٥٠ عاما على النكسة.. حين انتظرناهم من الشرق
حوالي ٨ سنوات فى التحرير
"انتظرناهم من الشرق، فجاؤوا من الغرب".. كانت هذه المقولة المنسوبة لعبد الحكيم عامر، تلخيصًا لمدى عشوائية القرار والاستعداد العسكري المصري عام 1967، حيث كان المشير عبد الحكيم عامر يحلّق فوق الأجواء المصرية برفقه ضيوف من الأردن مما منع استعمال صواريخ أرض ــــ جو، ولم تُستخدم الرادارات، أو الدفاع الأرضي، الأمر الذي مهد الطريق لـطائرات العدو للهجوم على المطارات المصرية وشلّ حركة سلاح الجو المصري، ثم الاجتياح البري لـسيناء.
حين خافت إسرائيل
مَحاضر مجلس وزراء الإسرائيلي أظهرت في جلسة الرابع من يونيو تخوّف رئيس الحكومة ليفي أشكول من أن تقضي الحرب على الدولة الإسرائيلية من الأساس، كما توقع وزير الحرب موشيه دايان مجزرة كبرى تودي بحياة آلاف الإسرائيليين، واقتحام الدبابات المصريّة لـلقدس وتل أبيب.
القادة الإسرائيليون لم يصدّقوا هذا الانتصار السهل، فالحرب انتهت وفرضت واقعا معقدا، قبل أن تبدأ فعلا.
حيث تسائل المؤرخ الإسرائيلي أوري ميلشتاين، مؤخرا، في تقرير له بصحيفة "معاريف" العبرية، بتاريخ، 27 مايو، بمناسبة مرور 50 عاما على الحرب، "هل انتصرت تل أبيب فعلا في المعركة، وإذا كانت انتصرت ماذا حدث للجيش الإسرائيلي المتفاخر بالفوز بعد ذلك؟ وما هو وضعه اليوم؟، هل هو للأفضل أم للأسوأ؟".
وقال ميلشتاين، "في اليوم الأول للحرب فقد لواء مظلات إسرائيلي طريقه وتاه بين رمال الجنوب في مدينة رفح، وهي منطقة تتميز بالمرافق المصرية القوية، وفجأة هاجمت دبابات مصرية من نوع (ستالين) اللواء، ما أسفر عن وقوع قتلى ومصابين، لم يكن الأمر أشبه بمعركة بين الألوية أو الكتائب، وإنما رحلة قام بها ناقلات جنود مدرعة في الرمال هرب بعدها العدو، لم تكن معركة عسكرية مطلقا".
الخدعة
كان الإعلامي الشهير أحمد سعيد ما زال يصرخ من «إذاعة صوت العرب» بقوله «قواتنا اقتربت من تل أبيب» و«سنرميهم في البحر» بينما أسرعت إسرائيل في استكمال السيطرة الميدانية على سيناء.
أسفرت الحرب عن تدمير ٨٥٪ من سلاح الجو المصري، وجزء كبير من الترسانة العسكرية المصرية، وأصبح ١٠٠ ألف جندي في سيناء بلا غطاء جوي، وبعد ٣٦ ساعة من الضربة الجوية أصدر نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، المشير عبد الحكيم عامر، قرار الانسحاب فيما أخذ سكان القاهرة يشاهدون الجنود العائدين من الحرب يزحفون على الهاكستيب في البداية ثم على شوارع وميادين العاصمة.
أعلن عبد الناصر تنحيه عن السلطة، لكن مظاهرة للجماهير رفضت التنحي فعاد إلى السلطة، بالتزامن مع توسيع إسرائيل لـحدود 1949 حيث ضمت إليها سيناء والجولان وقطاع غزة والضفّة الغربية والقدس الشرقية.
سر الحشد العسكري
تحيط بأسباب الهزيمة العديد من الأسرار غير المفهوم والتي يحاول المؤرخون تسليط الضوء عليها من آن لآخر، أبرز هذه الأسرار كان "الحشد العسكري" للقوات في سيناء.
يقول المؤرخ خالد فهمي "في الساعة الحادية عشرة من يوم الأحد ١٤ مايو ١٩٦٧ فوجئت القوات المسلحة المصرية بصدور توجيهات نائب القائد الأعلى المشير عبد الحكيم عامر برفع درجة الاستعداد في القوات المسلحة من الاستعداد (الدائم) للاستعداد (الكامل) وما هي إلا ساعة واحدة حتى صدرت تعليمات جديدة بتعبئة القوات المقرر حشدها في سيناء، على أن يتم الحشد في مدة تتراوح بين ٤٨ إلى ٧٢ ساعة".
ويضيف فهمي أنه "كان من المفترض أن مثل هذه التوجيهات تأتي من القائد الأعلى، أي الرئيس جمال عبد الناصر، وليس من نائب القائد الأعلى، المشير عامر، كما غاب مجلس الدفاع الوطني عن الصورة ولم يتبين للقادة إن كان هذا المجلس قد شارك في اتخاذ هذا القرار، ولم تكن هناك أية علامات على أن القوات المسلحة تستعد للتعبئة أو للحرب".
ويتابع "من علامات أن الأمور كانت تسير سيرها الطبيعي في الدولة عامة، وفي القوات المسلحة خاصة في تلك الأيام، أن وُجهت الدعوة إلى الفيلد مارشال مونتجمري، القائد السابق للجيش الثامن البريطاني، للحضور لمصر للاحتفال بمرور خمسة وعشرين عاماً على معركة العلمين التي انتصر فيها مونتجمري على غريمه إروين رومل في الحرب العالمية الثانية، وبالفعل حضر المارشال مونتجمري وألقى كلمة يوم ١٣ مايو في أكاديمية ناصر العسكرية".
ويشير فهمي إلى الاتحاد السوفيتي أعطى مصر معلومات خاطئة تفيد بأن إسرائيل تقوم بحشد قواتها على الجبهة السورية، وأنها حشدت بالفعل من ١١ إلى ١٣ لواء مقسمين على قسمين، الأول جنوب بحيرة طبرية، والثاني شمال البحيرة، وكانت تلك المعلومات سببا في قرار حشد 100 ألف جندي وضابط في سيناء.
الخطة قاهر
في المقابل، كان عبد الناصر قد صدق على الخطة "قاهر" في ديسمبر ١٩٦٦، وهي خطة دفاعية، لكن هيئة عمليات القوات المسلحة رفعت تقريرا للقيادة ١٦ ديسمبر من العام نفسه يفيد بأنه في ظل وجود ثلثي القوات في اليمن، وكذا ضعف القدرة القتالية للتشكيلات والوحدات، ونقص الأفراد والمعدات والتجهيزات، يجب تجنب القيام بمواجهة عسكرية مع إسرائيل ولفترة ثلاث سنوات، حسب المؤرخ خالد فهمي الذي يعتبر أن قرار الحشد التعبوي الذي اتخذه عبد الحكيم عامر، كان بداية الأزمة التي أدت لهزيمتنا في حرب ٦٧.
استعراض خطر
استعرض الجيش المصري قواته في شوارع العاصمة يوم 14 مايو 67 وهي في طريقها للجبهة، وهو الاستعراض الذي يقول عنه الفريق صلاح الدين الحديدي في كتابه "شاهد على حرب ٦٧" إنه "كان من الغريب حقاً أن تسلك هذه التحركات الضخمة، في بدايتها من المنطقة المركزية شوارع رئيسية في العاصمة، مارة بأكثر الميادين ازدحاماً بالمرور المدني العادي رغم وجود طريقين رئيسيين خارج المدينة الكبيرة، يمر أحدهما بالقرب من جبل المقطم (طريق صلاح سالم) والآخر موازياً للنيل (طريق الكورنيش). خاصة أن فكرة هذين الطريقين نشأت أساساً لتسهيل التحركات العسكرية، وقد كان لي فرصة مناقشة أسباب اختيار قلب العاصمة لتمر فيها عشرات الآلاف من العربات والدبابات والمدافع، تحت شرفات أكبر السفارات الأجنبية في القاهرة، الصديق منها وغير الصديق، فأفهمت يومها إن هذا القرار لم يأت عفواً بل له أهداف قد يحققها هذا الاختيار الذي يعرض أمام الملأ عضلات القوات المسلحة.” (ص ١٥٣-١٥٤).
القنلبة النووية
كشفت صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية، أمس الأحد، أحد الأسرار الأمنية التي احتفظت بها إسرائيل لمدة خمسين سنة، وهو دراسة إسرائيل لإلقاء قنبلة نووية على الأراضي المصرية خلال حرب عام 1967.
الكشف جاء ضمن سلسلة وثائق حول الحرب ضمن برنامج «دراسات التاريخ الدولي عن انتشار الأسلحة النووية»، التابع لمعهد «وودرو ويلسون» في واشنطن، وهو ما يشير إلى مدى الجدية في "العدوان" على مصر فيما كانت إدراة الأزمة في مصر، تعاني من انعدام كفاءة كلفت العرب جميعا هزيمة غير مسبوقة.
ففي كتابه “حرب الثلاث سنوات” يقول الفريق أول محمد فوزي، إن "المشير هو المتسبب الرئيسي في هذه الهزيمة المروعة، فشخصية عبد الحكيم وخبرته وخلفيته وشلته التي أحاط نفسها بها، كل هذه العوامل جعلته غير مناسب لقيادة جيش، ما بالنا بجيش مقبل على معركة مصيرية وحاسمة" ويشير فوزي إلى وقع خبر ضربة الطيران يوم ٥ يونيو على عامر، مؤكدا أن "عامر فقد توازنه يومها وأصيب بانهيار، وأن قرار الانسحاب الذي اتخذه كان من نتاج هذا الانهيار"، حسب المؤرخ خالد فهمي في سلسلته "خمسون عاما على الهزيمة".