سلطنة عُمان والصين.. علاقات تاريخية وآفاق مستقبلية
أكثر من ٤ سنوات فى الوفد
مسقط وبكين تتفقان على الإعفاء المتبادل من تأشيرات الدخول وتعزيز الاستثمارات والسياحة
مسئول صينى بارز:
مستعدون للتعاون مع السلطنة لتعزيز الحوار والتفاهم بين الدول
تتميز العلاقات بين سلطنة عُمان وجمهورية الصين الشعبية بالقوة والخصوصية، فهى واحدة من أقدم العلاقات على مر التاريخ، وقد ذكر المؤرخون العرب أن عُمان كانت على تماس كبير مع الحضارة الصينية منذ فترة مبكرة، حتى أن أحدهم وصف عُمان بأنها فرضة الصين ومرفأها نظراً للتبادل التجارى الضخم بينهما.. كما كان الجانب الحضارى فى تاريخ العلاقات بين مسقط وبكين حاضراً أيضاً وبقوة، فقد ساهمت السلطنة فى نشر الدين الإسلامى فى الصين، وتسجل مدونات التاريخ أن أبا عبيدة عبدالله بن القاسم كان من أوائل الذين اشتغلوا فى نشر الإسلام فى الصين فى القرن الثانى الهجرى.
وعلى مر القرون تطورت العلاقات العُمانية الصينية وتعمقت أكثر، وأصبحت فى العصر الحديث شراكة استراتيجية حقيقية فى كافة المجالات، عززتها هذه الجوانب التاريخية باعتبارها مرآة للمستقبل الواعد.. فمنذ بواكير عهد النهضة العُمانية الحديثة كانت العلاقات مع الصين متميزة وتم التبادل الدبلوماسى بين البلدين فى نهاية عقد سبعينيات القرن الماضى، وفى عام 2018م وبعد أربعة عقود من العلاقات القوية، صدر إعلان مشترك بين السلطنة والصين نص على الارتقاء بالعلاقات بين البلدين إلى مستوى تاريخى جديد ووضع تصور كبير للتنمية المستقبلية، كما تم توقيع اتفاقية تفاهم للعلاقات بين البلدين ضمن مبادرة الحزام والطريق.
استشراف المستقبل
هذه العلاقات التاريخية وتعزيزها فى العصر الحديث، سيساهم بكل تأكيد فى تقوية العلاقات الثنائية فى عهد النهضة العُمانية المتجددة تحت قيادة السلطان هيثم بن طارق، وخاصة فى المجال الاقتصادى وتعزيز الاستثمارات المشتركة، حيث تركز السلطنة وفقاً لرؤية عُمان 2040 التى انطلقت مطلع العام الجارى بشكل أكثر على تعزيز الاستثمارات الخارجية، وتعد الصين من الدول الكبرى التى تعزز استثماراتها فى منطقة الشرق الأوسط ضمن مشروعها الحزام والطريق، وعُمان من بين الدول المستقرة سياسياً وتُغرى رأس المال على الاستقرار فيها، وستفتح زيارات المسئولين الصينيين للسلطنة آفاقاً اقتصادية واستثمارية كبرى إلى جانب العلاقات السياسية والدبلوماسية المتميزة وكذلك الثقافية والاجتماعية.
وكانت عُمان والصين على موعد الأسبوع الماضى مع حدث قوى يُطور العلاقات فى كافة المجالات، حيث قام وفد صينى رفيع المستوى برئاسة وانغ يى مستشار الدولة ووزير خارجية الصين، بزيارة رسمية للسلطنة الأحد الماضى، وفور وصول الوفد الصينى قام بزيارة قلعة نزوى العُمانية التاريخية، واطلع على بناء ومرافق القلعة التى تعد أضخم برج دفاعى فى شبه الجزيرة العربية والمتميزة بممراتها الضيقة ومكامنها الدفاعية، والحصن المصاحب للقلعة بعمارته الفنية والقاعات المتعددة كالمعرض والبرزة وغرف الدراسة فيها، كما اطلع الوفد على المرافق المصاحبة للقلعة واستمع إلى شرح حول تاريخ القلعة ودورها التاريخى عبر الحقب المتعاقبة للزمن.
كما زار الوفد الصينى أيضاً قلعة بهلاء، واطلع على بناء ومرافق القلعة التى تعد من أقدم القلاع العُمانية والتى تم ضمها إلى قائمة التراث العالمى لمنظمة اليونسكو كمحمية ثقافية عام 1987م، كما اطلع على المرافق المصاحبة للقلعة واستمع إلى شرح حول سور بهلاء وسوقها العريق وحاراتها القديمة ومساجدها الأثرية.
إعفاء متبادل للتأشيرات
وفى اليوم التالى، عُقدت جلسة المباحثات السياسية بين عُمان والصين، فى مقر وزارة الخارجية العُمانية بمسقط، وترأس الجانب العمُانى بدر بن حمد بن حمود البوسعيدى وزير الخارجية، فيما ترأس الجانب الصينى نظيره وانغ يى.
وأكد الجانبان خلال جلسة المباحثات، على دعمهما لتعزيز الاستثمارات والتبادل السياحى فى إطار مبادرة الحزام والطريق الصينى بما يحقق المنافع المتبادلة.. ورحب الجانبان بالدخول فى اتفاقية مشتركة بين البلدين للإعفاء المتبادل من تأشيرات الدخول بين مواطنى البلدين الصديقين، واتفاقية التعاون فى مجال العلوم والتكنولوجيا.
وتناولت جلسة المباحثات علاقات التعاون الثنائى بين مسقط وبكين فى مجموعة من المجالات الاقتصادية والعلمية والثقافية، وتبادل الجانبان أيضاً وجهات النظر حول عدد من القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، مؤكدين على أهمية حل النزاعات بالطرق السلمية وعبر الحوار بين مختلف الأطراف.
وعلى هامش جلسة المباحثات الرسمية، قام وزير الخارجية العُمانى والمسئول الصينى بإزاحة الستار عن مُجسم النصب التذكارى للملاح الصينى تشنج خه، الذى تم الاتفاق على تشييده فى مدينة صلالة العُمانية تعبيراً عن الدلالة الرمزية للزيارة التى قام بها إلى السلطنة قبل 600 عام.. كما تم التوقيع على البرنامج التنفيذى للتعاون فى المجال الإعلامى والصحى والثقافى بين السلطنة والصين حتى عام 2024م.
ترسيخ علاقات الصداقة
والتقى الوفد الصينى خلال زيارته للسلطنة عدداً من كبار المسئولين العُمانيين، حيث استقبله فهد بن محمود آل سعيد نائب رئيس الوزراء العُمانى لشئون مجلس الوزراء، ونقل وزير الخارجية الصينى تحيات القيادة فى الصين وتمنياتهم الطيبة للسلطان هيثم بن طارق والحكومة بدوام التوفيق وللشعب العُمانى اطراد التقدم والنماء.
وخلال هذا اللقاء، تم استعراض العلاقات الثنائية المتنامية والتاريخية بين عُمان والصين، وسبل تعزيز التعاون بينهما فى كافة المجالات، كما تم استعراض القضايا والمستجدات الراهنة على الساحتين الإقليمية والدولية.
وأكد المسئول الصينى البارز على تقدير بلاده للجهود التى تبذلها السلطنة فى دعم مسيرة البناء الداخلى وترسيخ علاقات الصداقة مع الجميع، مشيراً إلى استعداد بلاده للتعاون مع المساعى المبذولة لتعزيز الحوار والتفاهم بين الدول وصولاً لحلول عادلة للأزمات تضمن التعايش السلمى بين الشعوب من أجل أن تتفرغ للتنمية والبناء فى مناخ آمن ومستقر.
وأعرب المسئول الصينى عن أهمية زيارته للسلطنة لما لها من إيجابيات على صعيد تبادل الرؤى حول عدد من الأمور التى تهم البلدين الصديقين، مشيداً بتبادل وجهات النظر مع المسئولين العُمانيين لما له من نتائج إيجابية على صعيد العلاقات العُمانية - الصينية.
كما التقى الوفد الصينى أيضاً مع الفريق أول سلطان بن محمد النعمانى وزير المكتب السلطانى بعُمان، وتم خلال اللقاء تبادل الأحاديث الودية حول مسيرة العلاقات الثنائية، واستعراض عدد من مجالات التعاون المشتركة وسبل تطويرها بما يحقق المصالح المشتركة للبلدين.
نموذج مثالى للشراكة
تُعد الصين أكبر شريك تجارى لسلطنة عُمان، وتشجع الحكومة الصينية دوماً شركاتها ذات الكفاءة العالية للاستثمار فى السلطنة، ومن أبرز الاستثمارات الصينية فى عُمان حالياً هو مشروع المدينة الصناعية الصينية فى المنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم، الذى يُعد نموذجاً مثالياً للشراكة بين البلدين من خلال مبادرة الحزام والطريق.
وتُقدر استثمارات المدينة الصينية بحوالى 10 مليارات دولار، والأعمال الإنشائية بها مستمرة على قدم وساق لتعمل بكامل طاقتها، حيث تحظى باهتمام بالغ من قبل أوساط الأعمال وحكومتى البلدين، ومن المقرر أن تحتضن حوالى 3٥ مشروعاً فى قطاع الصناعات الثقيلة والمتوسطة.