز عن أمور الرق وسوق الرقيق الذي كان مقبولاً في زمن في الماضي السحيق، ونحن الآن من نقول إن الراديكاليين يريدون عودة سوق الرقيق من جديد، وبعضهم لا ينكر ذلك، بل يقولون في أشرطتهم، إن هذا حل للمشكلات الاقتصادية في العالم العربي.

قضايا الدولة المدنية الحديثة يجب أن تدرس بجدية، لأن مفاهيمها العامة بين الفرقاء السياسيين غير واضحة، وبذلك فما زال المجتمع منقسما على تنظيم حياته، ولو لم نتوافق على نوع الحياة التي نريدها وكيف نريدها، فسنظل في مواقعنا دون حراك لفترة طويلة. 

شارك الخبر على