يوميات الأخبار

أكثر من ٧ سنوات فى أخبار اليوم

حال المزارع والعامل فى مصر لا يـسر أحداً ؛ على الرغم من أنهما أساس الطبقة الوسطى التى تُبنى عليها الدول؛ فهم الذين يؤسسون تقدّم الأمم، ومن ينظر إلى حالهم فى مصر يجد عجباً، فبعد أن اكتسب المزارعون بقوانين الإصلاح الزراعى مكاسب حققتها لهم ثورة 23 يوليو فصار المزارع يمتلك أرضا مع مجانية التعليم فى هذه الآونة، لنرى من أبنائهم من صار رئيس دولة «وما أدراك ما الســتينيات»؟ اليوم صارت أرضهم معرضة للبوار.
المزارعون يعملون دون عائد مادى منصف، ودون تأمين صحى، ودون تأمين ضد البطالة؛ ففى موسم الجنى لو توالى سقوط المطر فى ألمانيا ثلاثة أيام متصلة يحصل المزارع الألمانى على تعويض، أما مزارعونا فهم الطبقة التى تعطى ولا تأخذ، وقد فوجئَتْ مصر كلها بما حدث فى «شون» الغلال وصوامعها من تلاعب يدفع ثمنه المزارعون والدولة كلها، ويقترب حجم الفساد كما ضبطته اللجنة البرلمانية لتقصى أحوال الصوامع إلى نصف مليار جنيه أو يزيد! فالمزارع يأخذ قمحه إلى الشونة حتى يورّده للدولة فيسوّف الموظفون المسئولون فى استلامها؛ وإذا قبلوا بعد أيام طويلة تقف فيها السيارات مُحمّلة بالغلال فى طابور طويل يبخسونه ثمنها، ويرخّصون سعرها.
وأما ما يحدث مع مزارعى قصب السكر فى صعيد مصر فهو العجب العجاب؛ فالدولة تحدد حقول الأراضى التى يجب زراعة القصب بها؛ وإذا خالف المزارع الدورة الزراعية يتعرض للعقوبة، فيلتزم المزارعون بما قررته الدولة ويزرعون قصب السكر الذى يتطلب أطناناً من السماد الذى لا توفره الجمعيات الزراعية عمدا أو دون عمد فيلجأ إلى السوق السوداء التى نجده متوافرا بها بأضعاف ثمنه فيشتريه المزارعون مضطرين وإلا بارت المحاصيل مستحق فى الشتاء تصرفه فى الصيف والعكس حتى يقع المزارع تحت جشع البائعين، والعجيب أن الجمعيات الزراعية تصرف للمزارعين السماد ويفاجأ المزارعون بآفات وحشرات تصيب القصب فيضطرون لشراء المبيدات ورشّها على نفقتهم؛ فلا يرون مرشدا زراعيا ولا من يهتم بأبحاث تنمى المحصول وتقضى على الحشرات، كما أن الفئران انتشرت بين الحقول ولا مقاومة بل تركها المسئولون تقرض المحاصيل وتتقوى عليها ليبصر المزارع أعواد القصب وقد تحولت إلى كوم قش، ولذا يتعرض المحصول للحريق فيعاقب المزارع على حريق حقله وهو المتضرر الأول والأخير، ثم يأتى العجب العجاب فى العقد المبرم بين مصنع السكر والمزارع إذْ يلتزم المصنع بنقل المحصول بقطار المصنع الذى كان يمر قريبا من الحقول؛ ومنذ سنوات طوال توقفت معظم القطارات الناقلة وسرق السارقون المعروفون قضبان السكك الحديدية، فلم يعد هنالك قضبان ولا قطارات؛ وعندما طالب المزارعون بنقل محاصيلهم على نفقة المصنع إعمالا لبنود العقد رفض المصنع، بل طلب طلبا غريبا ليبرئ ساحته وهو أن يكتب المزارعون إقرارا عبثيا أنهم يطلبون نقل محصولهم من القصب على نفقتهم الشخصية بناء على طلبهم ورغبة محمومة لديهم ومتنازلين عن طلب مقابل مالى لأن هذه رغبتهم وأنهم لا يرغبون نقل محاصيلهم بقطارات المصنع التى لا وجود لها، فيضطر المصنع لتلبية أمنيتهم ويقبل هذا الوضع تحقيقا لرغبات المزارعين الذين يدفعون أموالا باهظة مقابل النقل؛ ناهيك عن أن المصنع هو الذى يحدد سعر الطن، تَخيّل طن قصب السكر بأربعمائة جنيه فقط «أقول الطن أى ألف كيلوجرام» بثلاثين دولارا، ولن يأخذها صافية بل بعد خصومات كثيرة أعجبها ما يذهب لجمعية رعاية منتجعى القصب! ثم يحدد المصنع الوزن وحده دون مشاركة من ممثلين عن المزارعين ويفاجأ المزارع أن فى كل نقلة قصب يحسب المصنع رُبع طن شوائب تقريبا، وهو لا يستطيع التساؤل ولا الاعتراض بل عليه القبول فقط، كما أن المصنع وحده يحدد متى يأخذ هؤلاء أموالهم فى طوابير فى حر الشمس وانتظار ممل بعد شهور من توريد المحصول، فهل يعقل أن المزارع يورد المحصول فى شهر يناير ويأخذ بقية مستحقاته فى أغسطس؟ّ!..
وعندما يذهب للمصنع فى أغسطس وهو شهر قمة الحر يجد خلقا كثيرا يجلسون تحت الشمس منتظرين دورهم؛ فلا ظل ولا ماء ولا مراوح بل يمكثون يوما كاملا حتى يجيئ دورهم، وكم طالبوا أن يصرفوا مستحقاتهم من بنوك التنمية الزراعية أو أى بنك من البنوك الحكومية القريبة من قُراهم ومُدنهم ولكن دون جدوى حتى يتعذب المزارعون؛ وحتى يفقد بنك التنمية دوره الرئيس وهو التنمية ليتبقى له دور التسليف دون رحمة.
هل الهدف أن يهجر المزارعون زراعة القمح وزراعة قصب السكر؟! وبالمناسبة أين ذهبت قضبان السكك الحديدية لقطارات مصانع قصب السكر وسكك حديد قطار (قنا ـ سفاجا) الذى أنشأه الإنجليز؟، وكيف سيعود قطار الواحات الذى ذهب ولن يعود لأن قضبان السكة الحديدية التى جاء عليها من أسيوط حُلّتْ ونُقِلتْ إلى مصانع نعرفها جميعا، ويشترى المواطن طن الحديد منها بما يقارب عشرة آلاف جنيه ليبنى شقة، كيف حُلت هذه القضبان وقُطعت ونُقلت إلى هذه المصانع دون أن يستوقفها أحد؟ ثم هل سيمتلك المزارعون المليون ونصف المليون فدان أم سيمتلكها الباشوات الجدد ؟
إن حال مزارعى الأرز لن يختلف كثيرا، ومناظر الأرض البور التى لا تجد ماء بعد جفاف التُّرع وصراخ المزارعين وقد تشققت أرضهم يبدو مدويا.
المزارعون يحتاجون إلى نقابة قوية وإلى جمعيات تعمل على مصلحتهم وأسمدة متوفرة ومبيدات لا تقضى على البيئة وبحوث علمية تساعدهم ومياه فى الترع منتظمة، وإشراف زراعى ميداني، وبعد ذلك - ربما - يحتاجون بطاقات ذكية تُوزع عليهم!
المزارعون فى حاجة إلى جرارات زراعية وميكنة بقروض ميسرة حتى تساعدهم على تحمل هذه الصعاب.
أيها المشرّعون نريد تشريعات تعيد الحق للمزارعين وتحميهم ولا نريد غير ذلك؛ حتى لا نرى شكاوى الفلاح الفصيح المدوّنة على المعابد وقد أضيفت إليها شكاوى الفلاحين الجدد التى لن تكفيها جدران المعابد ولا صفحات الصحف!
مَنْ يهدم المبانى التاريخية؟
تحكى المبانى التاريخية تاريخ مصر عبر العصور وبما تتميز من جمال ومن تنسيق معمارى يريح العين ويمنح الشوارع جمالا خلت منه ينبغى أن نحافظ عليها؛ لكن هنالك عصابة تخصصت فى هدم القصور التاريخية لموقعها المتميز ويقومون بتسليط مواتير المياه ليلا عليها وهم يعرفون أنها مبنية «بالقصرمل» وهى مادة خليط من الرمل والحمرة والجير ولذلك تتأثر بالماء أيما تأثير، وكم من المبانى التاريخية هُدمت تحت مرأى ومسمع كافة المؤسسات ليحل محلها القبح والشقق الإسمنتية التى تخلو من الجمال والاتساع، وقد اعتادت مجموعات ذوى المليار أن يطرقوا الأبواب ليشتروا المبانى التاريخية بأى ثمن، ولا أدرى من سلّمهم مبنى «ملَك حفنى ناصف» من التربية والتعليم؟ ومن سلمهم مبنى مكرم عبيد بقنا؟، فما يحدث فى أسيوط مشابه لما يحدث فى جميع محافظات مصر وما حدث فى وسط القاهرة؛ وهذا يتطلب سن تشريعات تحول دون الهدم وتعوض أصحاب هذه المبانى التاريخية تعويضا ماليا مقنعا حتى لا يفكروا فى هدمها هربا من الإيجارات القديمة الهزيلة، ولابد من الاهتمام بترميمها حتى لا تتساقط وتتحول ركاما تحل محله أبراج مشوهة
لقد أقمتُ بفندق جوته فى مدينة بامبرج الألمانية وهم محافظون عليه على الرغم من أن الشاعر الألمانى لم يقم فيه سوى ليلة واحدة فى طريقه لميونيخ وتفتخر المدينة كلها أن جوته بات بها ليلة وحافظوا على المبنى رغم وفاة جوته فى 1832
أما نحن فقصر باحثة البادية فى أيد غير أمينة، فهل يجد عقولا أمينة تحافظ على ذاكرة وطن وجمال ماض يصارع قبح الغابات الأسمنتية المعاصرة؟
مصر وباكثير
«لقد ظلَمَتْه مصر» هكذا قال أحد الباحثين بمؤتمر أدبى حول باكثير أُقيم أخيرا؛ وما إن قالها حتى انبريتُ له قائلا: «إن هذه الجملة تكررت كثيرا فى كتب بعض الباحثين، ويبدو أن قائليها لا يعرفون ما فعلته مصر لعلى أحمد باكثير الذى جاءها بعد أن وُلد بأندونيسيا 1900من أبوين حضرمييْن ثم ذهب إلى اليمن مع والده فى 1910 ثم زار عدن والصومال وأثيوبيا ووصل الحجاز ؛ وفى عام 1934 رحل إلى مصر حيث التحق بكلية الآداب وحصل على الليسانس فى 1939 كما حصل على الجنسية المصرية فى 1953 وظل بمصر حتى توفى بها فى العاشر من نوفمبر 1969.أى أنه جاء مصر شاعرا مغمورا ضاق به الحال فى أرضه التى قال فيها «سأرحل عن بلاد ضقتُ فيها» وقال أيضا:»وأعبر مصر حيث العلم حيث الحضارة حيث يحترم الأديب» وظل بها نصف عمره المعطاء فأكرمته مصر مفضلة إياه على أبنائها حتى يقول عن أبناء مصر:» من أصلهم أصلى ومن دمهم دمى ​​آباء صدق بيننا وجدود»
ومضيتُ قائلا : التحق بجامعتها وتزوج إحدى بناتها الفضليات وحصد جميع جوائز وزارة المعارف ووزارة الشئون الاجتماعية فى 1943، 1944، 1950 ونال جائزة المجلس الأعلى للفنون والآداب فى 1960 وحصل على الجائزة التشجيعية 1963 وبعدها بعام منحه الزعيم جمال عبد الناصر وسام العلوم والفنون من الدرجة الأولى كما حصل على وسام عيد العلم ووسام الشعر فى العام نفسه، وفى 1964 حصل على أول منحة تفرغ ينالها أديب مصرى وعرضت مسارح مصر القومية والخاصة أعماله المسرحية، وأنتجت مصر بعض أعماله فى أفلام شهيرة، وافتتح المسرح القومى فى مواسمه المسرحية ثلاثة أعوام متتالية 53-56 فلو أن باكثير ظل بحضرموت فى هذه الفترة فماذا نتخيل دوره الأدبى آنذاك ؟ وماذا كان فعل قومه معه؟ فَردَّ المتحدث الباحث «لو ظل لقتلوه»
إننى أهيب بوزارة الثقافة أن تتبنى تحويل مسكن باكثير بالمنيل إلى متحف يضم مكتبته وأوراقه ومخطوطاته وآثاره قبل أن تضيع فقد رأيت بعض مخطوطاته بألمانيا؛ ولا مانع من وجود متحف له بحضرموت أيضا يضم ذكرياته بحضرموت التى لم يمكث بها فى كل حياته سوى بضع سنين وليصوروا أوراقه ومخطوطاته لمتحف سيؤون بحضرموت أما أن يؤخذ كل شيء من منزله بالقاهرة إلى حضرموت - كما بلغنى أن مشاورات واتفاقات تسرى مع عائلة زوجته المصرية الراحلة - فهذا شيء محزن من جميع الأطراف وضد رغبة باكثير الذى تمنى أن يموت بمصر وحقق الله أمنيته، وإنى لأرى أن نقل مخطوطاته من مصر كنقل رفاته وآمل ألا يتم ذلك، ولكن ينبغى ألا نترك آثاره دون رعاية ودون حفظ فهذا شيء غير مقبول أيضا لمكانته وريادته فى تغيير إيقاع الشعر العربى إذ إنه يعد أول من كتب شعر التفعيلة قبل السياب ونازك الملائكة وصلاح عبد الصبور وغيرهم عندما ترجم مسرحية روميو وجولييت فى عام 1936 ونشرها فى 1946 وعندما كتب مسرحية إخناتون ونفرتيتى فى 1938 ونشرها فى 1940والتى بناها على تفعيلة فاعلن. كما أنه كتب أكثر من سبعين رواية ومسرحية، ولقد أحسَنت مصر وبعض الدول العربية فى تدريس رائعته «وا إسلاماه» على طلبة المدارس.
فلماذا لا نتبنى إقامة متحف للأدباء والفنانين العرب الذين اتخذوا مصر وطنا لهم، فأعطتهم مصر كل شيء ولن تبخل عليهم بمتحف، ألم يقل فيها باكثير:
من يرى مصر ولا يعشق مصرا/​​جنة فى الأرض للرحمن أخرى
من بكائية أبو سنة
هل كان شاعرنا الكبير محمد إبراهيم أبو سنة يستشرف المستقبل عندما كتب قبل سنوات قصيدته الخالدة « بكائية إلى أبى فراس الحمدانى» التى حذّر فيها من آت كئيب؟ نلمح فى شعر أبوسنة أسرارا لمّا تكتشف بعد، تحتاج إلى دراسات بحثية ونقاد، لأنه شاعر جيل صَدق شعبه فلم ينافق ولم يجامل وكان وفيا فى كتاباته وصادقا فى شخصه، ومعبرا عن آمال الناس وآلامهم؛ ولأنه لم يلتحق بحزب من الأحزاب لم يجد من يفتح له أبواب الإعلام، لكن شعره فتح له قلوب الناس، سأقتطع بعض أسطره الشاعرة حول حلب:
«حلبٌ على مرمى سحابهْ /
نثرت ضفائرها...وفستق دمعها يشكو الصبابهْ/
مالت بنا شمس الغروب إلى الكآبهْ/
وأنا وأنت أبا فراسٍ ننتمى للريح ؛ لا شمس الملـوك تضيء ما يعتادنا من ليلنا الوثنى، لا قمر الكتابة/
يهمى بـسوسنـهِ فيلهبنا وتطلع فى فضـاء القلـب أزهار الغرابة/
لاتنكشف للغدِّ
أنت محاصرٌ
​ما بين بحر الروم والمنفى
وتلك نبوءة العراف
​تلمع فى سيوف ذوى القرابة/
​... سرب من الغــربان
​ينعق فوق تاريخ مهـان/
أمم يسابقها الزمـان فتنطوى
حتى لينكـرها الزمــان»
طرائف الأسماء
رَوَى الحكيمُ عمرُ الفاروق فى كتابه «الأحوال» حكايةً عجيبة أن رجلا اسمه «الحال» خلّفَ ولدين، أحدهما اسمه «صلاح الحال» والثانى اسمه «فساد الحال».
«صلاح الحال وَرِثَ «كلام مفروض» وفساد الحال ورث «فعل ممكن»؛ صلاح الحال انقطع خلفه، وفساد الحال خلّفَ «ميل الحال» و»وَقْف الحال» من يومها والدنيا على دى الحال»
كما حكى لى الشيخ غليون رحمه الله وكان يعمل أستاذا بالطافرية وكان أديبا فكها محبوبا؛ أن امرأة كان أولادها من البنين يموتون صغارا؛ فأوعزت لها إحدى النسوة أن تسمّى المولود الجديد اسما غريبا حتى يعيش، فصدّقت المرأة ذلك، وعندما أنجبت ذكرا أسمته «شَغْل البال» فعاش؛ثم أنجبت الثانى فأسمته «وَقْف الحال» فعاش؛ ثم أنجبت الثالث فاطمأنت وأسمته «هُدْوان الحال» وبعد سنوات سافر «شَغْل البال» للعمل بالعراق، وفجأة مات «هدوان السر» فجاء المعزّون يعزّون أباه قائلين : الدوام لله فى «هدوان الحال»»، وربنا يبارك لك فى «وقف الحال» ويجيب لك «شغل البال» من العراق!
الشيخ كمال حجزى
كتب الصديق الأديب نور على القفطى مقالا عن الشيخ كمال حجزى الذى لم أسمع عربيا مثل فصاحة ألفاظه وبلاغة جمله، وفهمه للقرآن فى وسطية وتسامح، ولأنه - وهو الذى قارب التسعين من عمره _أمد الله فى عمره_ يجمع الشباب ويبصرهم أمور دينهم ودنياهم ويحذرهم من الغلو والتعصب والشطط، هل تتجه إحدى القنوات التليفزيونية لتسجل معه شرحه القرآن الكريم حتى يبقى شرحه للأجيال صدقة جارية وعلما صالحا ينتفع به؟
< قال الشاعر:
قُلْ لِذى المُعْرِضِ عنّا/ ​إنّ إعراضَـــكَ مِنّا
لَوْ أردناكَ لأضحى/​​كلّ ما فيكَ «يُرِدْنا»

 

شارك الخبر على