البخاري والصلاة

حوالي ٧ سنوات فى التحرير

قسَّم البخاري كتابه الصحيح إلى كتب وأبواب، لا إلى فصول وأبواب كالمتبع حاليا، فيقول كتاب الصلاة، كتاب الوضوء وهكذا، وهى 97 كتابًا طبقًا لترقيم وترتيب محمد فؤاد عبد الباقي، وهو الأشهر والأفضل في التصانيف الحديثة طباعة دار الفجر الحديثة.

وضع البخاري كتابين للصلاة، كتاب الصلاة وترتيبه 8 من الـ97 كتابا طبقا لتصنيف محد عبد الباقي، وكتاب مواقيت الصلاة وترتيبه 9 كتاب الصلاة، مقسم إلى 109 أبواب، وكتاب مواقيت الصلاة 41 بابا، وتبدأ من الحديث 349 إلى الحديث رقم 602، وهى 153 حديثا، ولكن هناك أحاديث تكرر في كتب أخرى من الكتاب وربما يصل عددها إلى أضعاف ذلك.

في كتابي الصلاة، تخيلوا أنه لا يوجد حديث من هذه الأحاديث يتحدث عن هيئة الصلاة ولا عدد الركعات.

وعلى سبيل المثال لا الحصر أسماء بعض أبواب كتاب الصلاة:

2- باب وجوب الصلاة في الثياب، 7- الصلاة في الجبة الشامية، 11ـ  باب الصلاة من غير رداء، 17ـ باب الصلاة في الثوب الأحمر، 20ـ  باب الصلاة على الحصير، 22ـ الصلاة على الفراش، 28ـ باب فضل استقبال القبلة.

وأبواب أخرى عن النوم في المسجد والتجارة في المسجد وربط الأسير في المسجد ومد الرجل في المسجد ورفع الصوت والجلوس.

والغريب والمدهش أنه من الباب 33 إلى الباب 39 عن البزاق (لا مؤاخذة التفافة)، ولا أدري لماذا نستخدم اللفظ في اللغة العربية الفصحى بشكل عادي، ولكن اللفظ بالعامية يسبقه كلمة لا مؤاخذة، وهذا ينطبق على كثير من الأسماء الخاصة بالعورات أو الألبسة الداخلية وهكذا.

البزاق أخذ 7 أبواب من أبواب الصلاة، ونحو 17 حديثا، ولو حسبنا المكرر يكون 25 حديثا من إجمالي 7563 مدونة في البخاري، وعلى سبيل المثال لا الحصر نستعرض هذا الحديث:

405 حدثنا قتيبة قال: حدثنا إسماعيل بن جعفر عن حميد عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى نخامة في القبلة، فشق ذلك عليه حتى رئي في وجهه، فقام فحكَّه بيده فقال: إن أحدكم إذا قام في صلاته، فإنه يناجي ربه -أو إن ربه بينه وبين القبلة- فلا يبزقن أحدكم قبل قبلته، ولكن عن يساره، أو تحت قدميه، ثم أخذ طرف ردائه فبصق فيه، ثم رد بعضه على بعض فقال "أو يفعل هكذا" أطرافه 241، 412، 417، 531، 532، 822، 1214.

أثار تعجبي أمر البخاري، ففي كتابه الذي حوى أكثر من سبعة آلاف حديث تقول التراجم إنه اختارها من 600 ألف حديث جمعها، بما يعني أنه واحد% مما جمعه، هذه النقاوة تأتي بأكثر من 150 حديثا عن الصلاة، ليس منها حديث واحد عن عدد الركعات وهيئة الصلاة، التي أخذت أبوابًا كثيرة في الفقه، والفقهاء يعتمدون على الأحاديث، فلم يسعفهم البخاري بأي حديث يبل ريق الفقهاء به، ثم من ضمن المائة والخمسين حديثًا في الصلاة يكون هناك 25 حديثا عن لا مؤاخذة التفافة في المسجد.

وقد صدعنا الكثير من العلماء عندما كنا نقف أمام متون في البخاري تحرض على العنف والقتل، مثل "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله فإن قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم"، وهي تدعو إلى النفاق، بأن القول كاف لتصون دمك، وهو يسيء إلى الدين ذاته وأنه انتصر بحد السيف، وأن حديث "من بدل دينه فاقتلوه"، وهي أحاديث ضد النص القرآني "من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر".

كان رد العلماء، إذا أنكرتم البخاري فكيف للناس أن تعرف صلاتها، ففوجئت أن الناس لا يمكن أن تعرف شيئا عن صلاتها في البخاري.

والبخاري جاء في نهاية القرن الثاني، وبدأ الجمع في بداية القرن الثالث الهجري، فماذا كان يفعل الناس في صلاتهم خلال قرنين من الزمان، إنه التواتر الفعلي، تعلم الناس الصلاة بشكل عملي جيلاً بعد جيل، والخلافات كانت على أمور هامشية، أين نضع أيدينا في الصلاة أو في أثناء التكبير، وهي أمور تافهة ضخمها الفقه وافترق عليها الناس، وكثيرا ما خضنا سجالات في الماضي، حيث كان يصر السلفيون أن يضعوا أيديهم على صدورهم في الوقوف بعد الركوع، ويضع الآخرون أيديهم في جنوبهم، وكل فريق متمسك بأن فعله هو الفعل اليقيني للنبي الكريم.

وإذا ذهبنا للحديث المرفق أعلاه، فهو غير منطقي خاصة فقرته الأخيرة، الرسول كان يحب العطر ويلبس الثياب النظيفة في الصلاة، فكيف له أن يعمل بيانا على المعلم، بأن يبصق في جلبابه، ويمرشه بالتعبير المصري، وهل عجزت اللغة أن توضح ذلك في مجتمع بليغ في اللغة الشفاهية على الأقل ويحتاج إلى بيان على المعلم.

النقطة الثانية، وسنفترض أن هذا حدث، فماذا سيفيد المجتمع في القرن الثالث الهجري، الذي عرف القصور والفرش، وأصبحت المساجد تفرش بالحصير والسجاد، وليست بالحصي كما كان في وقت النبوة، ولا يجوز البصق على تلك السجاجيد والفرش لا عن اليمين ولا عن اليسار، وإلا فأذاك سيصيب قدم أحدهم.

ربما يقول إن البخاري وضع لنفسه منهجا في الاختيار والبحث، ولم يفارقه.

علماء الحديث يقولون غير ذلك فإذا كانت شروط الحديث عند البخاري، هى اتصال السند وقوة الرواة وعدلهم وضبطهم، فقد جمع في كتابه الموقوف والمعلق والمرسل، وغيرها من الأحاديث التي تخالف منهجه ذاته، بما جعل العلماء يقولون معلقات البخاري، التي تجاوزت الألف حديث طبقا لكلام الدكتور حمدي زقزوق، وقال إننا لو حذفنا المعلقات والمكرر فإن الأحاديث الموجودة في البخاري تزيد على الألفين قليلاً، فإذا كان البخاري قد خالف منهجه ذاته، وانتقى 1%، أما كان له أن يحذف هذه الأحاديث التي لم يعد لها محل من الإعراب في هذا العصر الذي اتسم بالرفاهية، أو حتى يكتفي بحديثين أو ثلاثة، لا يكون من بينها هذا الحديث، خاصة أنه كان بإمكان الرسول أن يحكها بحجر أو حصاة وليس بيديه الكريمتين.

المشكلة أن الوعاظ في مساجدنا، جعلوا الدين على الهوا، فتركوا كل أحاديث البخاري عن النوم في المسجد والكلام في المسجد وغيرها، وصدعوا رؤوسنا بحديث موضوع وهو "الكلام في المسجد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب"، والوعاظ هم أول الناس أنهم يعرفون أن هذا الحديث ليس مجرد ضعيف ولكنه موضوع، ولكنه جاء على هواهم، هم لا يريدون للصبية أن يصدعوا رؤوسهم، فأوهموهم وخوفوهم بحديث موضوع، مما رسَّب في نفوس بعضهم تخوفا من هذا الدين الذي يمنع عنهم حتى الكلام، خاصة أنهم بالضرورة يتكلمون، حتى يشعروا أن أقرانهم غير المتدينين، ربما يكونون أشرف عند الله منهم، لأن حسناتهم تهدر بسبب ذهابهم إلى المسجد والكلام فيه.

نحن لا نتهم البخاري بشيء، فقد بذل مجهودا، ولكن البخاري لم يدر نفسه، أنه سيأتي عصر يقدس فيه الناس كتابه هذا التقديس، والغريب أن المشايخ الذين يقدسونه الآن يعرفون أن الكثير من علماء الحديث مثل الدارقطني والألباني والشيخ محمد الغزالي ردوا أحاديث، ويعرفون يقينا، أنها مصنفة ضمن ظنية الثبوت، ولكنهم يناورون ويراوغون ويدافعون باستماتة عن سلطة دينية يستمدونها من حفظهم لأجزاء من تلك الكتب، فإن فقدت تلك الكتب قداستها، فقدوا جزءا من سلطتهم الدينية، رغم ادعائهم المزعوم أن الإسلام لا يوجد فيه رجال دين مثل المسيحية.

ويطلقون على أنفسهم علماء الدين، ويريدون احتكار الحديث باسم الدين، بل باسم الله ذاته، وإن ربنا بيقول مش أنا اللي باقول، رغم أنه قال قول الله في سياق تأكيد وجهة نظره، رغم علمه بظنية الدلالة، مثل استدعائه لقول الله تعالى "قاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله"، ويقولها في سياق قتال المخالفين له في الرأي أو العقيدة أو في الطائفة ويدَّعي أنه قول الله وليس قوله، ولذلك كان قول علي بن أبي طالب بليغا عندما قال "القرآن كتاب بين دفتين لا ينطق بلسان ولكن ينطق به الإنسان".

شارك الخبر على