صلاح منصور.. حكاية صحفي قتله السرطان واستنجد بـ «السادات»
أكثر من ٨ سنوات فى التحرير
أدوار الشر ظلّت حتى منتصف القرن الماضي لعنة تطارد أصحابها، فلم يكن يدرك الجمهور أن الأمر مجرد تمثيل، لكن شدة توحده مع الشخصية الشريرة جعلته يتعامى عن تلك الحقيقة، لذا يقول النقّاد الفنيون، إن أصعب الأدوار التمثيلية تلك التي يطغى عليها الشرّ في الحوار والأداء الجسدي والملامح العصبية، فهي تكشف بحق عن موهبة الممثل المحترف، الذي يرى في كره الجمهور له -آنذاك- مؤشر نجاح، وهكذا كان الفنان الراحل صلاح منصور، الذي تعدى عليه الجمهور بالضرب من شدة احترافيته في تجسيد دور الطاغية الوحشي الإمام بن يحيى، في فيلم "ثورة اليمن"، عام 1966.
في التقرير التالي يرصد لكم "التحرير لايف" لقطات من حياة الفنان الراحل صلاح منصور، والملقب بـ "عمدة السينما المصرية".
من الصحافة للتمثيل
ولد صلاح منصور شعلان في يوم 17 مارس من عام 1923 بشبين القناطر، وبدأ ارتباطه بالفن على المسرح المدرسي عام 1938، وكان أول أدواره عليه هو دور "هاملت"، إلا أن حياته المهنية بدأت عام 1940 كصحفي بمجلة "روزاليوسف"، ولم يكن عمره قد تجاوز السبعة عشر عامًا، ولشدة هوسه بالفن التحق بالقسم الفني في المجلة، وأتاح له ذلك لقاء عدد كبير من الفنانين، وتمكن من إجراء أول حوار صحفي مع المطربة السورية "أسمهان".
لم يكمل عمله بالصحافة لفترة طويلة، حيث علم بافتتاح معهد الفنون المسرحية، وقرر أن يلتحق به للدراسة ضمن طلاب الدفعة الأولى، التي كانت تضم فريد شوقي، وشكري سرحان وحمدي عيث، إلى أن تخرج فيه عام 1947، ليؤسس مع الفنان زكي طليمات فرقة المسرح الحر عام 1954، ويقدم معه عددًا من العروض المسرحية مثل: "ملك الشحاتين، وبرعي بعد التحسينات، وزقاق المدق، والناس اللي تحت"، كما أخرج العديد من المسرحيات منها: "عبدالسلام أفندي، وبين قلبين"، بجانب إخراجه لعدد من البرامج الإذاعية.
أمّا عن علاقته بالسينما، فبدأت حينما عمل كـ "كومبارس" في فيلم "غرام وانتقام"، مع يوسف وهبي وأسمهان، وظل يتنقل ككومبارس من عمل، وربما تتذكره في "اسكتش" العقلاء لإسماعيل ياسين في فيلم "المليونير"، ثم قدم عددًا من الأدوار الصغيرة، مثل دوره في فيلم "شاطئ الغرام" مع حسين صدقي وليلى مراد عام 1950، وفيلم "معلش يا زهر" مع زكي رستم وميمي شكيب وشادية في العام نفسه.
ازدهر "منصور" سينمائيًا في فترة الستينيات، حيث قدم خلالها عددًا كبيرًا من الأفلام، جسّد فيهم أدوارًا معقدة بالغه الأهمية، ليترك العديد من البصمات القوية التي يمكن أن تشاهدها له في فيلم "لن أعترف"، وفيلم "الشيطان الصغير"، وفيلم "أرمله وثلاث بنات"، وفيلم "الزوجة الثانية"، في دور العمدة الشرير، وفيلم "حبيب الروح"، وفيلم "العصفور"، وفيلم "هارب من الأيام".
جوائز وتكريمات
حصل على عدد من الجوائز، منها جائزة أحسن ممثل مصري إذاعي عام 1954 في مسابقة أجرتها إذاعة "صوت العرب"، كما حصل عام 1963 على جائزة السينما عن دورة في فيلم "لن أعترف "، وفي عام 1964 حصل على وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى، كما نال جائزة الدولة التقديرية من أكاديمية الفنون في أكتوبر 1978 في الاحتفال بالعيد الفني.
وقال عنه الممثل البريطاني الشهير "تشارلز لوتون"، عندما عرض فيلم "مع الذكريات" في لندن عام 1962، بعدما صافحه: "لو أن هذا الممثل الموهوب موجود عالميًا لكنت أسلمت له الشعلة من بعدي".
استنجاده بالسادات
مأساة الدراما لم تنفصل عن حياته الخاصة، حيث مرّ منصور بأكثر المواقف درامية حينما مرض ابنه الأصغر هشام، واضطر للسفر معه إلى الخارج لتلقي العلاج على نفقة الدولة، حيث أجرى جراحة عاجلة بلندن، تكلفت مبالغ طائلة.
مكث بجوار ابنه فترة طويلة لإجراء بعض الفحوصات اللازمة قبل الجراحة، فاحتاج منصور إلى تجديد طلب العلاج على نفقة الدولة، ومدّ فترة بقائه لثلاثة أشهر أخرى، وفقًا لما نشرته "روزاليوسف".
وفي تلك الأثناء تصادف زيارة الرئيس الراحل أنور السادات للعاصمة البريطانية، والتقى هناك الجالية المصرية في السفارة، فطلب منه "منصور" مدّ فترة علاج ابنه ووافق السادات "شفاهة"، إلا أن الممثل اعترض بطريقته الجذابة المرحة، وطلب من الرئيس أن يوقّع على الورقة التي قدمها له قائلًا: "عندما يبرح الرئيس المكان ويتحرك الموكب الرسمي.. لا أحد يعرف أحدًا"، فابتسم السادات وأدرك ما يرمي إليه ووقع على الطلب، إلا أن ابنه توفي بعد إجراء الجراحة مباشرة في 19 يناير عام 1979.
رحيله قهرًا على ابنه
وفي نهاية السبعينيات وأثناء استعداد "منصور" لتقديم مسرحية بعناون "بكالوريوس في حكم الشعوب" أمام النجم الشاب حينئذ نور الشريف، اعتذر صلاح منصور للمرة الأولى عن العمل بعد تعاقده عليه بسبب مرض السرطان الذي اشتد عليه، ورشح بدلًا منه يحيى الفخراني، فظل يعاني من سرطان في الرئة وتليف في الكبد، ويقاوم آلام المرض أكثر من ثلاثة أعوام، دون أن يصارح أحد بحقيقة مرضه، وقيل أن القهر على رحيل ابنه كان من الأسباب التي عجلت بوفاته.
ودخل "منصور" مستشفى "العجوزة"، وظل ماكثًا به لفترة، وقبل وفاته بساعات، طلب منه شقيقه "جمال" أن يعيد له دو "هاملت" الذي جسده في أول حياته على خشبة المسرح، وفي صباح يوم الجمعة 19 يناير 1979 توفي صلاح منصور قبل أن يكمل عامه الـ 56.