داسو ماعندهاش طيارات!

حوالي ٩ سنوات فى التحرير

لو كان محمد على باشا الكبير يعيش فى عصرنا ويمتلك آلة إعلامية تخصه، ورجالاً ينثرون كتائبهم الإلكترونية على مواقع التواصل الاجتماعى للدفاع عن سمعته، لما تأكد معاصروه أنه تخلص من المماليك مثلما نتحدث الآن قائلين بيقين تام أنه دبر لهم مذبحة القلعة! كان رجاله فى الإعلام سينكرون أن حراس القلعة اختبؤوا فى الصناديق وخرجوا منها ليقتلوا المماليك على غفلة، لأن القلعة أصلاً لا توجد بها صناديق!

وربما كان سيصل بهم دفاعهم عنه إلى أبعد من هذا ويقسم أحدهم بأن القلعة ليس بها حراس! حتى مراد بك الذى قفز بحصانه من فوق سور القلعة الغربى وهرب إلى الصعيد ليصير المملوك الوحيد الناجى الذى شاهد تلك المذبحة وشهد عليها، فمن المؤكد أن أحمد موسى كان سيسارع باتهامه بالكذب، وبأن المماليك لا يوجد بينهم من يحمل هذا الاسم. ناهيك بتأكيد مصطفى بكرى ودندراوى الهوارى لمتابعيهما أن الأخ مراد لم يكن مدعوًّا إلى حفل الوالى محمد على، بدليل عدم وجود اسمه فى سجلات القلعة لدى اللواء محمد إبراهيم وزير الداخلية، الذى لا يملك رجاله الخرطوش! فكيف يتبجح هكذا بوقاحة ويشهد بصفاقة على شىء لم يره من الأساس؟!

لماذا تحدث هذه الفلفصة دائمًا لدينا نحن فقط؟ لماذا مثلاً لم ينكر كلينتون رئيس أمريكا السابق قيامه باستغلال المتدربة بالبيت الأبيض مونيكا لوينسكى جنسيًّا؟ لماذا لم يتهمها رجاله فى الإعلام بالكذب؟ لماذا استسلم كلينتون للفضيحة دون فلفصة؟ لماذا وافق على تقديم عينة من دمه وهو يعلم أن إجراء تحليل الحامض النووى سيثبت أن السائل المنوى الجاف على فستان الآنسة لوينسكى يخص سيادته؟ لماذا لم يخرج من يقول إن الرئيس يجب أن يرفض إجراء ذلك التحليل لأنه يمثل إهانة لسيادته وبالتالى فهو يمثل إهانة لأمريكا ذاتها؟ لماذا لم تطعن الرئاسة لديهم على نتيجة المعمل الجنائى كما طعنت حكومتنا على حكم الدستورية الذى أبطل اتفاقية التنازل عن تيران وصنافير؟

إجابة كل تلك الأسئلة تكمن فى الشفافية والأمانة المؤسسية والوعى العام. فحتى لو كانت هناك مؤامرة دبرتها الصهيونية العالمية، و"لوبى" التأمين الصحى بقيادة شركة "ميديكير"، وجهات أخرى لأن وجود كلينتون يعطل مصالحها ويجب عليها أن تنتف ريشه وتكسر عينه ليخسر مصداقيته أمام الرأى العام، فلا شك أنه كسياسى مخضرم لم يقرر أن يقاتل بضراوة لينكر حدوث واقعة حقيقية كان طرفًا فاعلاً فيها، لأن خسارته بالتأكيد ستصبح أفدح.

عبقرى "اليوم السابع" الأخ دندراوى الهوارى قال إن العالم المحترم عصام حجى يعمل "مصوراتى" أحجار فضائية لدى وكالة ناسا! فقط لمجرد أن الرجل تطاول وتجاوز وأعلن عن ضرورة تشكيل فريق رئاسى لخوض انتخابات 2018، رغم أن الدستور يسمح له كمواطن بالعمل على تنفيذ مثل ذلك الاقتراح. العجيب أن تصدر هذه التصريحات من أشخاص كانوا يدافعون عن أحقية عبد العاطى الكفتجى فى الترشح للحصول على جائزة نوبل!

حتى ناجى عباس الصحفى بدويتش فيله الألمانية قام بحذف البوست الذى كتبه على صفحته على فيسبوك ليحرّض على سكب ماء النار فى فم ماهينور المصرى، وقام بعدها بحصر دخول صفحته على الأصدقاء، ولا شك أنه سيجد من يدافع عنه، أو من يقول إن ماهينور وأمثالها يستحقون أكثر من ذلك! رغم أن جهة عمله ذاتها تبرأت منه وأبلغت الخارجية الألمانية بعزمها على فسخ تعاقدها معه، لترفع الحرج عن نفسها وتلفظ محرضًا على الكراهية يكمن بين صفوفها!

أباطرة المجتمعات القديمة كانوا يفشلون فى كذبهم لأنهم لا يملكون آلة إعلامية جبارة كالتى نمتلكها الآن. أما جبابرة المجتمعات الديمقراطية المعاصرة فهم غالبًا ما يعجزون عن استخدام تلك الآلة الجهنمية للطرمخة على جرائمهم لأن الشفافية والآليات الديمقراطية فى مجتمعاتهم لا تسمح لهم بذلك. عقبالنا يا رب.

بعد أن أثير موضوع سفه الإنفاق على شراء طائرات فاخرة للرئاسة بالمليارات، فى الوقت الذى يطالبنا فيه الرئيس، بالتقشف صدر بيان من الرئاسة بعدم قيامها بالتعاقد لشراء طائرات جديدة. بعدها نشرت جهة مجهولة تصريحًا مفبركًا لشركة داسو الفرنسية تؤكد فيه أنها لم تبع طائرات من طراز فالكون لمصر، بينما لا يوجد ذلك التصريح مطلقًا على الموقع الرسمى للشركة ذاتها!

نحمد الله أن عباقرة تلك الجهة لم تتفتق أذهانهم عن إنكار وجود شركة اسمها داسو من الأصل! أو التصريح بأن شركة داسو الفرنسية ليست لديها طائرات!

البيان الصادر من الرئاسة ينقصه الوضوح والجزم، والمطلوب منها بصفتها أعلى سلطة تنفيذية فى البلاد أن تصدر بيانًا يؤكد أن مصر لم تقم بشراء تلك الطائرات عن طريق أية جهة لاستخدامها فى أسطولها الرئاسى ولو بالإعارة من مصر للطيران أو غيرها.. أو أن تعترف بشرائها وتتقبل بسعة صدر أن يستجوبها الرأى العام.

نحن أسطوات فى اللعب بالبيضة والحجر، وقلب الحق إلى باطل، والباطل إلى حق. لهذا فلن تنصفنا الحياة وستظل تتلاعب بنا. ألم يقل الإمام الشافعى "نعيب زماننا والعيب فينا/ وما لزماننا عيب سوانا"؟

عذرًا فربما لم يقل هذا! وربما يخرج علينا عالم جهبذ يؤكد لنا أنه بيت مدسوس على الرجل الذى لم يكتب شعرًا، وما كان ينبغى له. 

شارك الخبر على