حوار مخرج «نحبك هادى» تقدم السينما التونسية من أبرز إيجابيات الربيع العربي

حوالي ٧ سنوات فى التحرير

معظم الأفلام التونسية قائمة على سينما المؤلف المخرج.. ولا يمكننى تقديم أعمال مصرية 

انفجار شخصية «هادى» بعدما تعرف على «ريم».. يشبه اكتشافنا لأنفسنا مع قيام الثورة التونسية

أفضل الحكى عن الثورة بشكل غير مباشر.. وهدوؤنا بعدها ليس «خيبة أمل» بل لاستيعاب تجربة الديمقراطية

استطاع المخرج التونسى محمد بن عطية لفت الأنظار بتجربته السينمائية الأولى فى مجال الأفلام الروائية الطويلة عبر عمل يحلم اسم «نحبك هادى»، والذى حصل عنه على عدة جوائز، منها أفضل فيلم بمهرجان برلين السينمائى الدولى فى دورته الأخيرة، متناولًا قصة اجتماعية وإنسانية كتبها وأخرجها أيضًا مدتها 86 دقيقة.

 يحكى الفيلم عن شاب بسيط لا يتحدث كثيرًا وحياته عادية، لا يهتم بما يجرى حوله ويترك لوالدته التحكم فى عيشته، حتى تختار له عروسته، وقبل الزفاف بعدة أيام يلتقى بفتاة تعمل فى أحد الفنادق الكبيرة، وحياتها تمثل النقيض لحياته فهى مليئة بالطيش، فينجذب لها وتنشأ بينهما علاقة عاطفية وجنسية، تكون سببًا فى ثورته على أسرته وحياته العادية التى أصبح غير قادر على تقبلها والعودة إليها.

«التحرير» التقت بابن عطية للحديث معه عن فيلمه الطويل الأول، وربطه للأحداث التى عاشها البطل بالثورة التونسية، وكذلك رؤيته لوضع السينما التونسية.

- كيف وجدت ردود الأفعال حول «نحبك هادى»؟

الحقيقة أنها فاجأتنى جدًّا، إذ نال العمل إشادات كبيرة على مستوى النقد، وكذلك جوائز من مهرجانات سينمائية كبيرة، وهو ما لم أتوقعه فى أولى تجاربى الطويلة، ولا حتى منتجة العمل درة أبو شوشة، والتى لها تجارب سابقة عديدة، ويهمنى أن يحظى الفيلم باهتمام من هذه الجهات، كذلك الحال بالنسبة للجماهير، فالعمل ليس مُقدّمًا لنا كصنّاع فقط، إنما للجمهور بين مشاهد عادى وصحافة أو حتى نقاد سينمائيين.

- كتبت الفيلم وقمت بإخراجه أيضًا.. هل هذا يعنى تفضيلًا لـ«سينما المؤلف المخرج»؟

بالطبع أفضلها للغاية، كما أن معظم الأفلام التى يتم تقديمها فى تونس يكتبها ويخرجها شخص واحد، وعن نفسى لا تمييز للكتابة لدىّ عن الإخراج، فأنا أعشق كل مراحل العملية الفنية من الكتابة ثم التعامل مع الممثلين والإخراج والمونتاج.

- وهل ترى أن خطوة إخراجك لعمل سينمائى طويل قد تأخرت؟

تأخرت جدًا، لكننى لم أكن متعجلا عليها، صحيح عمرى 41 سنة، لكن كل شىء يأتى فى وقته، وهذه الخطوة قمت بها بعدما أصبحت أمتلك جرأة عن تقديم مجموعة من الأنشطة بأفلام قصيرة، وبات بإمكانى تقديم شريط طويل.

- وعلى أى أساس اخترت أبطال «نحبك هادى»؟

وفقًا لطبيعة كل شخصية يقدمونها، مثلا توجب أن يكون «هادى» ذا بشرة بيضاء بدرجة أكبر من البطلة، وبأداء يناسب أحداث الفيلم التى تأتى فى إطار هادئ أيضًا، فوقع الاختيار على مجد مستورة، أما ريم بن مسعود فقد رشحتها لى المنتجة، وكنت خائفًا منها فى البداية، لأنها تستخدم المكياج بكثرة وترتدى ملابس ذات ألوان زاهية، وأنا وضعت تخيلا لـ«ريم» بأن يكون جمالها طبيعيا دون مكياج كالأطفال.

وتابع: بصراحة ريم فاجأتنى فى أول يوم فى التصوير، إذ حضرت دون «بهرجة» فى هيئتها، وجاء أداؤها يتفق مع الشخصية تمامًا، فهى تجلس كالرجال، وترتدى الجينز، وتتناول القهوة والشيشة، فى المقابل كان «هادى» أكثر أنثوية منها، وهو ما كسر الصورة المعتادة للرجل والمرأة فى علاقتهما، بأن يكون هو فى عُمر أكبر منها، وهى الشابة المتزينة، أما صباح بوزويته فقد رشحتها لى لينا شعبان من الشركة المنتجة، وجرى بيننا تفاهم كبير.

- وما أبرز الصعوبات التى واجهتك فى فيلمك الطويل الأول؟

لم تكن هناك أي صعوبات على الإطلاق، بالعكس أشعر أننى كان لدى حظ كبير فى «نحبك هادى» من الكتابة لترشيح الممثلين والإخراج والإنتاج.

- فى لقطات سريعة من الفيلم جاءت سيرة الثورة التونسية.. هل قصدت الإشارة إليها؟

نعم، إذ أفضل الحكى عن الثورة بشكل غير مباشر، من خلال الإسقاط على ثورة هادى، ذلك الشاب الذى قبل بأن تكون حياته كما ترغب والدته وصامت على ذلك، وهو نفس وضعنا قبل ثورة تونس، وتملكنا شعور بالكسل والبطء، حتى قامت الثورة، والثورة فى الفيلم هى معرفته بـ«ريم»، وعلاقته بها، بعدها حدث انفجار فى الشخصية واكتشف نفسه عن طريقها، حتى فى علاقتهما الجنسية تعرف على شخصيته فيها وبدنه أيضًا من خلالها، وتغيرت نظرته نحو الحياة، ونحن اكتشفنا أنفسنا عن طريق الثورة التونسية.

- هل هذا يعنى رفضك لتقديم فيلم عن الثورة التونسية؟

فى عام 2011 لم أكن أستطيع تناول الثورة التونسية ببساطة ومباشرة، من جهة أخرى أفضل أن يأتى التناول عبر مسائل وموضوعات اجتماعية، إما وقعت وقت الثورة أو نحللها بطريقة وصيغة تقترب من الثورة، كما أن المشاهد قد مل من كثرة الأفلام التى تتناول الثورات، وإن كان حدث فلا يمكن تمريره دون توثيقه، لكن أذكر أننا قبل قيام الثورة كانت المقالات السينمائية تطالب بالتوقف عن تقديم «أفلام حمامات الساونا»، والتى أصبحت أكلشيه فى السينما التونسية، وأصبحت هناك حرية اختيار للمشاهد بين أنوع كثيرة بين الكوميدى والأكشن والاجتماعى، والجمهور يرغب فى تلك الكوميدية هربًا من أعمال المشكلات والثورة.

- ولماذا عاد بطل الفيلم إلى وضعه السابق للثورة التى عاشها؟

هادى لم يعد إلى حياته، لكنه لم يكن فى مقدوره أن يستمر فى عيش حياة تمثل النقيض لحياته، فهو قد مرّ بالمراحل المعروفة من قوة ثم ضعف وتجربة وخوف وقرار، والوضع نفسه بالنسبة لنا بعد الثورة التونسية، فنحن لم نهدأ ليشكل ذلك تراجعًا أو ليعد خيبة أمل، لكننا هدأنا لنفهم ونستوعب تجربة الديمقراطية الجديدة التى لم نكن نعرفها من قبل.

- ولماذا تعاطفت ريم معه رغم تركه لها فى المطار ليعود إلى حياته؟

لأنها كانت تعلم أنه لن يستطيع مواصلة طريقه معها، وأكثر مشهد أعجبنى فى «نحبك هادى»، ما جمع البطلين عندما أكد لها أنه لن يتركها وسيغير من حياته لأجلها، وسيسافر معها، وقتها دمعت عين ريم، لأن تجربتها فى الحياة أكبر منه، وكانت متأكدة أن وعوده هذه لن تتم، إذ فهمته وتعرفت عليه أكثر ما يعرف هو نفسه، بالتالى لم يكن موقفه مفاجئًا بالنسبة لها.

- وكيف ترى وضع السينما التونسية؟

أجدها فى وضع متقدم جدًا، والإحصائيات موجودة وتشهد على ذلك، فقبل ثورات الربيع العربى كنّا نطرح 3 أفلام فى العام الواحد، لكن حاليا أصبحنا نقدم أفلاما يتراوح عددها بين 15 و20 عملًا سنيمائيًّا، كذلك ارتقت الأفلام على مستوى الجودة، وأرى أن من أبرز إيجابيات الثورة هو تحسين وضع السينما التونسية.

- وهل تفكر فى إخراج أفلام  مصرية؟

لا أتوقع ذلك، حتى فى فرنسا عرضوا علىّ إخراج أفلامًا فرنسية وأنا عاشق لسينما هذا البلد، لكننى اعتذرت أيضًا لأننى أفضل الكتابة والحكى عن موضوعات أعلمها وأشعر بها.

- وماذا عن فيلمك الجديد؟

انتهيت من كتابته، وهو عن أب يمر بحادث مهم يغير نظرته عن السعادة والحياة، إذ كان يظن نفسه سعيدًا، وقريبًا أعلن نجومه، والذين أرجح أن يكونوا غير معروفين.

ذكر فى هذا الخبر
شارك الخبر على