لماذا أثار «جلال الدين الرومي» جدلًا واسعًا في هوليوود؟
أكثر من ٨ سنوات فى التحرير
أثار خبر بدء كاتب السيناريو دايفد فرانزوني والمنتج ستيفن جويل براون، التحضيرات لفيلم يتناول قصة حياة الشاعر والمتصوف جلال الدين الرومي، جدلا واسعا في هوليوود، خاصة لإعلانهم أنهم بصدد إقناع النجم الأمريكي ليوناردو دي كابريو، بتمثيل شخصية الرومي ضمن أحداث الفيلم.
ولاقى اختيار دي كابريو، للدور، انتقادات واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي، لرؤيتهم أنه غير مناسب للشخصية، بسبب لون بشرته، وامتلئت السوشيال ميديا بحملات استنكار واتهام لهوليوود، بأنها تقوم بـ"دهن البيض"، والذي يعني استخدام ممثلين بيض في تجسيد أدوار شخصيات من أصول أخرى.
دائما ما كانت هوليوود تستبعد اختيار ممثلين تتناسب أعراقهم مع الدور المطلوب، مفضلة ذوي البشرة البيضاء، حتى لو كانوا بعيدين كل البعد عن الدور.
عوامل عديدة قد تكون السبب في اختيارات هوليوود لأبطال أفلامها، أولها عدم الحصول على تمويل جيد للفيلم إذا كان البطل غير معروف، إضافة إلى أن اختيار اسم مشهور سيضمن تحقيق الفيلم لإيرادات عالية، فمازال أغلب الجمهور يفضلون الفيلم على أساس بطله الرئيسي، وليس لأى سبب آخر كالقصة والإنتاج وصناع العمل.
لذا فإن أغلب المنتجين لا يخاطرون بصنع قصة جيدة من بطولة ممثل مجهول، لأن "شباك التذاكر" هو المتحكم الأول والأخير هنا، فالجمهور الغربي بالتأكيد لن يشاهد فيلما من بطولة ممثل عربي، إنما سيجري وراء نجمه المفضل.
فمثلا قصة جلال الدين الرومي التي يهدف كاتب الفيلم بها إلى تغيير الصورة النمطية عن المسلمين في السينما الغربية، لم تثير جدلا إلا عندما أعلن صناع الفيلم عن نيتهم اختيار دي كابريو للبطولة، فلولا ذلك لأصبح مجرد خبر عابر.
على الجانب الآخر فإن عددا من الجمهور رأى أن اختيار دي كابريو للدور لن يؤثر على الفيلم، متسائلين: "منذ متى وعرق الممثل له علاقة بقيمة الفيلم الفنية وأصالته؟"، مشيرين إلى أن أفلام عديدة تناولت قصصا عربية تركت تأثيرا كبيرا، وكان أبطالها من نجوم هوليوود، بل أنهم كانوا السبب الأساسي في لفت أنظار العالم إليها.
سبب آخر أكد عليه مشجعي تجسيد دي كابريو للشخصية، وهو أن اشتراك نجم بشهرته وشعبيته، سيزيد من اهتمام الجمهور والنقاد ووسائل الإعلام به، وسيرفع من نسب مشاهداته، ونجاحه جماهيريا.
كل ذلك الاعتراض والتأييد مازال مجرد تكهنات، فلم يؤكد بعد على تجسيد دي كابريو للدور، إلا أن البعض تساءل من هو جلال الدين الرومي الذي أثار كل هذا الجدل في هوليوود؟
هو جلال الدين بن بهاء الدين سلطان العلماء بن حسين ين أحمد الخطيبي المعروف بمولانا، شاعر فارسي من أعظم شعراء الصوفية، ومؤسس الطريقة المولوية.
ولد الرومي في بلخ في أفغانستان وانتقل مع أبيه إلى بغداد، في الرابعة من عمره، ولم تطل إقامته فقد قام أبوه برحلة واسعة ومكث في بعض البلدان، ثم استقر في قونية سنة 623 هـ في عهد دولة السلاجقة الأتراك.
عرف الرومي بالبراعة في الفقه وغيره من العلوم الإسلامية، فتولى التدريس بقونية في أربع مدارس، بعد وفاة أبيه سنة 628 هـ ثم ترك التدريس والدنيا وتصوّف سنة 642 هـ ، فشغل بالرقص وسماع الموسيقى ونظم الأشعار وإنشادها.
آمن الرومي بالتوحيد مع حبه لله عز وجل، هذا الحب الذي يأتي بطرق مختلفة منها الموسيقى والشعر والذكر كسبيل للوصول إلى الله، فالموسيقى الروحية بالنسبة له تساعد المريد على تعرف الله والتعلق به وحده لدرجة أن المريد يفنى ثم يعود إلى الواقع بشكل مختلف.
ووضع الرومي أفكاره ومبادئه في كتاب سماه "المثنوي" الذي استعمل في حياكته خيوطا من قصص يومية وإرشادات قرآنية وحكمة من خبرته لينسج كتابا ثمينا ممتلئا بمعان عميقة منتقاة بحذر وعناية.
على مدار التاريخ، أثار جلال الدين الرومي دوما جدلا كبيرا بين إيران وتركيا وأفغانستان، فقد ولد في أفغانستان لوالدين يتحدثان الفارسية، وكتب ديوانه الشهير "المثنوي" بالفارسية، إلا أنه أمضى بقية حياته في قونية بتركيا، ما أدى إلى تنازع الدول الثلاث على إرثه الثقافي والديني، رغبة في نسبه إليهما.
آخر تلك النزاعات، كان رغبة إيران وتركيا تسجيل ديوان "المثنوي" لتراثهما الثقافي المشترك في قائمة اليونسكو للتراث العالمي، ما أثار غضب أفغانستان، التي اعترضت على قرار تضمين الديوان للتراث الثقافي الإيراني والتركي، مؤكدة أن الرومي ولد في أفغانستان قبل ثمانية قرون، ولها حق في الديوان.
دائما ما كان الرومي موضوعا ملهما للأدباء وصناع السينما، لما في قصة حياتة من أحداث مهمة خاصة علاقته مع المتصوف شمس التبريزي.