بلا فوانيس أو مسحراتي.. كيف تحتفل «مهد الفاطميين» برمضان

أكثر من ٨ سنوات فى التحرير

تنظر بعمق إلى عادات وتقاليد المصريين في رمضان، تجدها مستوحاه من عادات وتقاليد الفاطميين ودولتهم التي حكمت مصر ودولا عربية أخرى، لأكثر من 3 عقود من الزمان؛ فلم يكن الفانوس ولا موائد رمضان ولا زينته، ولا القطايف إلا دربًا من دروب الفاطميين.

وبالرغم من اتباع المصريين للمذهب السني، إلا أن كل العادات  والاحتفالات الفاطمية لا تزال تعيش بين جنبات وادي النيل، ولذلك قررت "التحرير" أن تستطلع رمضان في مهد الفاطميين بمدينة سلمية السورية، حيث خرج أول إمام فاطمي إلى المغرب، وهي المدينة التي لا تزال تضم بين جنباتها معتنقي هذا المذهب وهم الشيعة الإسماعيلية.
 

رمضان الفاطميين

يذكر محمد محمود عرفة خلال كتابه "الدولة الفاطمية في مصر" دور سلمية في إحياء الخلافة؛ فخلال القرنين الثاني والثالث للهجرة  وفد إليها الإمام الإسماعيلي عبد الله بن محمد بن إسماعيل بن جعفر الصادق الذي ألف كتاب "إخوان الصفا وخلان الوفا" ،وهو أحد أئمة الشيعة المستورين، و أطلق على نفسه اسم عبد الله بن ميمون القداح بقصد إخفاء شخصيته عن العباسيين.

وظلت سلمية موطنًا للأئمة الإسماعيليين ومركز دعوتهم، حتى إكتشفها العباسيون ومنها أرسل الداعي أبو عبد الله الشيعي، والذي نشر الدعوة في شمال إفريقيا وأخذ الإمام عبيد الله المهدي أحد أحفاد عبد الله بن ميمون القداح وأعلن قيام الدولة الفاطمية.

ولا يكاد يسمع إسم الشهر الفضيل في التاريخ، حتى يذكر أعياد وعادات الفاطميين به، فكانوا يستعدون له قبل قدومه بثلاثة أيام لإضاءة المساجد وتجديدها، ويبدأ الشهر بموكب ضخم للخليفة يجوب البلاد وتبعث رسائله للأقاليم الخاضعة له، ويبدأ بإرسال الخليفة أطباق الحلوى لأمرائه وخدمه ، وكبار موظفيه، وتنتشر الفوانيس بالشوارع والحارات، وفوانيس كبيرة على مآذن المساجد، بحسب ما ذكر عرفة في كتابه.

ووصف عرفة الموائد الرمضانية الفخمة التي كان يقيمها الفاطميون، وتنقسم لموائد خاصة كان يقيمها الأمراء وكبار رجال الدولة في قاعة الذهب بالقصر الفاطمي، ، وأخرى عامة وهما سماطين واحد بمقر دار الشرطة بالفسطاط، والآخر بأروقة الجامع الأزهر، ولم تقتصر الموائد على الطعام الذي تيه المؤرخون في وصفه، وإنما كان بها قراءة القرآن، والتكبير والتهليل والدعاء للخليفة والوزير، ويليه الوعاظ الذين يلقون كلمة عن الصيام، ثم يأتي دور الطرق الصوفية في مدح النبي العدنان بالدفوف والطبول، وتستمر المائده حتى وقت السحور، لترفع وتوضع مائدة السحور.

وجابت المواكب العظيمة للخليفة القاهرة في أيام الجمع بشهر رمضان؛ فيسير موكبه بالجمعة الثانية إلى الجامع الأنور "الحاكم بأمر الله"، والثالثة في الأزهر والرابعة في جامع عمرو بن العاص، وكان الموكب مهيبا بترتيب القواد والأمراء، ولكن الخليفة لم يكن يرتدي سوى سترة بيضاء توقيرًا للصلاة، ويغلق عليه الستائر أثناء إلقائه للخطبة، ثم يصلي بالناس، ثم يوزع الصدقة والهبات على الناس.

قواعد الصيام عند الإسماعيلية 

ويعيش داخل مدينة سلمية أتباع مذهب الفاطميين، وهو المذهب الشيعي الإسماعيلي النزاري، والذي يعود إلى الانقسام الإسماعيلي بعد وفاة المستنصر بالله الفاطمي؛ حين أخذ الخلافة إبنه الأصغر المستعلي، فرفض ذلك البعض لأن المتبع أن يأخذ الإمامة الإبن الأكبر، وتمركز الإسماعيليون المستعليون الذين إعترفوا بإمامة  أحمد المستعلي  في مصر والمغرب العربي واليمن بينما رحل الإسماعيليون النزاريون إلى الشرق وهم الذين رفضوا إمامته وبايعوا الإمام نزار، شقيقه الأكبر.

 وينقسم النزاريون داخل المدينة لطائفتين،  فمنهم من قال بإمامة "مؤمن بن محمد بن محمود "، وهم المعرفون اليوم بالنزارية المؤمنة، ومنهم من قال بإمامة ابنه الآخر المسمى بـ " قاسم شاه بن محمد بن محمود "، وهم النزارية القاسمية.

صوم رمضان 

ويختلف الشيعة الإسماعيلية عن السنة في صيام رمضان، فذكر أيمن فؤاد السيد في كتابة "الدولة الفاطمية في مصر.. تفسير جديد"، أن الإسماعيليين يصومون رمضان 30 يوما باستمرار، ولا عبرة برؤية الهلال ولابموافقة المسلمين، فهم يصومون على الحساب الفلكي، كما أنهم لا يصلون التراويح.

وأكد الباحث خالد المير محمود، في مقال له بعنوان "الإسماعيلية النزارية المؤمنية" أن المؤمنين يعتمدون نظاما ً خاصا ً وقاعدة تقول أن النوافل مثلي الفرائض ،وبهذا فالصوم  لديهم 3 أشهر في السنة وهم شهر شعبان ورمضان و3 أيام من كل شهر من العشرة أشهر المتبقية فيكون المجموع 3 أشهر؛ أي أنّ النوافل مثلي الفريضة أيضا ً معتمدين في ذلك على كتابهم الفقهي والذي يعتبرونه أهم مرجع فقهي إسلامي على الإطلاق إنه كتاب " دعائم الإسلام "وأملاه الخليفة المعز لدين الله الفاطمي الإسماعيلي على داعي الدعاة وقاضي القضاة النعـمان بن حيـّون التميمي.

 

بدء الصوم عكس المذهب 

وقال "حازم .ر" -أحد مواطني سلمية- لـ"التحرير" إن "هناك تقاليد لمدينة سلمية، تبدأ بإستطلاع الهلال عند المحافظة أو الدولة بشكل عام ، وليس بالحسابات الرياضية كما يقضي المذهب، ثم ينطلق المدفع بـ12 طلقة، إعلانًا ببدء رمضان، ويصوم الإسماعيلية مثل باقي سكان سوريا وفقًا لإعلان الدولة عن الصوم".

وأضاف"الصيام بالنسبة للإسماعيلي هو صوم طول السنة وليس رمضان فقط، هو ليس فرض بالنسبة للإسماعيلي وغير محرم، ولذلك فكثير من الناس لا يصوموا ولا يلومهم أحد، لأنهم يعتبرونه شيئا بين العبد وربه".

 

الإفطار في سلمية

وتشتهر سلمية بتنوع وجبات الإفطار بها؛ مثل اللحم والبرغل والأرز والملوخية والمحاشي يكل أنواعها، وهناك الشاكرية التي تتميز بها سلمية، وتتكون من لحم ولبن وعجين، ويدخل "الفروج" أو الدجاج في كل وجبات أهالي سلمية، في الحنطة والبرغل، والأرز مع الفروج، "ونظرًا لأن المدينة زراعية فالسلطات لا تغيب عن مائدة رمضان، مثل التبولة والفتوش، واللذان يعدان أساسيان على مائدة الإفطار، بينما يكون السحور خفيفًا من اللبن والجبن والزيتون" بحسب ما قال حازم .

وتطرق حازم إلى إبداعات أحفاد الفاطميين؛ وهي الحلويات ومنها الشعيبية الحموية التي تتميز بها المدينة وتكون محشوة بالقشده والقطايف، والمشروبات مثل التمر هندي والعرقسوس، والمشمش المنتشر نظرًا لأنه يزرع بالمدينة، ولا يوجد تراويح بالنسبة للشيعة الإسماعيلية.

ولم تترك الحرب الأهلية  سلمية سليمة؛ فالمدينة تعاني من الحصار المفروض عليها منذ بداية الثورة السورية، فهي رابع مدينة تخرج ضد بشار الأسد، والمسيرات كانت تضم ما يقرب من 20 ألف شخص، أي حوالي ثلث السكان كانوا يسيرون بالشوارع، ولذلك فرض الحصار على المواطنين وجعلهم يشترون المياة في الشهر الفضيل من أموالهم الخاصة من الصهاريج  وهناك غلاء في الأسعار حيث وصل ثمن كيلو البصل لـ500 ليرة سورية.

السكب للجيران

وقالت أمل العلي، عضوة إتحاد ثوار سلمية، أنه لايوجد في الأخيرة تشدد فيما يتعلق بصوم رمضان، فهناك من يصوم وهناك من يفطر، ومن العادات الرمضانية عادة السكب للجيران، وهي أن يوزع الجار الإفطار قبل موعده  على جيرانه، خاصة الفقراء منهم، فتعطيه صحن طعام، وهو يعطيك صحنا.

لا مسحراتي ولا فوانيس

وأكدت العلى في تصريحات خاصة لـ"التحرير" أن كثيرًا مما أدخله الفاطميون من عادات رمضانية في مصر يختفي وجوده بالمدينة، وذلك رغم إعتناق أهلها لمذهب خلفاء الدولة الفاطمية؛ "فلا فوانيس ولا مسحراتي بسلمية ، لايوجد غير مدفع رمضان، ولكن  كثيرًا ما تسمع الآن أصوات المدافع حول المدينة، وأصبح من الصعب تمييز صوت المدفع من مدافع القتل المنتشرة في كل وقت". 

داعش والنصرة والشبيحة 

وأضافت العلى أن  "داعش تهاجم سلمية في رمضان بصواريخها ليس هذا فقط؛ بل إن  الشبيح محمود عفيفية وهو أحد شبيحة النظام السوري، من قرية خنيفس، يبدو أن دوره أنتهى بالنسبة للنظام،  فقام بالتحصن  بضيعته، وأصبح يضرب المدينة بالصواريخ، ولم تعد مهد الفاطميين ومسقط رأسهم الملاذ الآمن، لكنها أصبحت محاصرة من 3 جهات داعش بالشرق والنصرة بالغرب والشبيحة بقلب البلد؛ فحتى جبهة النصرة أصبحت موجودة غرب المدينة، وتهاجم حواجز النظام".

شارك الخبر على