مصر مش تونس

حوالي ٧ سنوات فى التحرير

هل تذكرون تلك المقولة التي خرج الأشاوس يقولونها في 2011 بعد أن وقعت الثورة التونسية والتي كانت شرارة البدء في ثورات الربيع العربي وبعد نهايتها مباشرة كان الشباب المصري قد أعلن ثورته في الـ25 من يناير لتتحرك الجموع السلمية مطالبة بحقوقها في العيش والحرية والعدالة الاجتماعية.

لم أسمع حتى الآن من خرج ليقول "مصر مش تونس"، وبالطبع لم أتابع كل البرامج، ولكني أعتقد أنهم يتحسبون الآن، ولكني أوضحت عبر هذه الجريدة في شهر مارس في مقال بعنوان مصر مش عالم تالت، وأوضحت أن مصر مش تونس فعلا وأوضحت بعض الفروق، ومما ذكرته أن المعلم المبتدئ يتقاضى بالدينار ما يساوي 600 يورو وهو ما يصل إلى 12 ألف جنيه تقريبا، وتذكرت غضب الرئيس عندما قال له عضو البرلمان عن عزبة سعد في دمياط إن الزيادات ينبغي أن تؤجل حتى يكون الحد الأدنى للأجور ثلاثة آلاف جنيه، غضب الرئيس غضبا شديدا واتهمه بعدم فهم الأمور وأن المصريين الذين يطلبون ذلك مش عايزين مصر تقوم.

التقارير التي تقدم للرئيس تقول إن الشعب غاضب وإن كل الاحتمالات مفتوحة، وهذا ما دفعه في لقاء سابق، إلى أن يقول لو قمتوا مصر مش حترجع تاني ولازم تصبروا.

التقارير الأمريكية تقول إن مصر على فوهة بركان قابل للانفجار في أي لحظة.

الأوضاع في مصر أكثر من مأساوية، ارتفعت الأسعار بشكل مهول دون أي زيادة في الرواتب، بالإضافة إلى خروج ناس من أعمالهم بسبب ارتفاع العملة، وتراجع التجارة بشكل كبير، فمن يعملون في مصر طبقا لتقارير التعبئة والإحصاء 25 مليون مواطن، 7 منهم في الجهاز الإداري للدولة والباقي في القطاع الخاص، الحكومة ليس لديها أوبشن التسريح والفصل والمعاش المبكر الإجباري، ولكن القطاع الخاص ليس له رفاهية إعطاء رواتب بلا عمل، وبالتالي التسريح على أشده، هذا بالنسبة للمصانع الكبيرة، أما الأعمال الوسيطة كتجار التجزئة والنقل وما شابه فقد تراجعت بشكل كبير، في ظل توجه الناس لتلبية الحد الأدني من احتياجاتهم الغذائية، فقد تراجع بشدة شراء الملابس والأجهزة والأدوات المنزلية، وأغلقت مطاعم ومتاجر ومصانع.

لا نتحدث عن رواتب ضئيلة الآن ولكننا نتحدث عن مشرَّدين، وما تسمى معاشات تكافل وكرامة فهي مبالغ زهيدة، لا تكفي لإطعام طفل صغير لا أسرة كبيرة.

يدَّعي النظام أنه ليس لديه أموال وأنه فقير أوي، ولكن القطاع الأعرض من الجمهور يرى أنه سوء تخطيط وسوء توزيع للثروة، وتفضيل فئات على فئات أخرى، وأن الفساد ما زال مستمرا بقوة، ويسمع بأذنيه ويرى بأم عينيه تريليونات معلنة تصرف هنا وهناك. نحن نتحدث عن أرقام من ذات الاثنى عشر صفرا وليس التسعة كما كنا نسمع سابقا، من نظام يقول إنه مش لاقي وفقير، ويرفض أن يضخ 18 مليار في القطاع الحكومي في أزمة المادة 5 الشهيرة في مجلس النواب، التي انتصرت فيها الحكومة بفرض المادة خمسة وحجب الـ18 مليار عن البسطاء.

هناك قطاع من الشعب المصري ما زال قادرا على الصراع للبقاء ولو حتى بمستويات معيشة أدنى، ولكن هناك قطاع بالمصطلح المصري جاب جاز، يعني وصل إلى الدرجة التي لا يستطيع فيها تلبية احتياجات أسرته الصغيرة من الغذاء والدواء، وهذه الشريحة وهي ليست قليلة، لن يخيفها التهديد بمصير سوريا والعراق وليبيا، ويرون أنهم في مصير أسوأ من مصيرهم بل إن الملايين تهرب إلى ليبيا الآن، وقد قال الرئيس مرة للمحررين الذين كانوا مختطفين في ليبيا إن مصر أفضل ولا تسافروا لهناك ولكن المصريين ما زالوا يسافرون ويفضلون أوضاع ليبيا عن أوضاع مصر، وفي الأيام الماضية خرجت الفنانة إلهام شاهين لتقول من سوريا، إن سوريا جميلة وآمنة ومطئنة، وإن ما يقال في الإعلام هو إشاعات، ولو جئنا للحقيقة بعيدا عن القرى والمدن المدمرة والمهدمة، فإن المدن والقرى المستقرة أوضاعها أفضل من أوضاع المصريين البؤساء، ولقد قال لي باحث سوري، إنه حتى الأماكن الواقعة تحت سيطرة داعش، فقد قال إن أوضاعها الاقتصادية مرتفعة لتدفق الرواتب بالعملة الصعبة على المقاتلين الداعشيين وإنهم يضخونها في اقتصاد تلك المدينة، ولا يزعجهم إلا مناوشات الطيران الغربي على المدينة، وقال إن مستوى الخدمات مرتفع. 
وقد قال لي هذا الكلام باحث علماني معارض يكره "داعش" أكثر من كرهه لبشار، ولكنه يتحدث عن الاقتصاد، ويقول إن المواطنين العاديين لا يهمهم أي نظام عقابي يطبق حتى لو كان من الحدود الدينية ولكنه يهمه حياته اليومية.

الشباب في تونس خرج ليعيد مطالب الثورة الأولى، البطالة والفساد، وهو يرى استمرار النظام القديم بفساده، وقف الجيش على الحياد، تعاملت الشرطة بمهنية، سقط قتيل تحت عجلات سيارة شرطة عن طريق الخطأ، انفعل الشباب وهاجموا مركز الشرطة والتفاوض هو سلاح الحكومة لا العنف وتحاول تلبية مطالب المتظاهرين.

أخشى على مصر من انفجار عشوائي غوغائي يمارس النهب والسرقة، وأنصح النظام بأن يفتح المجال العام ولو قليلا ويسمح بتحركات محسوبة تنفيثا عن الغضب وتعبيرا عن الرأي بعد إخطار الأجهزة الأمنية، لأنني لا أرى إلا إحتمالين لا ثالث لهما، إما فتح المجال العام والسماح بالتظاهر والتعبير عن الرأي والتنفيث عن الغضب، وإما الانفجار العشوائي الغوغائي العنيف.

نصيحتي بالتشاور مع النخبة السياسية والتحاور مع خبراء السياسة حتى لو كانوا من الموالاة، ولكن إدارة الأمور بالإصرار والتحدي والأحادية وعدم الرؤية إلا طريقا واحدا وحلا وحيدا فهذا أمر يجافي الواقع والحقيقة، دائما هناك بدائل، وهناك حلول أخرى، وهناك مواءمات سياسية واجتماعية.
كيف تظهر هذه الحلول الأخرى والبدائل، بتوسيع نطاق التشاور مع نطاق أكبر من الساسة القدامى والأكاديميين المحترفين وهم كثر في مصر.

مصر مش تونس لأن مصر أسوأ بكثير.

شارك الخبر على