نائب رئيس مجلس الدولة يتقدم ببحث لإعلاء الحوار بين «التشريعية والقضائية»
أكثر من ٨ سنوات فى التحرير
مشروع مجلس النواب بشأن الهيئات القضائية يخالف المعايير الدولية ويحيي ذكرى مذبحة القضاء في الستينيات
سلب القضاة إرادتهم في اختيار رؤسائهم جريمة يدور رحاها حول النوازع المدبرة.. والخداع قوامها
رئيس الجمهورية في الدستور الجديد لم يعد حكمًا بين السلطات ولم يعد يرأس المجلس الأعلى للقضاء
تقدم المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجي، نائب رئيس مجلس الدولة، والحاصل على الدكتوراه منذ 20 عامًا عن مبدأ الفصل بين السلطات، ببحث علمي أمس السبت إلى قيادات مجلس الدولة لوضع حد للصدام بين السلطتين التشريعية والسلطة القضائية حول مشروع قانون رؤساء الجهات والهيئات القضائية واحتدام الجدل بين الجانبين اتسم بالموضوعية والتجرد والحياد؛ التزامًا بالأصول والمعايير الدستورية العالمية حفاظًا لسمعة القضاء المصري في إرساء العدل من ناحية، وصونًا لتشريع عصري جديد من ناحية أخرى، إيمانًا منه بـ"إعلاء ساحة الحوار بين السلطتين بدلاً من مستنقع الاحتراب بين السلطات".
وقال المستشار خفاجي، خلال البحث: إن استقلال السلطة القضائية له مفهوم وثيق الصلة بأحد الضمانات الأساسية في المجتمع المتمثلة في حماية حقوق المواطنين وحرياتهم، وأن استقلال السلطة القضائية ليس تمييزًا لها، فهي سلطة أصيلة تقف على قدم المساواة مع السلطتين التشريعية والتنفيذية وتستمد وجودها وكيانها من الدستور ذاته لا من التشريع.
استقلال القضاء ضرورة دستورية كأساس لشرعية الحكم وضرورة مجتمعية
وذكر "خفاجي"، أن المشرع الدستوري حرص على تقرير مبدأ السلطة القضائية في عشرة نصوص دستورية كل في موضعها وتتكامل جميعها في بوتقة مبدأ استقلال القضاء، مضيفًا أن استقلال القضاء ضرورة دستورية كأساس لشرعية الحكم وضرورة مجتمعية كذلك لتحقيق العدالة في المجتمع وترسيخ مفاهيمها وأواصرها وضبط مسارها والضمان الفاعل لاحترام مبدأ المشروعية وارتقاء مكانته وتحقيق سيادة القانون وعلو كلمته .
وأوضح، أن مجلس النواب في حدود الدستور له سلطة التشريع ما لم يقيده الدستور بقيود معينة وأن السلطة التشريعية، قد تستتر وراء أحد الاختصاصات المنصوص عليها في الدستور لتمارس نشاطًا اَخر يمنعه الدستور صراحة أو ضمنًا ومثالها أن تصدر تشريعًا كمشروع القانون – محل البحث – يستر عدوانًا على مبدأ استقلال القضاء وهو من المبادئ الدستورية، ويتعين سد هذا التحايل لأنه يفتح بابًا خطيرًا للمشرع للعدوان على القضاء، مشيرًا إلى أن أسباب التشريع تكشف عادة عن الغاية التي قصد المشرع إلى تحقيقها ونلتمس تلك الأسباب في نصوص التشريع بذاته عندما نمحصها، إلا أن التعمق في نص مشروع هذا القانون يلزمنا ببلوغ غاية الأمر بشأنه إذ الفرض أن المشرع أخفى نواياه الحقيقية بشأنه وألبسه غير ثوبه الدال على حقيقته ووجهته ويجب النظر في كافة الأوضاع التى لابسته ما كان منه سابقًا عليه أو معاصرًا لخلقه وما اتصل به من حوار داخل مجلس النواب ذاته بالرجوع إلى مضابطه، وما استقام من كافة القرائن التي تشي بنوايا مجلس النواب التي أبطنها، مما يقتضي الرجوع إلى الخلفية التاريخية لنص مشروع القانون مصحوبًا بالأغراض السياسية التي دعت إليه والعجلة المريبة في تمريره واللهفة على سرعة إصداره.
البرلمان أعلن أنه غير ملزم دستوريًا بما ينتهي إليه رأي الجهات والهيئات القضائية
وتابع، نائب رئيس مجلس الدولة، أن مجلس النواب أعلن أنه غير ملزم دستوريًا بما ينتهي إليه رأي الجهات والهيئات القضائية دون إلزامه بالموافقة عليه، وأن مطالبة القضاة بمعيار الأقدمية على خلاف مشروع القانون هو إهدار بمبدأ الفصل بين السلطات وتدخل في صميم عمل البرلمان وهو ما يحتاج إلى وضع هذا القول في الميزان الدستوري ليبين مدى رجحانه أو إخفاقه.
وأشار خلال البحث، أنه لا يجب على السلطة التشريعية أن تعزل السلطة القضائية عن نفسها عن اختيار من يمثلها، وأن ما يجهله مجلس النواب أنه في ظل النظام القضائي لا يجوز أن يكون المرؤوس رئيسًا لرئيسه، فهذه النصوص انهدام لعراقة القضاء وتجريده من أقدميته وهي عزته وشرفه وسمعته التي عاش بها جيلاً بعد جيل تحاكي بهم مصر من بين الأمم ويكون مشروع القانون في هذا الصدد إذ يسلب القضاة إرادتهم في الاختيار جريمة قوامها التدخل في شئون العدالة للانتقاص من إرادتهم.
وأضاف، أن مشروع القانون المتقدم سيثير فتنة داخل الأسرة القضائية الواحدة، إذ ما هو المعيار المنضبط لهذا الاختيار إلا للولاء لإرادة من اختاره لأن القضاة هم أيضًا ينتمون للطبيعية الكامنة في النفس البشرية، الغائرة في أعماقها، والتي لا يمكن فصلها عنها، مؤكدًا أن رئيس الجمهورية في الدستور الجديد لم يعد حكمًا بين السلطات ولم يعد يرأس المجلس الأعلى للقضاء وذلك له دلالته الدستورية فكيف يختار رؤسائه.
الدستور الجديد وضع حدًا لتغول السلطتين التنفيذية والتشريعية على استقلال القضاء
وأوضح "خفاجي"، أن إلغاء دور رئيس الجمهورية في هذين النصين الدستوريين وعدم اعتراف المشرع الدستوري بهما بخلو الدستور القائم منهما، جاءت تعبيرًا عن إرادة الشعب المصري بعد ثورتيه في 25 يناير 2011، و30 يونيه 2013، بعدما عانى الشعب من اعتداء السلطة التنفيذية على السلطة القضائية في عهود زمنية مضت، فجاء الدستور الجديد ليضع حدًا لتغول السلطتين التنفيذية والتشريعية على مبدأ استقلال القضاء التي أرستها كافة الدساتير ومنها الدستور الحالي.
ونوه إلى أن التماثل في المراكز القانونية التي تنتظم طريقة اختيار رئيس المحكمة الدستورية، تستوجب وحدة القاعدة القانونية التي ينبغي أن تنتظم سائر رؤساء الجهات والهيئات القضائية، وقد ولا يتصور أن يكون مقصود المشرع الدستوري ذاته من تحديد طريقة اختيار رئيس المحكمة الدستورية، أن يتضمن تمييزًا لها عن جهات القضاء وهيئاته، موضحًا، أنه لا يتصور أن يكون مقصود المشرع الدستوري ذاته من تحديد طريقة اختيار رئيس المحكمة الدستورية أن يتضمن تمييزًا لها عن جهات القضاء وهيئاته، وإذ جاز القول بذلك التمييز المنهي عنه دستوريًا بإجماع دساتير العالم لتناقض المشرع الدستوري مع نفسه وخالف هو ما يسنه للمشرع العادي من إعمال مبدأ المساواة للأقران.
مشروع القانون الذي أعده مجلس النواب يمثل مخالفة للمعايير الدولية
واختتم البحث، بأن المواثيق والإعلانات العالمية نصت على مبدأ استقلال القضاء كدعامة أساسية لتحقيق لعدالة وحماية حقوق الإنسان ولا يتسع المجال هنا لسردها، وأنه بناء على هذه المبادئ الدولية يمكن القول بأن مشروع القانون الذي أعده مجلس النواب على صورته الراهنة يمثل مخالفة للمعايير الدولية التي أعلت من شأن استقلال القضاء في كل دولة، وانصرف الخطاب فيها للمجتمع الدولي وكفلت عدم اعتداء السلطتين التشريعية والتنفيذية عليه، فضلاً عما في هذا المشروع من امتهان للسلطة القضائية، وإمعان في تحقيرها وتدخلاً فى شئونها بتغيير اَلية اختيار رؤسائها على خلاف المعيار المنضبط منذ إنشائها المتمثل في الأقدمية.