من «البطرسية» إلى «مار جرجس».. شهداء يحتفلون بالعيد في السماء

over 8 years in التحرير

«مين يعوضني بعدك»، كانت هذه الكلمات مع أخرى غير مفهومة، لسان حال سيدة تنعى فقيدها، حيث التف حولها كثيرون لمواساتها أمام مشرحة المستشفى العام الجامعي بطنطا، بعد حادث تفجير الكنيسة خلال صلوات قداس «أحد السعف» صباح أمس الأحد، والذي راح ضحيته 27 شهيدًا و56 مصابا وفقا لوزارة الصحة.

حادثتان.. والألم واحد

لم يختلف حال تلك السيدة كثيرا عن حالة والدة «الشهيدة إيمان يوسف»، إحدى ضحايا تفجير الكنيسة البطرسية بالعباسية، وهو الحادث الذي وقع يوم الأحد 11 ديسمبر الماضي، فقد كان مشهد مشرحة المستشفى الجامعي بطنطا يشبه كثيرا مشهد مستشفى الدمرداش، وكأنه يوم واحد متصل.

في وسط النهار، أمطرت السماء بضع قطرات من المياه، اعتبرها الواقفون أمام المشرحة بمثابة إعلان سماوي للحزن والتضامن مع مصابهم.

كان ملفتا للنظر وجود أحد أباء كهنة كنيسة مار جرجس، التي وقع بها الانفجار، مرتديا ملابس الكهنوت البيضاء التي يتم ارتداؤها، خلال صلوات القداس، غارقة في الدماء، الكاهن هو القمص دانيال ماهر، الذي حمل ابنه بيشوي الطالب الجامعي على يده إلى المستشفى في محاولة لإنقاذه، لكنه فارق الحياة.

بيشوي كان ضمن "الخورس" فريق الشمامسة الذين يرتلون الألحان خارج الهيكل، وأغلبهم فارقوا الحياة لوجودهم بجوار مكان الانفجار.

انتهت إجراءات تشريح جثامين 18 من «شهداء» الكنيسة، واستخراج تصاريح الدفن، في الساعة السادسة مساءً، وكان هناك جثة واحدة فقط غير معروف هويتها لوصول الجزء الأسفل منها فقط، وبنهاية اليوم، تم التعرف على صاحبها من قبل زوجته وهي لشخص يدعى «مدحت موسى»، وتم الانتظار حتى الانتهاء من تصاريح دفن بقية الجثامين في المستشفيات الأخرى.

حالة من الغضب انتابت «أسر الشهداء»، أمام المشرحة، ولم يطيقوا الحديث مع الصحافة، وسط ذهول من هول ما حدث، كان ما يشغلهم فقط معرفة ما سيتم مع شهدائهم، وتم تجهيز صناديق دفن الجثامين بكنيسة القديسة دميانة بطنطا، وإحضارها للمشرحة.

تقررت صلاة الجنازة مساء الأحد بكاتدائية مارجرجس في حي أبو النجا التي شهدت الانفجار صباحا، حيث تم إعداد مدفن خاص لـ"الشهداء" خلف مدفن الأساقفة.

في الخامسة والنصف مساءً، حضرت الصناديق التي ستنقل جثامين المتواجدين بالمشرحة في المستشفى وفقا لأحد الكهنة المتواجدين.

رائحة الدم تغلب

بعد انتهاء الفحص الجنائي والنيابة العامة من المعاينة والتحقيقات بمكان الانفجار داخل الكنيسة، فتحت الأبواب أمام أبناء الكنيسة للدخول ومعاينة مكان الانفجار، حيث بدأ التعامل معه على أنه مكان لنيل بركة الشهداء.

غلبت رائحة الدماء على المكان، ورغم مرور تلك الساعات إلا أنها كانت قوية، كما كانت أماكن كثيرة سواء الحوائط أو السقف ملطخة بالدماء واللون الأسود مكان الانفجار، والذي تكشف آثاره مدى شدته. 

دخل 2 من الآباء الأساقفة إلى الكنيسة لمعاينتها، فانهار في الحديث معهم جون جرجس، طبيب صيدلي، فقد 3 من أصدقائه، لم يكن يعلم أنهم مصابين أو قتلى إلا وهو يساعد في رفع الجثث، بصوت مبحوح، أشار إلى الإرهاب والتطرف، مطالبا الأساقفة بعدم التصريح بأن حال المواطنين المسيحيين جيدا.

في الجانب الأيسر خارج الكنيسة تناثر الزجاج المتهشم جراء الانفجار، كما وضع الأثاث المتحطم خارج الكنيسة، وكانت حالته أيضًا مقياسًا لحجم التفجير. 

دفن الشهداء إلى جوار الأساقفة

استقرت الكنيسة على إعداد مدفن خاص للشهداء بنفس الكنيسة بجوار مدفن الأساقفة، وأن تتم صلاة الجنازة في الساحة الخلفية للكنيسة، تأخرت الجنازة كثيرا عن موعد العاشرة مساءً الذي حددته الكنيسة، ولم تبدأ إلا بعد الساعة الحادية عشر مساءً، وسط حالة من الغضب الشديد بين الحضور الذين لم يطيقوا، عدم دخولهم إلى المكان المخصص لصلاة الجنازة وبدأ بعضهم بالقفز من فوق الأسوار الحديدية للعبور.

ما أثار غضب كثيرون، تخصيص دعوات لحضور الجنازة، وتم تحديد 25 دعوة لكل أسرة لديها شهيد، وهو ما لم يرق للكثيرين الذين أصروا على الحضور، إلى أن امتلأ المكان عن آخره.

هل تكون «جناز عام» أم صلاة «بصخة» وفق الطقس القبطي؟

سؤالا جداليا دار طوال اليوم حول طبيعة الصلاة التي ستؤديها الكنيسة على شهدائها، لأنه وفق طقس الكنيسة يصلى قداس الاحتفال بأحد السعف أو دخول السيد المسيح لمدينة أورشليم، ثم بعده صلاة الجناز العام على كل المتواجدين، لأن الكنيسة القبطية وفق طقسها لا تحزن على أحد غير المسيح في أسبوع الآلام، فمن يموت يحضر بعض صلوات البصخة ويرش جثمانه بالمياه التي تم عليها صلاة الجناز العام ويدفن.

البعض قال إنه قد تقام صلاة الجناز العام التي لم تقام صباحا لعدم استكمال الصلاة، والبعض ذكر أنها ستكون صلوات البصخة.

حسم الأمر وأقيمت صلاة الساعة الحادية عشر من ليلة الإثنين من البصخة على جثامين الشهداء. 

تهليل للشهداء.. وغضب على الحكومة

بعد صلاة البصخة على الشهداء، تحدث الأنبا بولا أسقف طنطا إلى الحضور وقال «الرب يعزي أسر الشهداء»، مضيفا: «هنيئا لنا بشهدائنا الأبرار القديسين، فهو يوم تاريخي في مصر، وبالأخص لطنطا، وسيسجل بتاريخ من نور للوطن والكنيسة».

وقوبل كلام بولا بتهليل وتصفيق حاد من الحضور، ثم أكمل كلامه: «صار لنا اليوم سحابة شهود أمام عرش النعمة الإلهي، فتتحول مشاعر الحزن إلى مشاعر فخر بأن طنطا صارت أما للشهداء، لقد صعدوا إلى السماء في أقدس لحظات السماء، حيث يختتم اليوم بهذا الاحتفال الروحي لتوديع أرواحهم للسماء».

وفي نهاية حديثه، أشار لحضور رئيس الوزراء وممثلي الحكومة لاجتماع معه، ما قابله الموجودون باستهجان، وصاح أحدهم قائلًا: «غوروا في داهية»، وتجاوز الأنبا بولا الأمر بالحديث عن مدفن الشهداء. 

البابا تواضروس: المسيح سيستقبلهم بنفسه

أرسل البابا تواضروس رسالة عزاء قرأها الأنبا بولا، وقال: «مع عيد دخول المسيح أورشليم نودع أحباءنا شهداء كنيسة مار جرجس في طنطا، الذين اختارتهم السماء في يوم عيد يحملون سعف النخيل مع أغصان الزيتون ليعودوا فيستقبلهم المسيح بنفسه لأنهم على رجاء القيامة رحلوا».

وأضاف: «كانوا صائمين ومستعدين للأسرار المقدسة وكانوا مسبحين في الصلاة بكل قلوبهم، وفي زمن الآلام اجتازوا الآلام ليفرحوا بالقيامة المجيدة»، وتابع: «ألم الفراق يعتصرنا، ولكن أحضان المسيح تعزينا، نتألم لرحيلهم، ولكننا لأننا نحبهم، فإنهم أحياء في قلوبنا، يصلون عنا وعن مسكنتنا».

وأختتمها: «تعزيتي القلبية لكل الأسر المتألمة وصلاتي من أجلهم ومن أجل الجرحى والمصابين ولنيافة الأنبا بولا وكل الآباء والشمامسة والكشافة وكل الشعب في الإيبارشية المحبة للمسيح».

شارك في صلاة الجنازة عدديد من الأساقفة هم الأنبا باخوميوس مطران البحيرة ومطروح، والأنبا رافائيل سكرتير المجمع المقدس، والأنبا ثيؤدسيوس أسقف وسط الجيزة، والأنبا يوليوس أسقف مصر القديمة، والأنبا مكسيموس أسقف بنها، والأنبا يوحنا أسقف شمال الجيزة، والأنبا زوسيما أسقف أطفيح، والأنبا دانيال أسقف المعادي، والأنبا مقار أسقف الشرقية والعاشر، والأنبا كاراس الأسقف العام.

الأنبا رافائيل وكلمات العزاء في الأحداث الصعبة

مثلما ألقى كلمة روحية في الكاتدرائية يوم الأحد 7 أبريل 2013، في صلاة الجنازة على ضحايا أحداث الخصوص، وقت حكم الإخوان، وقبل دقائق من الاعتداء على الكاتدرائية المرقسية في العباسية عقب خروج الجنازة، ألقى الأنبا رافائيل عظة روحية مساء أمس الأحد لتعزية أسر شهداء كنيسة مار جرجس طنطا.

وقال: «اليوم تودع الكنيسة شباب من خيرة شبابها، كرسوا أنفسهم لخدمة الله، وكانوا يسبحونه بلحن إيفلوجي مينوس أي (مبارك الآتي) الذي يقال في استقبال السيد المسيح، يوم أحد الشعانين في ذكرى مجيئه ليملك على القلوب».

وأضاف: «أشعر أنه لأول مرة يقال لحن إيفلوجي مينوس لاستقبال المسيح في شخص شهداء سكبوا أرواحهم من أجل اسمه، ما نراه على الأرض أنهم توفوا، لكنهم في السماء يكملون اللحن».

وأوضح أنهم شباب تعلموا في الكنيسة أن يخدموا الآخرين من الشباب، وذوي الإعاقة، والمرضى والمسنين، والمهمشين الذين يرفضهم المجتمع.، مضيفا أنهم تعلموا من المسيح الخادم أن يخدموا مثله وأن يحملوا معه الصليب، لا أن يصوبوا سهامهم نحو البشر، فـ«المسيح علمنا الحياة».

وأضاف «صحيح نحب الاستشهاد، لكننا نحب الحياة، ونحن قوم لا نكره الحياة على الأرض، ويقول الكتاب المقدس: لي الحياة في المسيح»، مشيرا إلى أنه «كون إننا نستقبل الموت بتأمل روحي بأنهم ذهبوا للسماء فهذا لا يعني أن دمنا رخيص، ونحن لا ننتحر، نشهد للمسيح بحياتنا قبل أن نشهد له بانتقالنا إلى السماء».

ولفت إلى أن الله لا ينسى، وأن قضية الدم لا تسقط بالتقادم أمام الله، وأن النبوات في صلاة الحادية عشر من ليلة الاثنين، تذكر أن الله يعطي كل إنسان حسب ما عمل، وأن الله ينتقم، مضيفا «نحن لا نطلب النقمة، لكن الكتاب يقول: لي النقمة أنا أجازي يقول الرب».

وأضاف أن الله ينتقم للدماء، ممن يتسبب في سفك الدماء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة أو من يحرض ويتساهل مع العنف. 

صباح الإثنين.. شهيد جديد

وصباح اليوم، رحل فادي رمسيس جرجس، وهو الشهيد رقم ٢٨ في قائمة شهداء طنطا، في مستشفى معهد ناصر، حيث كان يتلقى العلاج.

أسماء الشهداء

1- فادي رمسيس جرجس

2- سامي فام جرجس

3- وليم نصيف يوسف

4- خيري كيرلس عطي منصور

5- مجدي سامي جرجس

6- فادي وليم إبراهيم

7- بيشوي مدحت ماهر(القمص دانيال ماهر)

8- عادل أسعد شكري

10- رؤوف صليب

11- عادل سليمان عبد السيد

12- شادي كمال

13- فخري لطيف مرقس

14- سليمان سليم سليمان

15- مينا نعيم

16- سليمان أيوب عوض الله

17- ماهر فؤاد فاروق

18- بيشوي نادي شنودة

19- سعد ذكي بدوي

20- مايكل سمير إسكندر

21- أنور إسكندر حنا

22- صموئيل جورج نجيب

23- مايكل نبيل راغب

25- سليمان شاكر

26- رجائي لطفي صادق

27- ميشيل عبد الملك إبراهيم

28 - فادي رمسيس جرجس

Share it on