لماذا يقرأ الرئيس السيسي لهؤلاء؟
حوالي ٩ سنوات فى التحرير
قال الرئيس عبد الفتاح السيسي إن آخر كتاب قرأه كان للراحل محمد حسنين هيكل، مضيفًا «أفضل القراءة لأنيس منصور وموسى صبري وجمال حمدان»، وتابع «ليس معنى تفضيل القراءة لكاتبٍ معين، أن كل رؤاه تتفق مع رؤيتك».
وهذه هي المرة الأولى التي يعلن فيها الرئيس عن الكتّاب المفضلين لديه، واختار أربعة كتاب كبارا، لكنهم متناقضون، فهيكل وحمدان في اتجاه تأييد عبد الناصر، وأنيس منصور وموسى صبري كانا مؤيدين للسادات، فضلا عن أن صبري كان صحفيا أكثر منه كاتبا ومفكرا، وله عدد محدود من الكتب أغلبها كان لها طابع الذاتية.
سيرة كتاب الرئيس
محمد حسنين هيكل، واحد من أهم الصحفيين المصريين والعرب في القرن العشرين، تولى عددا من المناصب الصحفية المرموقة، من بينها رئيس تحرير «آخر ساعة» ومدير تحرير «أخبار اليوم»، ثم رئاسة تحرير جريدة «الأهرام»، وتولى منصب وزير الإرشاد القومي عام 1970، وكان هيكل على علاقات جيدة بعدد من رؤساء وملوك، وسفراء العالم، وكان حاضرا بقوة في الحياة السياسية المصرية والعربية، كان قريبا جدا من الرئيس جمال عبد الناصر، واختلف مع الرئيس السادات الذي اعتقله.
لهيكل عدد كبير من المؤلفات، السياسية والتاريخية، ونشر حوالي 28 مؤلفا باللغة العربية، وأحد عشر كتابا في مجال النشر الدولي، نشرها بحوالي 30 لغة، بالإضافة إلى مقاله الشهير "بصراحة".
أنيس منصور، كاتب وصحفي انشغل بالفلسفة، وكان إنتاجه الأدبي غزيرا، ومتنوعا بين الروايات والمسرحيات، والتراجم، كان قريبا من الرئيس أنور السادات، وكتب مقالات نشرها في مجلة «أكتوبر» وجمعها بعد ذلك في كتاب "من أوراق السادات"، التقط أنيس لحظة الهجوم على كل ما هو ناصري فكتب مهاجما وساخرا من الرئيس عبد الناصر، ونشر ذلك في كتابه الأشهر "عبد الناصر المفترَى عليه والمفترِى علينا"، دافع عن السادات إلى الأبد، وكان من أكثر المؤيدين للتطبيع مع إسرائيل.
موسى صبري، هو أحد أشهر الصحفيين المصريين، عام 1975 تولى منصب رئيس مجلس إدارة دار «أخبار اليوم» ورئيس لتحرير صحيفة «الأخبار» وظل بها طوال فترة حكم السادات وحتى عام 1985 بعد وصوله لسن المعاش، يعرف عنه أنه كان كاتب خطابات السادات، وفي فترة الخلافات بين السادات والكنيسة أطلقت عليه الكنيسة مصطلح "رجل السادات"، ولعل أشهر الخطابات التي كتبها موسى صبري خطاب السادات أمام الكنيست الإسرائيلي، وأمام حملة من الانتقاد لمديح ومجاملة موسة صبري للسادت كتب مقالا شهيرا عنوانه "نعم إنني أطبل وأزمر"، وله حوالي 24 مؤلفا منشورا، منها المتعلق بالصحافة، ومنها المتعلق بالسياسة مثل "السادات.. الحقيقة والأسطورة"، و"وثائق حرب أكتوبر"، و"وثائق 15 مايو".
جمال حمدان، أحد أهم الجغرافيين والمفكرين المصريين صاحب كتاب «شخصية مصر» الذي دلل فيه على عبقرية الموقع الجغرافي لمصر، وانعكاس ذلك على الشخصية المصرية، كان لجمال حمدان موقف معارض للرئيس أنور السادات، وكتب في ظل حكم السادات "مصر تعيش اليوم فى زقاق الإحباط الضيق المسدود، والأزمات المزمنة الذى تنحشر فيه حاليا، وفى تلك الأثناء فإن مصر تدفع اليوم وكل يوم الثمن الباهظ، ولا نقول تتلقى العقاب المستحق لمرضها التاريخي المزمن كشعب وكدولة، فمنذ بعض الوقت أصبحت مصر للأسف الشديد دولة مريضة جيوبوليتيكيا، يسكنها شعب مريض تاريخيا، يحكمها أحيانا رجل مريض نفسيا كما بالأمس القريب".
القراءة في حياة رؤساء مصر
في كتاب "خريف الغضب" وضع الكاتب الصحفي الراحل، محمد حسنين هيكل، عدة فوارق بين الرئيسين الراحلين جمال عبد الناصر وأنور السادات، لكنه لخصها جميعا في جملة واحدة فقط، "إنه الفرق بين رئيس يقرأ حتى ما ليس هناك ضرورة لقراءته
(عبد الناصر)، ورئيس لا يقرأ حتى ما تقتضي الضرورة قراءته (السادات)".
ويعرف عن الرئيس جمال عبد الناصر أنه كان أكثر رؤساء مصر انشغالا بالقراءة العامة، وليست تلك التي في تخصص دراسته، يقول الموقع الإلكتروني للرئيس جمال عبد الناصر على الإنترنت إنه "قرأ عن الثورة الفرنسية وعن (روسو وفولتير) وكتب مقالة بعنوان (فولتير رجل الحرية) نشرها بمجلة المدرسة".
كما قرأ عن "نابليون" و"الإسكندر" و"يوليوس قيصر" و"غاندى" وقرأ رواية البؤساء
لـ"فيكتور هوجو" وقصة مدينتين لـ"شارلز ديكنز" ويضيف الموقع أن ناصر كان "معجبا بأشعار أحمد شوقي وحافظ إبراهيم، وقرأ عن سيرة النبي محمد وعن أبطال الإسلام وكذلك عن مصطفى كامل، كما قرأ مسرحيات وروايات توفيق الحكيم، خصوصا رواية (عودة الروح) التي تتحدث عن ضرورة ظهور زعيم للمصريين يستطيع توحيد صفوفهم ودفعهم نحو النضال في سبيل الحرية والبعث الوطني" وربما كان عبد الناصر هو أول وآخر رئيس يعرف عنه نهم القراءة، فالسادات لم يعرف عنه القراءة المتنوعة كعبد الناصر، وكان يحب أن يكتب عنه أنه كان يقرأ القرآن، وكذلك لم يعرف عن مبارك أنه قرأ يومًا كتابا، ومرسي كان قارئا لأدبيات جماعة الإخوان كواجب عليه، لكنه لا يعرف عنه أيضا اطلاعه على كتب غير تلك الكتب المقررة على الأعضاء.
انعكاسات القراءة
الكاتب والروائي حمدي عبد الرحيم، قال إن خطابات الرئيس السيسي لا تدل على ما يقوله الرئيس، وتابع بأن القراءة عمل يفضح من يقوم به، فتنعكس على حديثه وخطاباته، وهو ما لم يلحظه أحد في أيٍّ من خطابات الرئيس أو حواراته في الصحف، وقال حمدي إن الرئيس السيسي لم يضبط يوما مستشهدا بأيٍّ من الكتب التي قرأها، وإنما خطابه شعبوي، لا يكشف عن أي قراءة لدى الرئيس، لافتا إلى أن من يسمع ويقرأ خطابات الرئيس جمال عبد الناصر، وكذلك الرئيس السادات والرئيس السيسي سيكتشف الفرق بين الثلاثة في الاهتمام بالقراءة.
القراءة في حياة رؤساء أمريكا
في الولايات المتحدة الأمريكية، تقليد سائد في البيت الأبيض، بأن يقوم أحد المتحدثين باسم البيت الأبيض بإبلاغ وسائل الإعلام بقائمة الكتب التي سيقرؤها الرئيس خلال العطلة الرئاسية، يسمى هذا التقليد «لائحة كتب الرئيس» وتقوم وسائل الإعلام بفرد مساحات طويلة للنقاد لتحليل هذه الكتب، بل وتظهر دراسات ومقالات وكتب تتناول تلك الكتب، فتظهر دراسات وكتب ومقالات عناوينها مثلا «أفضل 20 كتابا قرأها كلينتون» و«أهم الكتب التي سيقرؤها الرئيس أوباما هذا الصيف»، وغيرها من العناوين التي تكشف كم الكتب التي يقرؤها ساكن البيت الأبيض، وبالمناسبة تصل تلك الكتب عادة إلى قائمة الأكثر مبيعا، بعد ما يجرى عليها الناس ليعرفوا كيف يفكر الآن رئيسهم.
أوباما قال خلال أول مقابلة أجريت معه بعد انتخابه، في برنامج "60 دقيقة"، إنه يقرأ كتاب "المئة يوم الأولى للرئيس روزفلت" وهو كتاب لـ«د.جين سميث» أستاذ متقاعد في جامعة مارشال وألف هذا الرجل أكثر من عشرة كتب عن التاريخ الأمريكي، ولم تكن كتبه مشهورة للمواطن العادي. حتى قال ما قاله أوباما إذ قفزت مبيعات الكتاب التي ذكرها أوباما في موقع «أمازون» لبيع الكتب على الإنترنت، وأصبحت من أكثر الكتب مبيعا.
ورصد الكاتب الصحفي الأمريكي هارولد إيفانز، في دراسة له عام 2004، حول كتاب سماه "الرؤساء والقراءة" مدى اهتمام الرؤساء الأمريكيين بالقراءة وانعكاس ذلك على نجاحهم، وخلصت الدراسة إلى نتيجة واحدة مفادها أن "الحكام الناجحين هم من كانوا أكثر حرصا ودأبا على القراءة بمختلف أنواعها".
ويتخذ بيل كلينتون كمثال أخير في كتابه، إذ يقول عنه هارولد إنه، ورغم الفضائح التي تعرض لها أثناء حكمه، فإن فترة حكمه كانت من أزهى الفترات التي مرت على الولايات المتحدة، يقول هارولد "السبب أن كلينتون كان قارئا نهما".
في هذا الكتاب سجل الكاتب عدة ملاحظات عن علاقة الرؤساء بالقراءة، منها مثلا عدد الكتب في مكتبات الرؤساء الأمريكيين، مثلا أضخم مكتبة كانت من نصيب الرئيس فرانكلين روزفلت وبها 15 ألف مجلد، وتوماس جيفرسون اقتنى حوالي 6500 كتاب، ثم ميلارج فيلمور 4000 كتاب، وجورج واشنطن الذي شكلت مكتبته بـ1000 كتاب.