الانتخابات الرئاسية في فرنسا .. تركة ثقيلة وسباق شاق
over 8 years in قنا
الدوحة في 22 أبريل /قنا/ تتأهب فرنسا لاختيار الرئيس الخامس والعشرين للبلاد حين تفتح مراكز الاقتراع ابوابها صباح غد الاحد لاستقبال الناخبين، في انتخابات شهدت اثارة وتجاذبات قوية بين مرشحيها ستحسم الوافد الجديد الى قصر الاليزيه ما لم يتم اللجوء الى جولة اعادة بين المرشحَين الاوفر حظاً.
وقد بلغ عدد المرشحِين لانتخابات الرئاسة الفرنسية 2017 أحد عشر مرشحاً وهم (فرانسوا فيون، وبونوا آمون، وإيمانويل ماكرون، ونيكولا دوبون إنيان، وجان لوك ميلانشون، وناتالي آرتو، ومارين لوبان، وفرانسوا أسيلينو،فيليب بوتو، وجان لاسال، وجاك شوميناد) الا ان المعركة الحقيقية انحصرت بين اربعة فقط وهم مرشح الوسط المستقل إيمانويل ماكرون ،ومرشحة اليمين مارين لوبان، وفرانسوا فيون من التيار المحافظ وجان لوك ميلينشون من اليسار. وان لم تحسم الصناديق اسم الرئيس في جولة الغد فقد يتأهل أي اثنين من الأربعة لجولة الإعادة التي ستجرى يوم السابع من مايو القادم.
وتتفرد انتخابات الرئاسة هذه المرة بخلوها من أي من مرشحي القوى السياسية التي فازت من قبل في مرات سابقة ومنها على سبيل المثال "الحزب الاشتراكي" الذي اتى للسلطة بعد فوز الرئيس فرانسو هولاند في مايو 2012 او "الاتحاد من اجل حركة شعبية " والذي فاز مرشحه نيكولا ساركوزي بمقعد الرئاسة بين عامي 2007 - 2012 .. بل على العكس فإن منصب رئيس فرنسا قد يقترب - وفق استطلاعات رأي عدة - من مرشح أسس حزبه قبل عام واحد فقط وهو ايمانويل ماكرون وزير الاقتصاد السابق ومؤسس حركة " الى الامام "، او من سيدة قد تكون اول رئيسة للبلاد وهي مارين لوبان.
وقبل استعراض المرشحين الاربعة الحاصلين على النسب الاعلى للاصوات في معظم استطلاعات الرأي السابقة ماكرون ولوبان وملينشون وفيون يمكن استنباط صورة تقريبية لما قد يرثه الرئيس المنتظر من تركة خلفتها السنوات الخمس السابقة من حكم فرانسوا هولاند حيث تعد موجة الارهاب التي ضربت فرنسا عام 2015 باستهداف مقر صحيفة "شارلي إيبدو" ثم استهداف مسرح الباتكلان واستاد فرنسا وبعض المطاعم والمقاهي، ثم حادث الدهس في نيس وغيرها مما استدعى اعلان حالة الطوارئ بالبلاد على رأس قائمة الهموم التي تنتظر رئيس فرنسا المقبل، وهي ما شكلت الى حد كبير ملامح غالبية حملات الدعاية للمرشحين وتنوعت على إثرها اشكال المعالجة لتلك الظاهرة.
اضافة الى الارهاب .. سيضطر الرئيس الفرنسي الجديد للتعامل مع ملف آخر وهو الوجود العسكري الفرنسي في الخارج فبعد القوات الفرنسية الموجودة في مالي او التي ارسلت في السباق الى افريقيا الوسطى قد تبرز الحاجة الى مشاركة فرنسية بقوات عسكرية في مناطق نزاعات أخرى.
أما ملفات مثل الهجرة واللجوء والاقليات فتبقى قائمة بوصفها تركيبة معقدة من المشاكل التي تتطلب التعامل معها بحذر في وقت تتقاسم فيه فرنسا والمانيا قيادة الاتحاد الاوروبي بعد خروج بريطانيا رسمياً من الاتحاد.
ويبقى الحفاظ على وحدة الاتحاد الاوروبي من عدوى البريكست البريطانية ارثا ثقيلا يتعين على الرئيس القادم حمله بل وتقديم افكار اكثر مرونة للتعامل مع دعاوى الانفصال التي طالت الانتخابات الرئاسية ذاتها وكانت شعارا لاحد المرشحين ماري لوبان، وفي الوقت ذاته تأطير سياسة خارجية تتواءم مع التوجه الامريكي الجديد ومع الطموح الروسي الجامح .
السباق الشاق نحو سدة الرئاسة في فرنسا رغم انه تشكل بإجمالي 11 مرشحا منذ اعلان المجلس الدستوري الفرنسي عن القائمة الكاملة في منتصف مارس الماضي الا ان الامتار الاخيرة قبل تصويت الناخبين انحصرت في أربعة أسماء فقط قد تسفر انتخابات الغد عن فوز احدهم او ربما يرافقه منافس اخر نحو جولة اعادة.
وبعيدا عن استطلاعات الرأي فإن استعراض اسماء هؤلاء الاربعة قد يرسم ملامح قوية عن الرئيس الفرنسي القادم وحظوظه في الفوز او الاعادة.
فيعد إيمانويل ماكرون هو أصغر المرشحين سنا (39 عاما) وقد صعد نجمه فجأة في الأسابيع الأخيرة من الحملة الانتخابية وأصبح من المنافسين الكبار الأوفر حظا للوصول إلى قصر الإليزيه استطاع المرشح المستقل ماكرون لفت الأنظار من خلال حملته الانتخابية التي تحمل شعار "إلى الأمام".
وقد سبق وشغل منصب وزير الاقتصاد والصناعة والاقتصاد القومي قبل استقالته ؛ وقبلها كان ناشطا في "حركة المواطنين" طيلة ما يقرب العامين وصوّت لجون بيار شوفانمون في الدور الأول من الانتخابات الرئاسية العام 2002 وفي انتخابات 2007 كان من الداعين إلى تحالف بين سيغولين روايال وفرانسوا بايرو في مواجهة ساركوزي.
وتتنافس مع ماكرون بقوة مارين لوبان (48 عاماً) وهي سبق أن ترشحت عام 2012 وحلت في المرتبة الثالثة، وتمثل مسألة تقليص عدد المهاجرين الشرعيين والخروج من الاتحاد الاوروبي أحد أبرز محاور خطابها الانتخابي.. وتنتمي لوبان لحزب الجبهة الوطنية، تحت شعار "باسم الشعب"، وهي نائبة في البرلمان الأوروبي منذ 2004.
وتسعى منذ وصولها لرئاسة الجبهة الوطنية في يناير 2011 لتغيير صورة الحزب اليميني المتطرف، فيما يحظى هذا الموضوع بحصة الأسد في خطاباتها فهي تريد تقليص عدد المهاجرين الشرعيين وتجسيد مبدأ الأفضلية للفرنسيين في الدستور وتطالب بمنع الرموز الدينية في الأماكن العامة.
أما جان لوك ميلنشون مرشح اليسار فسبق وأن ترشح للرئاسة عام 2012، وحل في المركز الرابع حيث حصد 11,1 بالمئة من الأصوات؛ ويبلغ ميلنشون (65 عاما) وهو مرشح حزب /فرنسا الأبية/ تحت شعار "المستقبل المشترك"، وكان نائباً بالبرلمان الأوروبي. ومنذ عام 2009 شهد تقدما ملحوظا في استطلاعات الرأي، وفي الفترة الأخيرة حقق حوالي 19% من نوايا التصويت في الدورة الأولى، وفق استطلاع للرأي أجراه معهد "بي في آ".
أما فرانسوا فيون (62 سنة) رئيس الوزراء الاسبق فيعد من أبرز الشخصيات الفرنسية التي تقلدت مناصب سياسية هامة ومتعددة سواء كنائب في البرلمان أو كوزير في حكومات اليمين. وبدأ فيون مسيرته الحكومية في 1993 حيث شغل منصب وزير التعليم العالي في حكومة إدوار بلادور (1993-1995). وحافظ على منصبه في حكومة آلان جوبيه في 1995 عقب فوز جاك شيراك بالرئاسة فأصبح وزيرا للتكنولوجيا والبريد والمواصلات وإثر انتخاب نيكولا ساركوزي رئيسا لفرنسا في مايو 2007، أصبح فيون رئيسا للحكومة وظل في منصبه حتى وصول فرانسوا هولاند للرئاسة في 2012.
وبدأ فيون حملته الانتخابية بهدوء وبعيدا عن أضواء الإعلام وارتكزت استراتيجيته الانتخابية على اللقاءات الميدانية خاصة في الأقاليم الفرنسية والمناطق الريفية وعلى خطاب أساسه "الحقيقة مهما كان الثمن".
ولم تحسم الانتخابات الفرنسية السابقة في عامي 2012 او 2007 من الجولة الاولى، بل اضطر الناخبون الفرنسيون الى التوجه الى صناديق الاقتراع على جولتين لاختيار رئيس للبلاد ، ففي انتخابات 2012 فاز الرئيس فرانسوا هولاند في الجولة الثانية على منافسه الرئيس الاسبق نيكولا ساركوزي وحسمها هولاند بنسبة 51.6% وهو تكرار لما شهدته انتخابات 2007 ، اذ اضطر ساركوزي لخوض جولة اعادة مع سيغولين رويال وتمكن ساركوزي من حسم النتيجة لصالحة بنسبة 53.07% وكانت هي المرة الاولى التي تصل فيها مرشحة ( امرأة ) الى جولة الاعادة على منصب رئيس فرنسا، الامر الذي ينبئ بتكرار ذات السيناريو في انتخابات 2017 ما لم تحدث مفاجأة تحسم اختيار الرئيس الجديد من الجولة الاولى.
ويطلق الفرنسيون على الحقبة التي بدأت عام 1958 اسم " الجمهورية الخامسة"، وهي الفترة التي شهدت العمل بالدستور الحالي الذي وضع قيد التنفيذ في 5 أكتوبر 1958، مستبدلة الحكومة البرلمانية بنظام نصف رئاسي حيث عاشت فرنسا خلال فترة الجمهورية الخامسة في ظل سبعة رؤساء اخرهم فرانسو هولاند 2012 - 2017، وسبقه كل من نيكولا ساركوزي 2007 - 2012 ، وجاك شيراك 1995- 2007 ، وفرانسوا ميتران 1981 -1995 ، فاليري جسكار دستان 1974- 1981،وجورج بومبيدو 1969-1974 وشارل ديجول 1959 - 1969.
اما قصر الاليزيه الذي يطمح للوصول اليه كافة المرشحين فقد شيد عام 1718 في عهد الملك لويس الثالث عشر ، وفي عام 1873، خلال الجمهورية الثالثة ، أصبح قصر الاليزيه مقر الرئاسة الرسمي. ويعد الاليزيه هو مقر رئاسة الدولة ويقيم فيه رئيس الجمهورية ويستقبل كبار الشخصيات الرسمية من داخل فرنسا وخارجها في هذا القصر كما يجتمع مجلس الوزراء كل أربعاء في القصر، وتناقش الموضوعات المتعلقة بالشؤون السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية. ويتألف قصر الإليزيه من عدة أقسام وله مدخلان رئيسيان، والمبنى الرئيسي للقصر، يتكون من ثلاثة طوابق، يحيط به جناحان.
خضع القصر للكثير من التغييرات والتعديلات في ديكوره وغرفه وأثاثه، متغيرا كما تغير التاريخ الفرنسي بين الإمبراطورية والملكية والجمهورية، لكنه بقي رمزاً من رموز السيادة الفرنسية.
تقرير / أبحاث و دراسات