قصة الخلاف على «توحيد المعمودية» المجمع المقدس ينقسم في غياب البابا

حوالي ٧ سنوات فى التحرير

(1)

قبل عام، نشرت «التحرير» تقريرًا حول فكرة «المعمودية الثانية». قال خلاله أحد القساوسة الأرثوذوكس إنه «بعد وفاة البابا شنودة، وحديث البابا تواضروس عن الوحدة بين الكنائس، التي أكدتها زيارته للبابا فرنسيس، بابا الفاتيكان، بدأت بعض الكنائس الأرثوذوكسية تتغاضى عن فكرة المعمودية الثانية للكاثوليك».

والمعمودية في المسيحية هي سر من أسرار الكنيسة السبعة، يصبح بعدها الشخص «مسيحي» وبدونها لم يكن. يتمثل طقسها في أن الكهنة يغطسون الأطفال - بعد مولدهم بفترة قصيرة - ثلاث مرات داخل إناء ممتلئ بالماء مرددين باسم «الآب والابن والروح القدس»، بعد تلاوة بعض الصلوات. اقتداءً بمعمودية السيد المسيح في نهر الأردن، والذي قال - كما جاء في الإنجيل - «من آمن واعتمد خَلٌص».

ورغم ما ذكره قانون الإيمان المسيحي وهو «معموديّة واحدة لمغفرة الخطايا»، فالكنيسة القبطية الأرثوذوكسية تشترط على المنضمين إليها من الكاثوليك أو الإنجيلين، إعادة معموديتهم مرة أخرى، كونها لا تعترف بغير الطقس الخاص بها.

هذا إلى جانب خلافات عقائدية قديمة حول «طبيعة السيد المسيح» بين الكنيستين (الكاثوليكية والأرثوذوكسية)، ترجع إلى عام 451 م عندما اجتمعوا في «مجمع خلقيدونية»، وهو وقت انقسامهم إلى كنيستين (طائفتين) بعد أن كانوا كيانا واحدا.

(2) 

منذ نحو شهرين، قرر البابا فرنسيس زيارة مصر تلبية لدعوة الرئيس عبدالفتاح السيسي، وشيخ الأزهر، والبابا تواضروس، فأراد الأخير أن يترجم حديثه الذي بدأه معه في الفاتيكان حول وحدة الكنائس إلى «اتفاق مشترك موثق»، أثناء استقباله له في كاتدرائية العباسية.

وقبل يومين تقريبًا من الزيارة، انتشرت أقاويل - مُسربة - مفادها أن الكنيسة الأرثوذوكسية تقرر عدم إعادة المعمودية للكاثوليك، وبدأت بعض الصفحات المسيحية المتشددة تهاجم الكنيسة والبابا، حتى نشر الأنبا رافائيل، سكرتير المجمع المقدس، عشية الزيارة على صفحته بموقع التواصل «فيسبوك»، النص المفترض توقيعه بين البابا فرنسيس والبابا تواضروس.

وهو: «طاعةً لعمل الروح القدس الذي يقدس الكنيسة ويحفظها عبر العصور ويقودها لتبلغ الوحدة الكاملة التي صلى المسيح من أجلها، نحن اليوم البابا فرنسيس والبابا تواضروس الثاني كي نسعد قلب ربنا ومخلصنا يسوع المسيح وكذلك قلوب أبنائنا في الإيمان، نسعى جاهدين بضمير صالح نحو عدم إعادة سر المعمودية الممارس في كنيستينا للشخص الذي يريد الانضمام للكنيسة الأخرى».

مع استنكاره لما سمَّاه بـ«الأقوال الكاذبة والإشاعات المنشورة على مواقع التواصل الاجتماعي دون قراءة النص».

(3) 

في مساء يوم الجمعة الماضي، وصل البابا فرنسيس إلى مقر الكاتدرائية في يومه الأول بمصر، التقى البابا تواضروس الثاني، وألقى كل منهما كلمة أمام رجال الكنيستين الحاضرين. كانت تدور حول فكرة واحدة؛ ألا وهى «وحدة الكنائس وأساسها المعمودية الواحدة».

تحركا بعد ذلك لتوقيع نص «البيان المشترك». 

بعد اللقاء، نشر الموقع الرسمي للكنيسة الكاثوليكية في مصر، نص البيان وبالبند الـ11 منه، جملة «قررنا نسعى جاهدين نحو عدم إعادة المعمودية»، وكان ذلك نقلا عن النص المنشور على موقع الفاتيكان.

في حين نشرت الصفحة الرسمية للكنيسة الأرثوذوكسية على موقع التواصل «فيسبوك» البيان دون كلمة «قررنا»، وهي الصيغة نفسها التي كان قد نشرها الأنبا رافائيل قبل الزيارة، ما يعني أن الأمر لا يتعدى كونه مجرد سعي لا يصحبه قرار.

 

ثم أصدرت الكنيسة الأرثوذوكسية بيانا، مساء السبت الماضي بعد مغادرة البابا فرنسيس مصر، أكدت فيه أن ما تم توقيعه هو «بيان مشترك وليس اتفاقية كما يقال. كان لتأريخ الزيارة فقط دون أن يحمل أي إضافات تمس الصعيد الإيماني والعقيدي سوى التمسك بالسعي الجاد في طريق الوحدة المؤسسة على الكتاب المقدس». 

بعدها عدل موقع الفاتيكان النسخة المنشورة للبيان، وحذف كلمة «قررنا»، ليتفق بذلك مع نسخة الكنيسة الأرثوذوكسية.

وأوضح الأب رفيق جريش لـ«التحرير» أن النسخة المنشورة على موقع الكنيسة الكاثوليكية كان نص مقترح تم تعديله قبل الزيارة لتحل كلمة «نسعى» محل «قررنا»، وهو ما تم التوقيع عليه. 

(4) 

منذ هذا الوقت، يدور الحديث عن «اتفاق المعمودية» في فلك الجدل بين الرافضين (المناصرين لفكرة عدم الاقتراب من الأمور العقائدية) والمؤيدين (المريدين للانفتاح والوحدة). 

حيث اعتبرا كلاهما أن الألفاظ الواردة في بيان الكنيسة الأرثوذوكسية أو في تصريحات مسؤولي الكنيسة الكاثوليكية بها «تلاعب وغير واضحة».  

في حين لم تنشر النسخة الأصلية من البيان المشترك الموقع عليه.

لكن تطرق البابا فرنسيس في عظته، أمس الأربعاء، إلى هذا الاتفاق، قائلا: «وقعنا على إعلان مشترك، للالتزام بالسعي تجاه عدم تكرار التعميد».

داخليًا، ذكر مصدر كنسي - فضل عدم ذكر اسمه - أن هناك توتر شديد وانقسام بين أساقفة المجمع المقدس بشأن هذا البيان، ما بين الأساقفة المواليين لسياسة البابا الراحل شنودة الثالث (الرافضين لفكرة توحيد المعمودية أو السعي إليها)، والمواليين لسياسة البابا تواضروس الانفتاحية التي تسعى إلى الوحدة والتقارب بين الكنائس.

ولأن المجمع المقدس لم يناقش الأمر، قال المصدر إن هناك دعوات ظهرت من بعض الأساقفة لعقد اجتماع طارئ للمجمع فور عودة البابا من إيطاليا؛ للبحث والخروج ببيان واضح وقاطع حول هذا الموضوع لأنهم غاضبون من النص الذي كان منشورا في موقع الفاتيكان، ومن تصريحات بعض مسؤولي الكنيسة الكاثوليكية حول أن النص يحمل قرارًا بعدم تكرار المعمودية.

لكن البابا نفسه لم يرغب في عقد اجتماع لعدم تفاقم الخلافات، ولأن الموضوع في رأيه لا يستدعي كل هذا الجدل - بحسب المصدر.

وكشف المصدر لـ«التحرير» أن «النسخة الأصلية» من المفترض أن تنشر في مجلة الكرازة (المجلة الخاصة بالكنيسة الأرثوذوكسية) يوم الأحد المقبل.

لمزيد من التفاصيل عن «المعمودية الثانية»: اضغط هنا

شارك الخبر على