الحركة النسوية المصرية.. فشل نخبوي وحصار مجتمعي

حوالي ٨ سنوات فى التحرير

أصبحت ظاهرة النسوية إشكالية في المجتمع المصري، وصارت المرأة التي تطلق على نفسها "نسوية" مكلفة بتحمل عبء مفاهيم مغلوطة، مع تعرض دائم للسخرية، على اعتبار أنهن يطالبن بحقوق "ثقافية" تصدم التقاليد والأعراف في مجتمع يطحنه الفقر والفساد والاستغلال.

وبما أن النسويات يعتقدن أن تاريخ العلاقة بين الرجل والمرأة كان منحازاً للرجل على حساب المرأة، ويرين أن ذلك الانحياز ليس أبدياً ولا طبيعاً بل مجرد نتاج اجتماعي وسياسي واقتصادي، ومن ثم يمكن ويجب إنهاؤه وتحقيق المساواة، الآن وليس غدا، وإذا كان المحافظون يرون أن تبعية المراة للرجل طبيعية بحكم الاختلاف البيولوجي، فإن النسويات يرين أن ذلك الاختلاف لا يجب أن يترتب عليه شيء، وأن التمييز مجرد خلل تاريخي في توازن القوى وآن الآوان لتغييره عبر التعليم والثقافة.

سطحية نسوية

ترى الكاتبة النسوية رنا عيسى، "تعتبر الحركة النسوية المصرية حركة شعبية أكثر منها فلسفية، وكثير ممن ينتمين للحركة انتماء حقيقياً لديهن فهم قاصر لدرجة مخلة بالجذور الفلسفية للحركة ويعتمدن بشكل حصري على مبادئ تبدو لهن بديهية، مما يجعلهن غير قادرات على النقد الحقيقي العميق ويجعل اّفاقهن منحصرة تحت راية الدراسات السوسيولوجية التي لا
تنطبق بالضرورة على المجتمع والعقلية المصرية، يحمل ذلك الكثير من العداء المبالغ فيه والدفاعية المبالغ فيها في آن والكثير من التراخي والانسحابية في اّن آخر".

وتضيف عيسى  في حديثها لـ"التحرير": "يعوز الحركة الكثير من المنهجية والمعرفة التقنية بالإضافة للعقلية النقدية الساعية للحياد، يتسبب ذلك بالطبع في إظهار الحركة والفلسفة ككل بمظهر المراهق المشاغب ليس أكثر بالنسبة للعامة، مما يصعب مهمتهن كثيرا كذلك يتسبب ذلك في عدم تجانس أفكار المنتسبين للحركة واللاتي يضمهن إحساس الانتماء أكثر من الاتفاق على النظريات الاجتماعية، الفلسفية والسياسية".

وتابعت الكاتبة "كذلك تؤثر المصاعب التي عايشها الكثير من المنتسبات للحركة في التشويش على الفهم الموضوعي للأوضاع التي تعاني منها الأخريات، بالنسبة للمصريات فإن معركة تحرير الذات يتم إسقاطها على تحرير كل الذوات وهو بالطبع منهج كارثي، كذلك فإن الاضطرار الدائم للحذر أو مجابهة المصاعب المادية جعلت من الكثير من الكاتبات في الشأن النسوي مجرد اّلات إنتاج أو كاتبات مضطرات لعدم الخوض في الأصول الحقيقية للمشاكل التي يناقشنها، ومع انعدام فكرة نقد الذات أو نقد أعضاء الحركة لأعضاء الحركة، ينتهي الأمر إلى أضحوكة أكثر منه أدبيات نسوية.

وتستكمل عيسى "لذا باعتقادي فإن الهيكل النسوي المصري مهترئ تماما ويحتاج للكثير من مراجعة النفس والجهد المضني من أجل الفهم والنقد والتحليل.

وتوضح الكاتبة أن الأزمة لها شق معرفي يقف في طريقه عدم امتلاك عضوات الحركة للتدريب الفكري الكافي وهو الأمر الذي يعود جزء كبير منه للبيئة المعادية للفكر والمشجعة لـ"التسطيح" التي نشأت فيها غالبيتهن والتي عرقلت تطورهن لفترة طويلة ألقت بظلالها على إنتاجهن الحالي، وشق أمني يتعلق بأن عضوات الحركة لا يمتلكن حريتهن الشخصية في التعبير في أحيان كثيرة دون الانخراط في معارك جانبية من النوع المدمر".

وتضيف "هذا أمر لابد من رده أيضا للبيئة التي تجعل من أفكارهن أفكار شيطانية يجب القضاء عليها أو السخرية منها أو اللجوء للعنف من أجل منعهن عنها، وللدولة هنا دور كذلك حيث لا تتوافر البنية التحتية القانونية لحماية هؤلاء الفتيات في حال تم التعرض لهن بأذى، مما يجعل خوف العديد منهن من المصارحة بنقد قيم معينة جذرية خوفاً مبرراً، وبالطبع كان عليهن
إدراك هذا القصور وإعادة تنظيم ذواتهن بطريقة منتجة أكثر ولكن هذا لم يحدث”.

استعلاء النسويات

في المقابل، يقول الكتاب اليساري مجدي عبد الهادي، إن تقييمي للحركة النسوية هو جزء من تقييمي لكل التيار الليبرالي في سياق عالم ثالث، فهي إحدي تجليّاته التي تمثل الانعزال عن الواقع والتموضع ضمن التصورات الاستشراقية الاستعلائية المنعزلة عن الواقع المصري؛ فتنطلق من أطروحات غربية لا تراعي مستوى التطور الخاص بالعالم الثالث، وتتبنى أطروحات مفاهيم المؤسسات الدولية، التي تتجنب دائمًا التعاطي مع مشكلات العالم الثالث كامتداد لمشكلات التكوين الرأسمالي التابع؛ وهكذا تغيّر مشروع النسوية من "تحرير المرأة" ضمن التحرر الوطني (للتشكيل الرأسمالي الطرفي) والاجتماعي (للشغيلة او العمال)، إلى "تمكين المرأة" ضمن برامج "أهداف الألفية الإنمائية" التي لا تتحقق".

ويصيف عبد الهادي في حديثه لـ"التحرير": "لعل من اللافت للنظر تغير اسم الحركة نفسه من "تحرير المرأة" إلى "النسوية" ، الذي يعني لغوياً "مركزية الأنثى" المقابلة لـ "مركزية الذكر".

 ويشير الكاتب إلى أن الضعف الذي تعانيه هذه الحركة هو ضعف طبيعي، فمشروع "تحرير المرأة" الذي يمثل محتوى الحركة النسوية في أصلها التاريخي، بدأ ضمن سياق إعادة المرأة للنشاط الاقتصادي المدفوع خارج المنزل، مع حاجة الرأسمالية لجهودها في سياق عملها على توسيع عرض العمل لخفض الأجور، وفي مواجهة استغلال تلك الرأسمالية لاحقاً.

وتابع "إذا نظرنا للواقع المصري باقتصاده ضعيف التشغيل وردئ ظروف العمل لاعتبارات كثيرة، فإننا نجد الظرف الموضوعي على المستوى الكلي لا يخدم نشأة حركة نسوية متجذرة اجتماعياً، وعلى المستوى الوحدي لا يسهّل الاستقلال الاقتصادي للمرأة؛ ما دفع بكثير من نساء الطبقة المتوسطة للعودة للمنزل كلما أمكن، حتى ممن دخلن سوق العمل سابقاً".

ونوه عبد الهادي بأن هذا بحد ذاته ما يثبت أن الحركة النسوية لا تكون جديرة بصفتها كحركة تغيير اجتماعي تقدمي، إلا في سياق عملية التطور الاجتماعي وبتموضعها ضمن تناقضات النظام الاجتماعي، وليس سباحتها في الفراغ الثقافوي عن الطبيعة والمجتمع، الذي يحيلها لمعركة أبدية بين المرأة والرجل (نزعة العداء للرجل)، وبين الأفكار المتحضرة والمجتمع المتخلف (الطرح التنويري).

نخبوية للغاية

يقول الباحث الإسلامي عمرو الشاعر، "يمكنني تقييم الحركة النسوية المصرية بأنها بالرغم من تجاوزها قرناً من
الزمان إلا أنها لا تزال نخبوية، قائمة بالمقام الأول على مخاطبة الشرائح "المتقدمة اجتماعياً" وعلى المؤتمرات و"ورش العمل" ولذلك فهي غير مؤثرة بدور كبير في المجتمع المصري، وخاصة في المدن الصغيرة والأرياف بكل تأكيد، ولولا دعم الدولة لهذه الحركة لما أحرزت نصف الإنجازات البسيطة التي أنجزتها حتى الآن.

ويضيف الشاعر في حديثه لـ"التحرير" أن ضعف هذه الحركة راجع في المقام الأول إلى محدودية عدد أفراد المتبنين لهذا الفكر، ناهيك عن لهجة خطابهم الاستعلائية ويكفي الاسم نفسه، فمجرد الاسم يعطي الانطباع بأن هذه الحركة "عنصرية" عدائية وأنها قائمة على
مناصرة جنس مقابل جنس آخر، فأزمة الحركة النسوية في مصر والعالم العربي راجعٌ إلى توجس النسبة الأكبر من المجتمع من الأفكار المقدمة من هذه المنظمات والكيانات، والذي يرى فيها محاولة لغرس فكر "غريب" عن المنظومة الثقافية والعرفية والدينية للمجتمع.

ويؤكد الباحث الإسلامي أن الخطوة الأولى لتحقيق قبول مجتمعي للفكر النسوي هو تبني خطاب يظهر على الأقل أنه نابع من "ثقافتنا العربية الإسلامية" وإيجاد سيل من الكتابات على مستوى المقالة والكتيب، والتي تعالج بلغة بسيطة هذه القضية وإظهار كيف أنها غير معادية لثقافتنا، ولمعالجة مشاكلنا التي نعاني منها فعلا تبعاً لأولويتها في مجتمعاتنا وليس تبعاً لترتيب الأولويات في مجتمعات أخرى.

اللعبة الحقوقية 

من جانبه يقول الباحث في جامعة كولومبيا كريم ملاك، "أعتقد أن الحركة النسوية في مصر منذ الثمانينات قَبلت أن تلعب لعبة الجمعيات الأهلية وتأخذها على أنها شكل تنظيمها على عكس نسويات سابقات وقفن ضد ذكورية نظام الحكم وكافحن ضده، وأن كان ذلك في جيل السبعينات من خلال الحركة الطلابية.

ويضيف ملاك في حديثه لـ"التحرير": "بالنسبة لي تبلور حركة حقوقية وتغولها في مساحة النسويات هو تتويج لممارسات النسويات الليبراليات منذ القرن التاسع عشر مثل ملك حفني ناصف وهدى شعراوي، هاذان المثالان يوضحان مشروع يؤمن بفردانية الشخص بدلًا من قضايا مجتمعية تركز على أطر تنظيمية لقاعدة شعبية وقضايا مهمة آنذاك مثل مقاومة الاستعمار لأنه يحارب النساء ويحرمهم من حكومة مستقلة وألخ.

ويشير الباحث إلى أن ملك حفني وهدى شعراوي مثالان لمشروع إصلاحي اختار أن ينظر للقضية عبر مكاسب فردانية، أرى شيئاً مشابه يحصل اليوم في الخطاب الحقوقي وإطاره التنظيمي الذي يركز على حقوق فردانية غير اقتصادية للمرأة وهذا شيء إشكالي، لأنه ينظر إلى أعراض المشكلة على أنها المصدر دون التطرق لمصدر المشكلة نفسه مثل القانون وغطرسة الحكومة، مثلا: في شهر رمضان من كل عام نرى إعلانات فك أسر الغارمات بالسجون دون السؤال لماذا يُسجنّ أصلاً!

وعن رفض المصريين للفكر النسوي يقول ملاك "لا أعتقد ذلك، ربما ما زال هناك مقاومة مثل أي مجتمع ذكوري لخطاب نسوي، لكن ليس بشكل استثنائي يجعل المصرييون "يكرهوا النسويات"، بل ربما يمكنا أن نقول إن هناك مقاومة لأي شكل من النسوية غير الليبرالية، وهنا المقاومة تصبح من قبل الليبراليون أنفسهم، فعلى سبيل المثال أنظر إلى كيف لا يطرح أو يذكر المشروع النسوي الشيوعي أو الماركسي في مصر.

صدى استشراقي

 يرى كريم ملاك أن أول تدخل مِن قِبل منظمات دولية قضية المرأة المصرية جاء حين سافرت هدى شعراوي إلى روما عام ١٩٢٣ من أجل حضور مؤتمر التحالف الدولى للمرأة من أجل حق الاقتراع، وقررت أن تخلع حجابها عندما رجعت إلى مصر في تلك المشهد في محطة مصر لأنه علامة من علامات الذكورية، ومنذ ذلك الفترة حتى بعدها تم تصوير النساء العربيات على أنهن متخلفات نتيجة تمسكهن بالحجاب أو تمسكهن بأسرهم بدلاً من سعيهن إلى استكمال تعليمهن أو حقهن في اختيار شريك حياتهن دون النظر لانتشار قيم برجوازية من خلال الاستعمار تغير نمط الحياة وشكل الأسرة المصرية لكي تكون على معيار الأسرة البرجوازية الغربية الفرنسية.

ويضيف ملاك "القضية ليست أن الحراك من أجل الحق في استكمال التعليم شيء ليس مهما، بل أنه أتى كأحد شروط التقدم ومن خلال طرح مسبق يصر على تخلف المرأة، كأن التعليم في زمن الاستعمار هو ما كان سيجعل مصر تتحضر وتكتسب القدرة على حكم نفسها بنفسها، ومن هنا نقع في طرح المستعمر وتأويله لحق تقرير المصير من خلال أجندة نسوية توظف الاستشراق لكي تشرعن احتلالها.

ويقول الباحث "اليوم أرى استمرارية لهذه العلاقة لكن من خلال طبقة ساداتية برجوازية حاكمة مازالت تنعت المرأة العربية على أنها متخلفة نتيجة معدلات الإنجاب وعدم استكمال تعليمهن في زمن ليس هناك أي دليل أن التعليم يضمن وظيفة للمرأة، بل ربما العكس يصبح عبئاً على الأسرة من خلال مصاريف واستغراقه وقت باهظ وتحديداً في الريف حين مازال هناك محاولات من الدولة مستمرة بنزع أراضي الفلاحين وجعلهم جزء من البروليتارية عبر طردهم من أراضيهم وخصخصة عملية الزراعة في مصر.

ويعتقد ملاك أن نمط هذا التدخل ما زال قائماً بما فيه من "استشراق" يوظف من أجل شرعنة تدخلات تلك المنظمات عبر قضايا مثل تحديد النسل دون النظر إلى تدهور القوة الشرائية في مصر، وكأن القضيتين غير مرتبطين ببعض.

فيما يرى عمرو الشاعر أن المنظمات الدولية وفرت دعماً مادياً ومعنوياً وحماية لأفراد الحركة النسوية، ومن ناحية أخرى يرتاب المواطنون البسطاء من الحركة، والذين يرونها تدخلاً في حياتهم الشخصية وفي أسلوب تربية بناتهم ومعاملتهم لأفراد
أسرتهم من النساء، وخاصة عند تبنيهم "أجندة أولويات" تختلف عن أولويات أفراد المجتمع.

العنصرية الذكورية

تصر رنا عيسى على أنه "قبل الحديث عن تفكيك ذهنية العنصرية ضد الرجل، يجب الحديث عن تفكيك العنصرية ضد النسوية في أذهان الغالبية من الرجال، تبدو كلمة نسوية كلمة عبثية تعبر عن زوبعة غير مبررة وفوضى وإزعاج لا داع له”.

وتشير الكاتبة إلى أنه عند اعتراف الذكر بما تعانيه الإناث من إجحاف في البيئة المصرية، في القرى والصعيد، في المدارس وفي عملية التربية، في الحقوق والواجبات القانونية، حينها سيكون من اليسير جدا التحدث عن فلسفة تدعو للمساواة، بالطبع سيكون الاحتكام للكفاءة، مجحفاً للمرأة في البداية بسبب خلفية القمع التي أتت منها الكثير من السيدات لكن إصرار الذكور على تقديم
حقوق وأسلوب تربية مساوي لما يتلقاه الذكر سيؤدي في النهاية لاتزان الكفتين، بما أن السلطات مجموعة في يد الرجل، فهو الأقدر على كسر القوالب والأقدر على المباشرة بالسعي نحو فلسفة متزنة تهدف للمساواة بين الرجل والأنثى”.

من جهة أخرى، يسرد كريم ملاك "إحدى قصصه المفضلة" رغم مأسويتها لأن كثيراً ما ضُرب بها المثل على أنها شبيهة بولادة ٢٥ يناير المتعثرة: قصة أروى صالح صاحبة رواية "المبتسرون: دفاتر واحدة من جيل الحركة الطلابية"، كانت أروى إحدى ناشطات الحركة الطلابية في السبعينات التي كانت تنظم مظاهرات من أجل الحرب ضد إسرائيل وضد النظام، لكن باختصار شديد مع فشل الحركة الطلابية طالها حالة من الإكتئاب، لا سيما من ما رأته من ذكورية التنظيم، وكتبت روايتها ثم انتحرت.

ويضيف ملاك أن المهم في هذا الفشل ليس فقط تسليط الضوء على ذكورية الحراك، فليس هناك أي حراك بلا ذكورية، لكنه التأويل الذي حدث بعد الثورة بأن هذا الفشل دليل على صعوبة التنظيم وتخطي الذكورية حتى في المقاومة، ورغم صدق هذا الطرح لكنه يبقى أسير لسذاجة ترى أن بمجرد طرح فكرة المقاومة لن يكون هناك أي تمييز داخل أي حراك، ولعل هذه السذاجة دليل على خيبة الأمل التي تأتي سريعاً لاحقاً، وربما هنا شيء من السذاجة في طرح أروى حين "صدمت" من ذكورية رفقائها بدلاً من التعامل معها على أن الذكورية تمس كل قطاعات المجتمع، فجزء من صدمتها ناتج عن رفاهيتها في رأيّ وموقع طبقتها.

ويتابع الباحث "وهذا على عكس حراك يدرك من بداية الأمر كون الذكورية خطاب قوي يلمس كل شخص وعلينا أن نقاومه من البداية، علينا أن ننسى الطرح الساذج أن الذكورية في هذه الدوائر نتاج مؤسف أو عندما تظهر داخل دوائر تحررية فنندهش ونصدم، هذا لا يعني أن نتغاضى عن الذكورية ولكن أن ندرك أن جزءا من مقاومة غطرسة الدولة هو في الأساس مقاومة للذكورية".

ويشير ملاك إلى أحد أهم أمثلة الحركات التي نجحت في تبني هذا الطرح، واعترفوا بذكورية حركتهم أحياناً إلى حدٍ ما وواجهوها حتى لم تثنيهم عن عملهم، هم الفهود السود (the black panther party). كان هذا الحراك الذي ولد في مدينة أوكلاند في ولاية كاليفورنيا بالولايات المتحدة في أواخر الستينات، تنظيم يحث السود على محاربة التمييز العنصري ضدهم عبر كل طرق المقاومة بما فيها حمل السلاح كوسيلة للدفاع عن النفس دون استحياء وعبر مكافحة الرأسمالية، رأس الأفعى لخطاب العنصرية ضد السود، فمن خلال برنامج فطور يومي مجاني لأبناء المناطق الفقيرة، وحمل السود السلاح لردع عنف رجل الأبيض، انضم لصفوف الفهود السود الكثير من النساء وشاركن في حمل السلاح وكن جزءا من الكوادر التنظيمية لإخراج دور المرأة من كونها مربية فقط إلى كونها رفيقة، ولكن كل هذا كان قبل أن تستخدم الولايات المتحدة كل الطرق لقتل التنظيم، إما سجنهم، أو اغتيالهم جهاراً نهاراً مثل اغتيال أحد مؤسسين الفهود السود هيوي نيوتون.

ويتابع "أحد الطرق الأخرى لضرب الفهود السود كان من خلال عمليات بروباجاندا عبر إنشاء كيانات تتحدث عن قضايا السود لكنهم "يزايدون" ضد السود ويطالبون بعودتهم لقارة إفريقيا، واتضح في نهاية الأمر أن كانت هذه الكيانات ممولة من الحكومة الأمريكية، فكيف إذن يرى البعض على أن أمريكا حصن حقوق المرأة؟".

بينما يرى عمرو الشاعر أنه بالإمكان الحديث عن مشروع نسوي  قادر على تفكيك الذهنية الذكورية دون عداء يبدو عنصريا للرجل، لكن هذا المشروع لن يصل إلى مثل هذه النتيجة بعد عام أو عامين، فذلك سيحتاج إلى سنين، وربما عقود، لذا يجب أن يكون مبنياً على خطة محكمة تراعي أولويات المجتمع مع تغيير آليات العمل، وتقليل حدة الخطاب، لأن الخطاب التصادمي نادراً ما يحقق نجاحات حقيقية، بينما الخطاب الانسجامي يحقق نجاحات أوسع وأسرع.

 ويعتقد الشاعر أن تغيير اسم الحركة من النسوية إلى "الحقوق النسوية" أو "الكرامة النسوية" أو ما شابه من الأسماء، كفيل بمحو قدر لا بأس به من التشنج تجاه هذه الحركات، وعدم اعتبارها حركات "متعصبة"، ومن ثم انضمام كثيرين إليها وتقبل أكثر لما يدعون إليه من أفكار.

عُزلة النسويات

يعتبر مجدي عبد الهادي إن أزمة النسوية منهجية بالأساس، وتتمثل في غياب منهجية الرؤية التي تجعلها تعي كون وضع المرأة وعلاقتها بالرجل جزء من حالة المجتمع في عمومه، فلا تنفصل حقوقها كإمكانات وحدود عن أوضاع التوازن العامة فيه، مثلها مثل أجر العامل وعلاقته بالرأسمالي المحكومة باعتبارات سوسيواقتصادية، ومثل الديموقراطية والمشاركة الشعبية في الحكم المحكومة بتوازنات سوسيوسياسية.

ويضيف "يرتبط بغياب هذه المنهجية عزلتها عن تاريخها الاجتماعي أولاً وواقعها المصري ثانياً، فالحركة النسوية الأوربية نشأت على قاعدة اجتماعية من النساء العاملات؛ مما يعني أن أصلها يعود للكتلة الأكبر من النساء ويتصل بقضاياهن كفاعلات في النظام الاجتماعي، فكانت تناقضاتهن تعمل ضمن التناقضات الكلية في المجتمع، وليست حركة برجوازية معزولة عن التناقضات الاجتماعية بحكم تركيبها وتمويلها؛ فتخلق تناقضاً طبيعياً عدائياً مع جنس الرجل، وثقافوياً استعلائياً مع الطبقات الوسطى والأدنى ذات الثقافة التقليدية في مجتمع عالم ثالث كمصر"’

ويوضح الكاتب أنه ينتج عن هذا تصوراتها عن الحلول، فلا تبحث عن تغيير تحتي يرتبط بالوعي المنهجي المذكور، بل ترى الممكن فقط هو ذات إستراتيجية الذرية الجزئية لليبراليين التنويريين، أي الاعتماد على سلطة استبدادية "متنورة" بمفهومهم، تقهر المجتمع وتفرض عليه التصورات (التقدمية) المُستوردة من أعلى.

رؤوس في الرمال

تؤكد رنا عيسى أن الحديث عن عدائية المرأة للرجل تحت ظل النسوية محض تسطيح مخل، وبالطبع لكل فلسفة متطرفيها إلا أن المتطرف لا يعبر بالضرورة عن الفلسفة، وعلى عضوات الحركة النسوية بالطبع التصريح بمناهضتهن للخطاب العدائي ضد الذكر بشكل عام والتركيز على نقد ومهاجمة التصرفات المحددة التي يقوم بها الذكور والإناث لفرض سلطة غير مبررة، بالطبع على الجميع عدم دفن رؤوسهم في الرمل، فقد نشأت النسوية بسبب سلطة ذكورية يمارسها رجال ونساء، وعلينا الاعتراف بذلك حتى التخلص منه.

نسوية قاهرية

تقول عيسى "في حالة ظهور من تنتمي لأفكار الحركة النسوية في إقليم أو قرية، فإن القمع بطريقة عنيفة قد تؤدي لتهديد حياتها هو أول ما ستواجهه، لذا فهي إما ضحية أو تخاف من أن تصبح ضحية، لذا لن يكون من السهل إقامة فعالية نسوية في قرية ذكورية رجعية على سبيل المثال، ببساطة لن يسمح لهن، وبالطبع لن يسمح للعضوات الآتين من المدن بتنظيم فعاليات "نسوية" صريحة في القرى”.

وتضيف الكاتبة "كذلك في حين أن من تنتمي لأفكار الحركة في المدن قد تجد من يساندنها أو يناقشنها، فإن نساء القرى والأقاليم يعانين دائما من المحيطات بهن واللاتي أصبحن من أهم أسلحة السلطة الذكورية، فهؤلاء إما يشاركن في ممارسة الإرهاب ضد العضوات المحتملات للحركة وإما ينجحن في ثني عزمهن واستدراجهن إلى المعسكر السلطوي بواسطة الخلفية والتربية المشجعة
على ذلك..  العنف المدمر وإحكام قبضة البطرياركية.. هذه هي إجابة السؤال ببساطة.

في المقابل يرى الكاتب اليساري مجدي عبد الهادي أن اقتصار أنشطة الحركة في مدن المركز دون اقتراب من الأقاليم يعود إلى انشغالات الحركة النسوية البرجوازية ورؤيتها الاستشراقية لذا يصعب أن تجد قبولاً وجمهوراً سوى بين مثقفي ومثقفات المراكز، بالإضافة لاعتبارات التمويل والتغطية الإعلامية".

أجيال الحركة النسوية

وعن تطويرا حدث للتجربة النسوية في مصر بفعل تعدد الأجيال تقول رنا عيسى "بعد المرحلة الذهبية للنسوية المصرية التي كان تعليم البنات من أهم ثمارها، كسدت الحركة تماما رغم التحرر "الظاهري" الذي قد يراه البعض، واختفت الأفكار وحل محلها التقليد إن وجد، ولم يساهم توالي الأجيال في ذلك بطريقة إيجابية حتى الاّن، لكن ربما يأتي الجيل القادم باستعداد أكبر لتحرير الذات ومن ثم تحرير الغير، لكن ليس هناك أرضية صلبة يمكن القول بموجبها أن المستقبل يحمل تطورا جذريا.

وفي المقابل، يرى عبد الهادي أن التجربة النسوية في مصر شهدت انتكاسة تتسق مع اتجاهات التدهور على كافة الأصعدة في مصر؛ وأسوأ المُستجد هو غلبة الأجندة الاستشراقية للمنظمات الغربية الداعمة والممولة، التي لا تفهم واقعنا أو تحتقره أو حتى (تتآمر عليه)، ويرتبط بهذا الانتكاس عن تصورات الأجيال الأولى في تلك الحركة التي ربطت تحرر المرأة بتحرر الوطن، ولم تعزل قضية المرأة عن قضايا المجتمع المصري وقتها؛ فكانت لمنظمات المرأة فعاليتها العامة ضمن الحركة السياسية، ولم تكتف شأن الحركات والجمعيات و(الدكاكين) الحالية بالصراخ حول حقوق المرأة كما لو كانت كائناً علوياً مجرداً عن أي صفة أخرى سوى كونه امرأة، وكما لو كانت قضية المرأة هي القضية الوحيدة ضمن مجتمع لا يعرف أي شكل آخر من الظلم الاجتماعي".

بينما يقول كريم ملاك "التطور الذي أراه في آخر 6 سنوات هو تموضع خطاب حقوقي يسلب خصوصية القضية النسوية وعلى عكس جيل السبعينات، فعلى صعيد فكرة الجمعيات الحقوقية أرى اليوم أن أغلب التعبئة من أجل قضايا المرأة منذ 2011 كانت محصورة في القانون وإصلاحه وتسليحه ثم بدأت تتطور بمواجهة منظومة العدالة (الحملة العالمية ضد عقوبة الإعدام) وأخيراً في مصر أصبحت الجمعيات الحقوقية "حركات" تعول على وجود على مستوى القاعدة الشعبية لرصد الانتهاكات والتحرك ضدها حقوقياً، ولعل أحد هذه الأمثلة انتشار عيادات القانون (legal aid clinics) بعد إدراك هذه الجمعيات أنهم يعملوا فقط في المدن.

ويؤكد ملاك أن هذا "تفكير متأزم" لأن فكرة النسوية تتخطى القانون وحصرها في الحركة الحقوقية أشبه بحقبة الستينات في أمريكا والغرب، حين كان الحلم هو انتزاع امتيازات قانونية تساوى بين الرجل و المرأة، لكن سرعان ما تم اكتشاف ضعف هذا الطرح الذي يطرق البنية الذكورية كما هي، بل ربما يعيد ولادتها من جديد، لكن مع صورةٌ جديدة من خلال قانون يعامل الجنسين سواسية لكن فقط على الورق.

ويضيف الباحث أن هذا التطور يثبت أن حركة نسوية كانت تواجه الدولة بدلاً من حركة تلعب على أرضية الدولة وقوانينها، وشتان الفرق بين الحاضر والسبعينات، خصيصاً المواجهة لمشروع الانفتاح والتطبيع حين دفعت المدافعات عن حقوق المرأة ثمناً باهظً في سجنهم، ولهؤلاء النسويات تاريخ يسبق حقبة الانفتاح، فحتي تحت حكم عبد الناصر عام ١٩٥٩ سجنت وداد متري لكونها شيوعية ونتيجة نشاطها المسلح، وشاهندة مقلد مثال آخر لمرأة خاضت هذه التجربة من أجل مشروع تحرري في عصر عبد الناصر ودفعت ثمنه حين تم قتل زوجها صلاح شاهين في حادثة كمشيش عام ١٩٦٦ من خلال تجربة إعادة توزيع أطيان الأراضي على الفلاحين بعيوبه.

ويلفت ملاك النظر إلى أن هؤلاء النساء وأزواجهن قرروا خوض التجربة وفي المقابل سجنوا تحت حكم عبد الناصر، هذا لا يعني أنهن كانوا ضمن تجربة مشروع ناصر دون تحفظات، لكنهن شاركن في بداية بوادر إطار مشروعهم الماركسي هدفه كان إعادة توزيع الأراضي الزراعية رغم علمهن بمشاكل في كون المشروع لا يجتاز حدود معينة، الأمر الذي كان سيدفع عبد الناصر لاحقاً لخفض سقف امتلاك أطيان زراعية مرتين، ولكن يبقى في النهاية أن هؤلاء النساء شاركن، ورغم ما ينسب لعصر عبد الناصر زورًا على أنه عصر بلا حريات للفرد، بدلاً من نقده لعدم استكماله مشاريع اجتماعية تحررية، لم تر الساحة العامة تحديات لمحاولات الحشد مثل ما كان سيأتي لاحقاً إلا حين أطلق يد البرجوازية الساداتية المُطبعة، الأمر الذي أدى لقتل أي طموحات حقيقية نحو الحشد من أجل مشروع تحررى للرجل والمرأة كما كان واضحاً في الحركة الطلابية في السبعينات.

وبدوره يرى عمرو الشاعر أن هناك تطويرا حدث للتجربة النسوية في مصر، لكن ليس راجعاً بالمقام الأول إلى تطويرهم أسلوب الخطاب، وإنما إلى نمو الوعي عند شرائح كبيرة من المجتمع، ومن ثم أصبح هناك تبني لأفكار المنظمات النسوية من كثير من الفتيات تحديدا، في النقاشات وفي الدائرة المجتمعية الصغيرة، وكذلك تقبل للعديد من الشباب لهذه الأفكار حتى وإن لم يقدروا على تنفيذها.

أسلاك شائكة 

تقول عيسى إن أهم نقاط القوة في الخطاب النسوي مؤخرا هو الدعوة للاستقلال وللخيار الحر، ويمكن القول إن الاستقلال هو بداية الخروج عن الطريق المحاط بالأسلاك الشائكة الذي سارت عليه أجيال النسوة عاما بعد عام، ومع ممارسة الخيار الحر يأتي النضج تدريجيا مما يساعد على تكوين "عقول نسوية" قائمة بذاتها بدلا من "تابعات" لكن اّثار الأمر لا تزال بعيدة خاصة وأن للأمر بعد اقتصادي وقانوني معقد.

وتضيف الكاتبة أن نقاط الضعف يمكن تلخيصها في الهوجائية، وانعدام النظام والخلل في المنهج وانعدام نقد الذات والمنهجية في نقد الاّخر.

 

وفي المقابل يشير مجدي عبد الهادي إلى أن هناك نقاط قوة في الخطاب النسوي وتتمثل في تزايد الوعي بأهمية الاستقلال الاقتصادي للمرأة، وفي ظهور بوادر لاتساق في الخطاب، بحيث أصبحت بعض قطاعاته تفهم استحالة الجمع بين المساواة بالرجل والاحتفاظ بمزايا المرأة التقليدية، سواء بمنطق العدالة أو بمنطق قوانين الواقع.

ويضيف عبد الهادي أن نقاط الضعف الأساسية تتمثل في الاستشراقية، وعزل قضية المرأة عن باقي قضايا المجتمع، وغلبة الرؤى والمنطلقات البرجوازية، واستمرار غلبة ازدواجية المعايير (التي تمثل انعكاساً لذاتية وضيق أفق المرأة التقليدية بما لا يليق بداعيات عدالة ومساواة).

بينما يرى عمرو الشاعر أن نقاط القوة في الخطاب النسوي ترجع إلى تبنيه قضايا عادلة مثل مظلومية المرأة وعدم حصولها على حقوقها، واعتبارها مواطن درجة ثانية، وإنسانا غير كامل ومحاولتها إصلاح كفة المجتمع المائلة بإيجاد حالة من التوازن بين
شقيه: الرجال والنساء.

 فيما يرجع نقاط الضعف إلى اعتبار قضايا النسوية مسلمات بديهية، ومن ثم عرضها هكذا، وافتراض أن الطرف الآخر معاند ومكابر ومن ثم عدم القيام بتفكيك المنظومة الفكرية السائدة بالقدر الكافي.

أفق النسوية 

يقول مجدي عبد الهادي إن نقد المقدسات لدى المجتمع الذكوري هو خطوة لا بديل عنها ولا مفر منها أبدا في الطريق نحو المساواة، وعادة ما يكون فهم العامة للمقدس ينطوي على الكثير من الإجحاف في حق "الاّخر" وعادة ما يكون يكون هذا الآخر هو الأنثى، لذا يرتبط نجاح الفكر النسوي في الانتشار بنجاح فكرة نقد الطبقات المتراكمة من الأفكار التي يظن الكثيرون أنها مقدسة بل والمقدسة بالفعل، وتعتمد النسوية على نقد كل الأنظمة حتى ذاتها ولا يستثنى الدين من ذلك، ولا يجب أن يستثنى طالما أن الدين يؤثر على كيفية سير المجتمع والقانون والاقتصاد والتعليم".

ويضيف الكاتب "بالطبع يمكن درأ دموية هذه المواجهة في حالة علمنة قوانين الدولة وأخلاقيات المجتمع جاعلة من الدين ممارسة ذاتية، لكن هذا حلم بحد ذاته يشبه حلم النسوية بالمساواة".

ويؤكد عبد الهادي أنه يمكن الحديث عن مشروع نسوي قادر على تفكيك الذهنية الذكورية دون عداء يبدو عنصريا للرجل، فقط لو تموضعت الحركة ضمن سياقها الاجتماعي واكتسبت محتوىً "تقدمياً"، فالأبوية، وهو المصطلح الأصح اجتماعياً وتاريخياً، وليس مصطلح الذكورية الملائم لنسوية برجوازية منزوعة الدسم النقدي، المهم أن هذه الأبوية هي نتاج نظام اجتماعي هو ما يجعل الأسرة التقليدية وحدة اقتصادية، ويوكل الرجل بالتالي، في ظل ضعف الإنتاجية، بقهر المرأة؛ لضمان قيام الأسرة بدورها في دوران دولاب التجديد الاجتماعي.

ويضيف الكاتب "إذا لم تفعل الحركة ذلك، وفضلت الابتعاد عن أي تناقض مع النظام الاجتماعي، أو حتى الارتزاق منه، كما هو حال الجمعيات المُمولة والمدعومة من المنظمات الدولية؛ فمن الطبيعي أن تهيم في المجرد، وتحيل ما هو اجتماعي الطابع إلى أصول طبيعية وثقافية؛ فيصبح العدو طبيعياً هو جنس الرجال، أو ثقافياً هو المجتمع الذكوري معدوم التاريخية، أو الإثنين معاً عند النسويات البرجوازيات".

ويوضح عبد الهادي أن النقد النسوي لموقف التراث من المرأة عمل ضروري بالتأكيد، لكن مشكلتنا هي مع ضرورة ترتيب الأولويات والوعي بمرحلة تطور المجتمع، فبدون هذا ينتهي بهن الأمر للعداء مع المجتمع فعلاً وعزل أنفسهن عنه، بدلاً من التأثير فيه.

بينما يقول كريم ملاك "لستُ من أنصار علمنة قضية المرأة، وأرى الهجوم على المقدس ومؤسساته مثل الأزهر، رغماً عن مشاكله وفقدان استقلاليته، يعمق الأزمة، فعلى سبيل المثال أثناء أزمة "قانون جيهان السادات"، الذي كان نظرياً يُمكّن المرأة بحقوق أكثر وتـسبب في صدام مع الأزهر، لم يكن عبارة عن صراع بين نسوية الدولة الليبرالية والدين، بل أنه في حقيقة الأمر طرح الأزمة على أن هناك تعارضا بين قانون تقدمي نسوي مع المقدس بعيد تماماً عن ما حدث، بل هذا الصراع خير دليل على أن السلطة الحاكمة تنصب نفسها على أنها لها القول الأخير في قضايا المجتمع وتستخدم ذراعين للحكم. 

ويضيف ملاك "طرح الرئيس المؤمن قدرته على صون الدين برسم حدود تدخل الدين في المجال العام، وفي المقابل يطرح أيضًا حدود الحقوق للمواطنين في المساحة الخاصة عبر القانون وتمكين المرأة، بربط قضايا المرأة وحدود وأشكال ظهور الدين تصبح القضية بعيداً عن الأقداس تماماً وتصبح شيئا وضعيا وحسبة معقدة غرضها عملية توازن وكل طرف يهاجم الآخر لكي يحرز نقطة على حساب الثاني دون أدنى تذمر مِن مَن يحرك ويسمح بكل طرف التحرك: الدولة.

ويتابع الباحث "مثلما يلبس الرئيس السادات قبعة الرئيس المؤمن فهو كان أيضاً ينعت بأنه الـ"cow boy" (الأمريكاني راكب الحصان) وحبيب أمريكا نتيجة تفتحه اقتصاديا وحقوقياً على غرار تجربة الغرب في زرع خطاب نسوي غربي يعول على القانون كعصا سحرية لحل مشاكل المجتمع، وهذا الفكر وربط الحقوق بالقانون ما هو إلا باكورة إنتاج الموجة الثانية النسوية.

ويؤكد ملاك أنه من خلال تقديم نموذج بعيد عن القانون والعلمانية وعبر آليات مجتمعية، ربما يبدأ النقاش حول مساحات تحرر جديدة مثلما حصل مع "الفهود السود" قبل أن تشن أمريكا الحرب عليهم وتشتتهم، مضيفا "أنا لا أتحدث على إرث القضاء الشرعي الموجود اليوم في الصعيد الذي بالنسبة لي في نفس ميزان القانون في قمعه وفقدانه شرعية لا لأنه يدعي أنه شرعي في حين أنه منسوب لتقاليد أغلبها مصطنعة وترتبط بمصالح كبيري المنطقة التي يقع فيها من يتبعوا هذه المنظومة.

شارك الخبر على