هآرتس لم تكن لدى إسرائيل أي إستراتيجية أو "سيناريو نهاية" بشأن غزة.. والآن تدفع الثمن

حوالي ٣ سنوات فى تيار

قالت هآرتس (Haaretz) إنه من المستحيل معرفة "سيناريو النهاية" الذي فكرت فيه إسرائيل بشأن حملتها العسكرية المتواصلة على قطاع غزة، لسبب واحد هو أنه لم تكن هناك أصلا إستراتيجية أو تفكير في "بداية للعبة" بل فقط قرارات ظرفية وسوء تقدير وحسابات سياسية خاطئة وردود فعل انتقامية.
 
وذكرت الصحيفة الإسرائيلية -في تحليل للصحفي والدبلوماسي السابق ألون بينكاس- أن هذه السمات غالبا ما تجسد "التفكير الإستراتيجي المختل" لدى إسرائيل، وهو حينما تستبدل الدولة أو تخلط بين الأبعاد العسكرية التكتيكية والاعتبارات الإستراتيجية السياسية.
 
وفي غياب إستراتيجية واضحة ومتماسكة وذات أهداف -سواء بشكل مقصود أو بسبب الإكراهات السياسية- تضطر الدولة لتنفيذ سلسلة من التحركات التكتيكية والعسكرية ولاحقا الدبلوماسية، يوهم صناع القرار أنفسهم -إن هي نجحت- بأن لديهم إستراتيجية "رائعة" ويدَّعون أمام الملأ أنهم كانوا يدركون جيدا ما يفعلون وأن الأمر قد نجح بالفعل.
 
لكن الواقع -يضيف الصحفي- مختلف تماما حيث يعني غياب الرؤية والإستراتيجية الواضحة ألا دافع سياسيا يبرر دخول الصراع وألا نتائج سياسية محددة يرغب في تحقيقها حين الخروج منه، كما أن الحديث عن أي "إنجازات تكتيكية" غالبا ما يكون أقل قيمة في واقع الأمر من الطريقة التي تسوق بها.
 
وتعد غزة تجسيدا حيا لهذا الخلل في التفكير الإستراتيجي حيث لم تستطع إسرائيل حتى ماض قريب أن تحدد بالضبط ما يجب أن تفعله حيال حركة المقاومة الإسلامية (حماس) التي تسيطر على القطاع في الفناء الخلفي لإسرائيل، حسب ما جاء في تحليل هآرتس.
 
فسيناريو التوغل داخل القطاع للإطاحة بحركة حماس يبدو عالي التكلفة ومحفوفا بالمخاطر من الناحية السياسية، لذلك توصل رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إلى صيغة بديلة تقضي بالعكس من ذلك تماما بتقوية حماس من أجل إضعاف السلطة الفلسطينية، وبالتالي إعفاء إسرائيل من أي حاجة للانخراط في عملية سياسية مع الفلسطينيين بدعوى ألا تفاوض ممكنا مع "منظمة إرهابية متطرفة" مثل حماس.
 
من ناحية أخرى، اتبعت العمليات العسكرية ضد حماس بالقطاع، أعوام 2012 و2014 و2018 والآن، نسقا وتسلسلا زمنيا متطابقا لدرجة أن الأمر بات شبيها بطقس معتاد يسهل التنبؤ بتفاصيله، وغالبا ما ينتهي -بعد موجات من التصعيد والوساطات الدبلوماسية من هذا الطرف أو ذاك- بإعلان هدنة تعيد الأمور في كل مرة إلى نقطة البداية.
 
ويرى الدبلوماسي السابق أن هذا المآل المتكرر يثير التساؤلات بشأن جدوى كل ما تم القيام به منذ البداية، ثم يدخل كلا الطرفين مجددا في معركة أخرى حول "من المنتصر؟" لا تستطيع فيها إسرائيل بكل بساطة، في غياب إستراتيجية بشأن ما يجب أن تقوم به ضد حماس والقطاع، أن تدعي أنها انتصرت.
 
ورغم أنها قد تكون حققت بالفعل بعض الإنجازات التكتيكية المثيرة للإعجاب، لكن حماس ستعيد كل مرة البناء "لأن إسرائيل تسهل لها وتسمح لها بذلك".
 
ويعتقد خبراء علم النفس السياسي وأخصائيو الاتصال أن هذه المعركة في الواقع معركة على "الوعي" و"تصورات النجاح" تبحث من خلالها إسرائيل وحماس معا على "صورة نصر حاسم" تترك بصمة "انتصار" لا تمحى في أذهان شعبيهما.
 
وخلاصة الأمر -كما يرى الصحفي في هآرتس- أنه عندما تغيب الرؤية الإستراتيجية ويكون الصراع بطبيعته غير متكافئ لا يتم تحقيق انتصارات حاسمة، بل فقط افتتاح "فصل دموي وقبيح" جديد يمهد للجولة التالية من الصراع التي ستتبع النسق والتسلسل الزمني ذاته لسابقها من الجولات.
 
ولا يمكن أبدا أن تكون الانتصارات التكتيكية لقوة عسكرية متفوقة بديلا عن الإستراتيجية، فقضية حماس وغزة والمأزق الفلسطيني الإسرائيلي بشكل عام لا سبيل لمعالجته من خلال معركة التقنيات المذهلة ضد الأنفاق، والاعتقاد بأن استخدام القوة العسكرية وحده يخدم مصلحة إسرائيل إنكار خطير للذات.

ذكر فى هذا الخبر
شارك الخبر على