التعليم الفني.. مدارس بلا إنتاج

حوالي ٧ سنوات فى أخبار اليوم

علي الرغم من المشكلات العديدة التي يعانيها التعليم الفني في مصر، إلا أن العقبة الأكبر التي تقف عائقاً أمام أي محاولة للارتقاء به باعتباره قاطرة تقدم الدول في كافة المجالات تتمثل في عدم وجود مدارس منتجة، ما يحولها لمدينة أشباح بعد أن هجرها الطلاب والمعلمون أيضاً، فوجود تدريب داخل المدرسة يعد السبيل الأوحد لجذب الطلاب إليها، كما أن وجود مقابل مادي للإنتاج يعد محفزاً للطالب والمعلم للارتقاء بالمستوي العلمي والإنتاجي لأي مدرسة.

«آخرساعة»‬ حاولت إلقاء الضوء علي المشكلات المعوقة لوجود المدارس المنتجة، رغم وجود العديد من الاستراتيجيات والخطط التي تهدف في النهاية إلي ربط الطلاب بسوق العمل كما هو الحال بالنسبة لمشروع المدرسة داخل المصنع، أو مشروع رأس المال، بالإضافة لملايين الجنيهات التي تضخ من قبل مؤسسات دولية لإحلال وتجديد الآلات والمعدات والارتقاء بالعملية التعليمية الفنية.
البداية كانت من خلال فاطمة تبارك الخبيرة التربوية في مجال التعليم الفني، التي أكدت أن مشكلات الإنتاج لها أبعاد مادية وعلمية وقانونية كبيرة، إذ إن الميزانيات الموجهة لصيانة الآلات والمعدات وتحديثها لا يمكن من خلالها مواكبة الأسواق المتطورة التي تعمل وفق نظم حديثة، كما أن المبالغ التي توفرها الوزارة لتصنيع الخامات - بعيداً عن مشروع رأس المال الذي تشارك فيه وزارات عديدة - لا تكفي لإخراج منتج يمكن أن ينافس في الأسواق.
أما فيما يتعلق بالمشكلات العلمية فتري تبارك أن المناهج التي تُدرَّس في أغلب الأقسام العملية أصبحت لا تواكب سوق العمل فكثير منها لم يتم تعديله منذ عشرات السنين، كما أن التوجه العام لوزارة التربية والتعليم  خلال السنوات الأخيرة يركز علي المحتوي النظري بعيداً عن الجانب العلمي الذي يعد نواة التعليم الفني، فمثلا قسم الميكانيكا كان ينقسم لثلاث تخصصات تم قصره علي تخصص واحد وبالتالي تم تخفيض عدد الحصص العملية في القسم من 36 إلي 14 حصة أسبوعياً، كما أن نسبة حصص العملي في مدارس التعليم الفني كانت تصل ليومين ونصف من إجمالي 5 أيام تمثل إجمالي أيام الدراسة الأسبوعية، وتقلصت الآن إلي يوم ونصف فقط.
ما تعرض له المحتوي العملي كان له أثره المباشر علي ارتباط الطلاب بالمدرسة فعزفوا عن الذهاب إليها، فمن يأتي إلي التعليم الفني يضع في اعتباره أنه دخل بالفعل إلي سوق العمل وبالتالي فإنه مطالب بتعلم حرفة ما أو اللجوء للعمل الخارجي قبل أن ينهي دراسته، كما أن ذلك أدي إلي قتل الرغبة في الاستذكار بالنسبة للطلاب الذين ينفرون من المواد النظرية، وهو أمر يرتبط باختيارهم للمدارس الفنية إما لضعف إمكانياتهم العلمية أو هرباً من الثانوية العامة التي تعتمد بشكل أكبر علي الجانب النظري.
وتضيف تبارك التي تعمل رئيساً لقسم التطوير والجودة بإدارة حدائق القبة التعليمية التابعة لمحافظة القاهرة: المشكلة القانونية التي تقتل إنتاجية المدارس تتعلق بالقوانين المنظمة لعمل مشروع رأس المال، فوفقاً لقانون وزارة المالية المنظم للأمر يتم إيداع المبالغ التي تقدمها الجهة صاحبة الخدمة داخل الحساب الموحد بين كلاً من وزارتي التربية والتعليم والمالية علي أن يتم السحب من المبلغ بحد أقصي ستة آلاف جنيه وهو ما يتسبب في زيادة سعر الخامات التي يتم شراؤها علي فترات متباعدة وفقاً للقانون، ما يؤدي لزيادة أسعار المنتج وبالتالي قلة الطلب عليه.
ويوفر مشروع رأس المال الربط بين السوق والمدرسة من خلال اتفاقيات توقعها جهات استثمارية خاصة وحكومية للحصول علي منتجات من تصنيع الطلاب والمعلمين داخل مدارس التعليم الفني علي أن يكون ذلك بمقابل مادي علي حسب ما يتم تصنيعه.
تتابع: «‬أيضاً لا تستفيد المدرسة من مكافآت المشروع، إذ إنه يتم توزيعها علي الطلاب والمعلمين والإدارات التعليمية والمديريات والوزارة، دون تخصيص جزء لتطوير المدرسة أو تحديث آلاتها ومعداتها، ما يؤدي إلي أن مدرسة متخصصة في عمل المقاعد المدرسية تعاني من عدم صيانة مقاعدها التي يجلس عليها الطلاب في الفصول، كما أن وزارة التربية والتعليم لا تسوق جيداً للمنتجات التي ينتجها طلاب المدارس، فلم يتم تنظيم أي معارض علي مستوي الجمهورية حتي الآن لعرض ما يتم إنتاجه، وهو ما نطالب به الوزير الجديد الدكتور طارق شوقي».
ما طالبت به فاطمة تبارك نادي به أيضاً صالح نجدي رئيس وحدة تيسير الانتقال لسوق العمل التابعة لوزارة التربية والتعليم بمحافظة البحيرة، مشيراً إلي أن مشكلة التعليم الفني الأساسية هي وجود فجوة بين مخرجات المدارس الفنية وسوق العمل سواء كان ذلك بالنسبة للمنتجات أو بالنسبة للأيدي العاملة المدربة، وهو ما يكشف عن أزمة يعانيها أصحاب المصانع من عدم وجود عمال في وقت يشكو فيه خريجو التعليم الفني من تزايد معدلات البطالة بينهم.
وأضاف إن مشكلة الإنتاج بمدارس التعليم الفني ترتبط أيضاً بنوعية التخصصات الموجودة وعدم وجود تخصصات تراعي بيئة كل محافظة علي حدة، إذ إن المحافظات الساحلية لابد أن يكون لديها قسم للاستزراع السمكي، وكذلك فإن سيناء تحتاج إلي مدارس للبصريات حتي يكون هناك استغلال للرمال الموجودة هناك والتي يتم من خلالها تصنيع العدسات بدلاً من تصديرها للخارج دون الاستفادة منها.
وفي الوقت الذي أشاد فيه نجدي بتجربة التعليم الفني المزدوج والذي يتيح للطالب التواجد يومين بالمدرسة وأربعة أيام بالمصنع، إلا أنه انتقد إدارة وزارة التربية والتعليم لها، وذلك بعد صدور قرارين وزاريين من وزيرين مختلفين هما محمود أبو النصر والهلالي الشربيني بشأن تشكيل لجنة للإشراف عليهم إلا أنه لم يتم تنفيذ الأمر حتي الآن، كما أن منح التطوير الخارجية لا تحصل وزارة التربية سوي علي ثلثها فقط ليتم توزيعها علي عدد من الوزارات المرتبطة بالتعليم الفني وهو ما يصنع أزمة جديدة تتعلق بتطوير معدات ونظم التعليم.
ما يتعرض له التعليم الفني من مشكلات تم صياغته علي هيئة مطالب محددة من قبل المهتمين بشأن التعليم الفني وتم إرسالها إلي البرلمان مطلع الشهر الماضي، »‬آخرساعة» من جانبها حصلت علي تلك المطالب والتي تلخصت في ضرورة الجهات المشاركة للتعليم الفني من جميع الوزارات تحت مظلة واحدة وذلك لوقف تضارب المسئوليات بين الجهات المختلفة.
وكذلك ضرورة الربط بين وزارتي التخطيط والقوي العاملة والاستفادة من قاعدة البيانات الخاصة بهم لوجود علاقة بينهم وبين التعليم الفني لدراسة احتياجات سوق العمل من خريجي التعليم الفني والتدريب المهني وتوفير فرص العمل للخريجين، بالإضافة للمطالبة بالإسراع في إدخال تعديلات قانونية علي مشروع رأس المال، وهي المطالب التي من المقرر أن يناقشها البرلمان خلال أيام.
في المقابل فإن الدكتور أحمد الجيوشي، نائب وزير التربية والتعليم للتعليم الفني، قال في تصريحات لـ»آخرساعة»، إن وزارة التربية والتعليم تلقت خطاباً من مجلس الوزراء لعقد اجتماع يضم وزارات التربية والتعليم والتعليم العالي والمالية لتعديل قانون مشروع رأس المال بحيث يذلل العقبات التي تواجه مشكلات الإنتاج داخل المدارس، وأن هناك خطة للتوسع في التعليم المزدوج بحيث يكون هناك مليون طالب داخل تلك المدارس خلال العشر سنوات المقبلة، إذ إن عدد الطلاب الملتحقين بتلك المدارس بلغ العام الحالي 35 ألف طالب، بزيادة قدرها ستة آلاف طالب عن العام الماضي.
ودافع الجيوشي عن مدارس التعليم الفني: »‬هناك 380 مدرسة منتجة داخل قطاع التعليم الصناعي من إجمالي 600 مدرسة علي مستوي الجمهورية، فيما يوجد 139 مدرسة زراعية منتجة من إجمالي 161 مدرسة علي مستوي الجمهورية، بالإضافة إلي 12 مدرسة فندقية منتجة علي مستوي الجمهورية من إجمالي 50 مدرسة، في وقت لا توجد فيه أي مدرسة تجارية منتجة علي مستوي الجمهورية».
وأضاف أن مشروع رأس المال بلغت إراداته إلي مدارس التعليم الفني العام الحالي إلي 210 ملايين جنيه في حين أن الإيرادات بلغت العام الماضي 160 مليون جنيه، وكذلك فإن هناك خطة للتوسع في مشروع المدرسة داخل المصنع لتصل إلي 200 مدرسة في نهاية عام 2018 بدلاً من 40 مدرسة في الوقت الحالي، علي أن يصل إجمالي عدد المدارس إلي 500 بحلول عام 2012.
وأكد الجيوشي علي مواكبة الوزارة للصناعات الحديثة وذلك بعد أن قامت بافتتاح مدرسة اللوجستيات بمحافظة بورسعيد، بالإضافة إلي مدرسة السكرتارية الطبية، والمدرسة النووية بالضبعة، بجانب مدرسة أخري للبتروكيماويات والجرانيت بمحافظة أسوان، مشدداً علي أن الوزارة تبحث تحديد يوماً للتعليم الفني كل عام علي أن يتم الاحتفال به دورياً بمشاركة رئيس الجمهورية وذلك لعرض منتجات المدارس وتشجيع النماذج الناجحة.

 

شارك الخبر على