الطلاق هو الحل

ما يقرب من ٣ سنوات فى الوفد

فى ركن بعيد بمحكمة الأسرة بمصر الجديدة جلست محاولة إخفاء نفسها عن الجميع. وضعت عينيها فى هاتفها المحمول ولكنها تراقب رواد المحكمة. كلٌ مشغول ومهموم وناقم على حياته وقدره الذى أوصله الى هذا المكان لينشر تفاصيل ماسأة حياته على الملأ دون خجل. حتى يتخلص من تبعات اختياره الخاطئ. وربما لم يكن مخطئا وفرض عليها. فى النهاية انتهت حياتهم الزوجية أو حياتهم بشكل عام فى ربوع هذه المحمكة. طالت جلستها فى انتظار دخولها إلى مكتب التسوية، وأصابها الملل والتعب فهى تتجسد أمامها مأساة ١٧ عاما هى عمر زواجها التعيس منذ أن بدأ حتى قررت الخلاص من عذابات هذا الارتباط الذى أرغمت عليه بسبب التقاليد العائلية البالية والتى تحبذ زواج الأقارب.

وفجأة سمعت اسمها قادمًا من صوت جهورى يخرق الآذان. لملمت نفسها وأوراقها وأسرعت تخفى نفسها ربما يعرفها أحد من الآلاف الذين تجمعوا فى هذا المكان الخانق. وبصعوبة شديدة شقت الزحام ووصلت الى مكتب التسوية ودخلت بأعجوبة وألقت بنفسها على أول مقعد رأته عيناها ودون استئذان. رمقها موظف التسوية فهى رغم ما بدا عليها من علامات الزمن والحزن والإعياء الا أنها مازالت جميلة ملابسها فاخرة ونظارتها وعطرها كل هذا يدل على أنها من أسرة عريقة. قطع الموظف صوت السكون: تشربى حاجة يا هانم. شكرته بحركة من رأسها وطلبت فقط كوبا من الماء. جلب لها ما طلبت. وسألها على استحياء وهو مشفق عليها ما سبب حضورها. وضعت أوراقها على المكتب وأجابت بكل ثبات: جئت لإقامة دعوى طلاق للضرر سيدى. ومعى ما يثبت هذا الضرر الجسدى والمعنوى والشهود. وكأنها تريد أن توصل له اصرارها على طلبها. ولكن سيدتى إن أبغض الحلال عند الله الطلاق. وأظن أن لديكِ أولادًا فلماذا هذا الاصرار على طلبك اقامة الدعوى؟ ولماذا لا تفتحى بابا للعودة والصلح؟

لن أعود سيدى ولن يمكن الصلح، نفد صبرى وكدت ان افقد حياتى مرات،

١٧ عاما عمر معاناتى فى هذه الحياة التى فرضت عليّ ورغبة والدى فى زواجى من ابن عمى المدلل العاطل بالوراثة الذى لا يحب العمل واعتاد الاتكال على غيره. حاولت اقناع ابى ولكنه رفض واكد انه سيتغير بعد الزواج كما يقال دوما. وتم الزواج ومنذ الشهر الاول بدأت مشاكلى مع زوجى. ورفضه البحث عن عمل وأن نعتمد على انفسنا والا نترك حياتنا رهنًا لعطايا والده. وكان يماطل، ويتحجج بعد العثور على عمل. وعندما يحصل على عمل لا يستمر فيه شهورًا ويطرد منه بسبب تكاسله وإهماله. من عام زواجنا الأول وأنا أحاول الانفصال عنه ولكن رغبة أبى فى استمرار هذا الزواج حالت دون ذلك.

واستغل زوجى هذا الوضع ورغبة العائلة فى استمرار الزواج. ورغبتى فى الانفصال وأساء معاملتى. وبدأ يتعدى علىّ مرارا وتكرارا، ويستولى على كل ما أملك من أموال ومجوهرات لينفقها على سهراته وأصحاب السوء والعلاقات النسائية. واستولى على أموال عائلته، أطفالى وسط هذه الحياة غير المستقرة وأب غير مبالٍ بمستقبلهم عانوا كثيرا وتأثر مستواهم الدراسى. وأنا لم استطع فعل شىء من أجلهم وسط حياة القهر التى أعيشها. وعنف زوجى المستمر ورفض والدى تطليقى منه خوفا من كلام الناس.

مرارة الحياة أفقدتنى الرغبة فى أى شيء واستسلمت لهذا الوضع وبقيت انتظر الموت، ولكن مات والدى. ورغم قسوته حزنت عليه كثيرا، فكان رغم قسوته الدرع الحامية لى. مرت شهور على موت أبى وحصلت على مبلغ مالى كبير من ميراث والدى، ونصحنى شقيقى الأكبر بوضع أموالى فى مشروع تجارى خوفا من استيلاء زوجى عليها وفعلت ذلك. وبدأت أنفق على أولادى من أرباح المشروع. وكعادته لم يتركنى زوجى العاطل، وحاول الاستيلاء على أموالى بعد أن أنفق كل أموال عائلته على ملذاته. وعندما رفضت انهال علىّ ضربا وطعننى بآلة حادة فى يدى وكاد أن يقتلنى. شارفت على الموت، وبعد خروجى من المشفى لملمت ما بقى لى وأولادى وتركت المنزل وأقمت فى منزل والدى خوفا من بطش زوجى. ولكنه جن جنونه وحاول إعادتى بالقوة. ورغم تدخل الأهل والأقارب لاقناعه بتركى وأولادى لكنه أبى وأصر على إعادتى الى منزله. ولكنى رفضت وأولادى ولن أعود لمن يحاول قتلى وحررت له محضرًا بعدم التعرض لى أو أولادى.

وكان لابد من أخذ الخطوة الأخيرة سيدى التى منعنى منها والدى طوال ١٧ عاما وهى الانفصال عن هذا الرجل الذى امتهن البطالة والاعتماد على أموال الآخرين والسلوك المخزى.

وبالطبع رفض تطليقى بالحسنى وكأنى من بين الإرث الذى آل اليه بعد وفاة والدى وعمى. ولكن لم أخف من تهديده ووعيده بعد تطليقى. وعلى أن أفعل ما أشاء.

فأتيت الى هنا الى محكمة العدل والإنصاف طالبة الخلاص من هذا القيد الذى أدمى حياتى ودمرها. هذه أوراقى سيدى وتقاريرى الطبية التى تثبت ما تعرضت له من عنف وايذاء وشهودى حاضرون.. تسلم الرجل الأوراق. على الفور حدد أول جلسة لنظر دعوى الطلاق، وأرسل انذارا على يد محضر لاعلان الزوج بالحضور، وطمأن السيدة بتحقيق العدل.

شعرت براحة لم تشعر بها من سنوات، وتهلل وجهها الحزين. شكرته كثيرا، وفتحت هاتفها وطلبت محاميها كى يتولى أمور دعوى الطلاق. وخرجت من أبواب المحكمة سعيدة لأول مرة. تسير فى الشوارع. نعم تسير تريد أن تشعر بنعيم الحرية الذى ستناله من هذه القيود التى كبلت بها رغما عنها. نعم تنتظر الطلاق، تنتظر الخلاص. وصلت منزلها احتضنت أطفالها دون خوف، وبدأت حياة جديدة. ربما تبقى على ذمة الوغد بضعة شهور أخرى، ولكنها تعيش فى حلم الحرية.. بعد أن أقنعت الجميع أن الطلاق هو الحل لماسأتها.

ذكر فى هذا الخبر
شارك الخبر على