Who is popular today?

إزاي بتتكوّن سمعة الفنان؟ أجيال التسعينيات والألفية كبرت وهي بتسمع عن أم كلثوم وعبد الوهاب وعبد الحليم، بس عمرها ما شافت المغنيين دول، ولا سمعت حفلات مجدهم في الراديو وفي التليفزيون، ولا حفظت أغانيهم أصلاً. ومع ذلك، إذا شاب منهم اتسأل مين أهم مغنيين في تاريخ مصر، في الغالب هيقول أم كلثوم وعبد الوهاب وعبد الحليم، حتى لو هو نفسه ممكن يفضّل يسمع طارق الشيخ أو تامر حسني.

السمعة الفنية دي راجعة للحقل الفني، حسب تعبير عالم الاجتماع الفرنسي پيير بورديو. حقل بورديو مش مكان بعينه زي الحقل اللي بتتربى فيه الحيوانات، ده هيكل موضوعي بيحدد مركز وموقف كل بني آدم من الثاني في عالم اجتماعي ما. الحقل في كتابات بورديو أنواع: حقل سياسي وحقل اقتصادي، حقل ثقافي وحقل فني.. إلخ. بغض النظر عن نوعه، الحقل عبارة عن منافسة كبيرة، والمنافسة دي مش متساوية، لأن الحقل له أسياد وباقي المنافسين بيحاولوا يستولوا على مراكزهم. كل واحد عنده تكتيك معيّن واستعداد معيّن للتقدم في الحقل، وبيستثمر قدراته وعلاقاته وبرستیجه وأمواله عشان يعرف يوصل لمراكز أفضل.

المنافسة دي واضحة في حالة السياسة زي ما هي واضحة في الفن. أي مغني بيظهر على الساحة النهارده لازم يخش في حقل فني موجود ومترسخ، ولازم يستثمر في نفسه وفي علاقاته وفی برستیجه عشان نجمه يصعد. في الحقل الفني الحالي، الكلاسيكيين زي أم كلثوم وعبد الوهاب وعبد الحليم هم اللي عندهم برستيج ومركز مهم، وأي حاجة شعبية أو شبابية أو مهرجانية بتقع في مركز أدنى جوه الحقل.

مع إن سمعة اللي بيغني كلاسيكي أحسن بشكل موضوعي، ده مش معناه إن اللي بيغني شعبي أو شبابي سمعته بتبقى وحشة بشكل افتراضي، لأن للسمعة درجات. بعيدًا عن التصورات المسبقة عن الموسيقى الشعبية والشبابية، لازم نعترف إن حكيم وعدوية وتامر حسني وأوكا وأورتيجا عندهم شهرة وفلوس بتعمل لهم سمعة، وعشان كده هم جزء من الحقل الفني زيهم زي أم كلثوم وعبد الوهاب وعبد الحليم، بس في مركز أقل عشان برستيجهم مش كافي.

يعني المغنيين المشهورين عندهم إمكانيات اقتصادية وعلاقات اجتماعية يقدروا يستثمروها عشان يحسّنوا وضعهم في الحقل الفني، بس ماعندهمش البرستيج اللي يسمح بإنهم يبقوا أسياد الحقل. الفرق بين شهرة فنانة زي أم كلثوم وشهرة فنان زي تامر حسني إن هي عندها برستيج موضوعي وهو ماعندوش، ببساطة عشان الفلوس ماتقدرش تشتري البرستيج حسب معايير الحقل. وفي رأي بورديو، كل ما الفنان حاول يستبعد الشهرة والفلوس، كل ما زاد برستيجه وظهر إخلاصه للفن، وده الفرق الأساسي بين أم كلثوم وتامر حسني.

ممكن ننتقد نظريات بورديو ونقول إنها بتكرر تصورات الطبقات الوسطى والعليا عن الفن. النقد ده دقيق نسبيًّا، لأن شكل الحقل الفني هيتغيّر إذا سألنا مدير الأوبرا أو "دي جي" في أفراح عن آرائهم الفنية. رد بورديو الأساسي إن الطبقات الوسطى والعليا مهيمنة في الحقل السياسي والاقتصادي والثقافي، فبالتبعية آراؤها في الفن هي المهيمنة في الحقل الفني، والحقل الفني مش مسألة رؤية شخصية، ده هيكل موضوعي  بيرسخ مراكز الفنانين ومواقفهم من بعض في ظرف تاريخي معيّن. والواضح إن سمعة أم كلثوم وعبد الوهاب وعبد الحليم أحسن من سمعة أي مغني ثاني في الهيكل ده، حتى لو الحقل بطبعه ممكن يتغيّر مع الزمن، ونجم الواحد ممكن يصعد أو يتحطم.

الوعي بالتغييرات دي درس لازم ناخده في الفن وفي السياسة، لأن اللي كان سيد الحقل في وقت من الأوقات ممكن يخسر مكانته، ولو إن الحقل نفسه هيفضل موجود.