أكاديمي أزهري لا يوجد عبادة مخصصة لليلة النصف من شعبان

حوالي ٣ سنوات فى الوفد

قال الدكتور محمود شحاته، مدرس الفقه المقارن بجامعة الأزهر، إن شهر شعبان من الشهور التي احتفل بها النبي ﷺ وكان احتفاله بالصوم، فقد ورَد في صيامه صلى الله عليه وسلم لِشعبانَ ما رُوِيَ في الصَّحيحَيْن مِن حَديثِ عائشَةَ ـ رَضِي اللهُ عنها ـ قالت: كان رَسولُ اللهِ ﷺ يَصومُ حتّى نَقولَ: لا يُفطرُ، ويُفطرُ حتّى نَقولَ: لا يَصومُ، فَما رأيتُ رَسولَ اللهِ ﷺ استَكملَ صيامَ شَهرٍ إلّا رَمضانَ، وما رأيتُه أكثَرَ صِيامًا مِنه في شَعبانَ.

اقرأ أيضًا.. ليلة النصف من شعبان.. فضلها ودعاءها وسبب تسميتها بالبراء

وأضاف شحاته في تصريحه لـبوابة الوفد، أن النسائي روى عن أسامة بن زيد ـ رضي الله عنهما ـ أنه سَأل النبي ﷺ بقوله: قلتُ: يا رسولَ اللهِ لم أرَك تصومُ من شهرٍ من الشُّهورِ ما تصومُ من شعبانَ، قال: ذَاك شهرٌ يغفَلُ النّاسُ عنه بين رجبَ ورمضانَ، وهو شهرٌ تُرفعُ فيه الأعمالُ إلى ربِّ العالمين، وأُحِبُّ أن يُرفعَ عملي وأنا صائمٌ ، قيل: إنَّ المراد بالأعمال التي ترفع إليه في شهر شعبان هي أعمالُ السَّنة. وفي الحَديثِ: دليل على أنَّ شهر شعبان من الأَشهر المُرغَّبِ فيها بالصوم؛ لأنَّه من أفضل الأعمال عند الله التي أمر بها عباده، وأن الأعمالَ الصالحة إذا صاحبها الصومُ رفع من قدرها، وأثبت خُلوصها لله عزَّ وجلَّ.

وأوضح مدرس الفقه المقارن بجامعة الأزهر، أنه لم يثبت ولم يصح عن رسول الله ﷺ ولا عن أحد من أصحابه الكرام ـ رضي الله عنهم ـ شيء في فضل ليلة النصف من شعبان، فهي ليلة كغيرها من الليالي، لا يجوز تخصيصها بشيء من العبادة من صلاة معينة بقدر من الركعات، أو صيام، أو دعاء مخصوص، أو صدقة إلا بدليل صحيح يدل على التخصيص وهذا غير موجود، فلا تُخص ليلتها بطول صلاة، ولا يومها بصيام؛ لأن بعض الناس يتعبد ويصلي ليلة النصف من شعبان فقط، ويرى البعض أنها ليلة القدر، وهذا باطل، فليلة القدر في رمضان، وبضعهم يصوم في يوم الخامس عشر من شعبان ويقوم ليلته فقط، وهذا لا يشرع، لكن لا بأس له أن يصوم هذا اليوم مع بقية الأيام البيض، ويقوم ليلة النصف مع الليالي الأخرى من شعبان منفردًا؛ لأن في هذا خروج من الخلاف، والخروج من الخلاف أولى وأفضل.

وأكمل: قال ابن القيم وغيره: الأصل في العبادات البطلان، حتى يقوم دليل على الأمر، فإن الله لا يعبد إلا بما شرعه على أَلسُنِ رسله.

أما عن قيام ليل شهر شعبان، أوضح مدرس الفقه بجامعة الأزهر، أن الرسول ﷺ كان كثير القيام بالليل في كل الشهر، وقيامه ليلة النصف كقيامه في أية ليلة، موضحًا أن ليلة النصف من شعبان ورد في فضلها أحاديث متعددة، اّختلف فيها، وردها الأكثرون إما لضعفها أو لوضعها، وقالوا لم يأت في فضلها حديث وصل إلى درجة الصحة، حيث لم يصح في ليلة النصف من شعبان أي حديث...، وصَحَّحَ وحَسَّنَ بعض أحاديثها بعض العلماء كابن حبان وخَرَّجَهَا في صحيحه، فإن قلنا بالحسن، فكل ما ورد أنه يدعو في هذه الليلة، ويستغفر الله عز وجل، أما صيغة دعاء معين فهذا لم يرد، والدعاء الذي يقرأه بعض الناس في بعض البلاد، ويوزعونه مطبوعًا، دعاء لا أصل له، وهو خطأ، ولا يوافق المنقول ولا المعقول.

وعليه فكل عبادة مطلقة ثبتت في الشرع بدليل عام، فإن تقييدها بزمان، أو مكان أو نحوهما بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، فالواجب علينا الاتباع وعدم الابتداع؛ لقوله ﷺ: من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد .

التفصيل

وتابع: وجاء في الموسوعة الفقهية أن جمهور الفقهاء ذهبوا إلى ندب إحياء ليلة النصف من شعبان؛ لحديث: إذا كانَتْ ليلةُ النِّصْفِ من شَعْبانَ قُومُوا لَيْلَها وصُومُوا نَهارَها.... وهو حديث ضعّفه ابن رجب، والعراقي، والشوكاني وغيرهم. واستدلوا ـ أيضًا ـ بقوله ﷺ: إنَّ اللَّهَ لَيَطَّلعُ في ليلةِ النِّصفِ من شعبانَ فيغفرُ لجميعِ خلقِه إلّا لمشرِك أو مشاحنٍ . وهو حديث مروي عن معاذ بن جبل، وأبى موسى الأشعري وغيرهما. والمحققون على خلاف في صحته، فمنهم من قال: حديث لا يصح كابن الجوزي، وقال الذهبي: حديث ضعيف؛ لأن فيه ابن لهيعة. ومنهم من قال: رجاله ثقات كالهيثمي صاحب مجمع الزوائد، وقال الألباني: صحيح.. وفى بعض رواياته قال: حسن صحيح ... أو حسن.... وفى الروايات الأخرى قال: قوي بغير. وقال شعيب الأرنؤوط: إسناده قوي ورجاله ثقات.

وكان التابعون من أهل الشام كخالد بن معدان، ومكحول، ولقمان بن عامر، وغيرهم، يعظمون ليلة النصف من شعبان، ويجتهدون فيها في العبادة، ويلبسون فيها أحسن ثيابهم، ويتبخرون ويكتحلون، ويقومون في المسجد ليلتهم تلك، وعنهم أخذ الناس فضلها وتعظيمها، وقد قيل: إنه بلغهم في ذلك آثار إسرائيلية، فلما اشتهر ذلك عنهم في البلدان وافقهم على تعظيمها طائفة من عباد أهل البصرة وغيرهم، وذهبوا إلى أنه يستحب إحياؤها جماعة في المساجد، ووافقهم الإمام إسحاق بن راهويه على ذلك، وقال في قيامها في المساجد جماعة: ليس ببدعة.

وقال ابن رجب: وفي استحباب قيامها ما في ليلة العيد، ولا يعرف للإمام أحمد بن حنبل كلام في ليلة نصف شعبان، ويتخرّج في استحباب قيامها عنه روايتان من الروايتين عنه في قيام ليلتي العيد، فاستحبها في رواية؛ لفعل عبد الرحمن بن يزيد بن الأسود وهو من التابعين، فكذلك قيام ليلة النصف لم يثبت فيها شيء عن النبي ﷺ ولا عن أصحابه، وثبت فيها عن طائفة من التابعين من أعيان فقهاء أهل الشام.

وبيَّن الإمام الغزالي في كتابه الإحياء كيفية خاصة لإحياء ليلة النصف من شعبان، وقد أنكر الشافعية تلك الكيفية واعتبروها بدعة قبيحة، وقال الإمام الثوري: هذه الصلاة بدعة موضوعة قبيحة منكرة.

قال الإمام الشوكاني ـ معلقًا على ما ذكره الإمام الغزالي وغيره ـ : وقد اغتر بهذا الحديث جماعة من الفقهاء، كصاحب الإحياء وغيره، وكذا من المفسرين، وقد رُوِيَت صلاة هذه الليلة أعني ليلة النصف من شعبان على أنحاء مختلفة كلها باطلة موضوعة.

وجمهور العلماء على كراهة الاجتماع لإحياء ليلة النصف من شعبان في المساجد للصلاة والقصص والدعاء؛ لأن الاجتماع على إحياء هذه الليلة لم ينقل عن النبي ﷺ، ولا عن أحد من أصحابه، ولا يكره أن يصلي الرجل فيها لخاصة نفسه، نص على ذلك الحنفية والمالكية، وصرحوا بأن الاجتماع عليها بدعة، وعلى الأئمة المنع منه، وهو قول أكثر علماء الحجاز منهم: الإمام الأوزاعي، وعطاء بن أبي رباح، وابن أبي مليكة، ونقله عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن فقهاء أهل المدينة وهو قول أصحاب مالك وغيرهم، وقالوا: ذلك كله بدعة. والإمام أحمد بن حنبل في الراوية الثانية، تخريجًا أنه لم يستحب قيامها جماعة؛ لأنه لم ينقل عن النبي ﷺ وأصحابه.

قال ابن تيمية: وأما ليلة النصف من شعبان ففيها فضل، وكان في السلف من يصلي فيها، لكن الاجتماع فيها لإحيائها في المساجد بدعة وكذلك الصلاة الألفية.

شارك الخبر على