يوميات الأخبار علاء عبد الهادى يكتب أحلام فى حاجة إلى حالمين

أكثر من ٧ سنوات فى أخبار اليوم

إذا لم يكن لدينا رؤية، وكثير من الأحلام التى تدرك الإمكانيات الحقيقية لهذا البلد سنبقى نتخبط داخل الجدران الأربعة التى ضاقت بنا، وضاقت علينا وأصبحنا ننتقل من احباط إلى آخر، ومبررات العجز والفشل أصبحت مثل «الكليشيهات» الثابتة لا تخرج عن ضعف الإمكانيات، وصعوبة الوضع وقلة الموارد....إلخ من المفردات التى تدور كلها فى منهج واحد، وتعكس غياب الرؤية.
هذا الغياب للرؤية يبدأ أصلا بآلية وأسلوب من يتم اختياره، من أين يتم اختياره، وعلى أى أساس، ولماذا جاء وما هى رؤيته للحل.. قد يرد علىّ أحدهم منفعلا بأن كل ما نطالب به يحدث بالفعل.
رئيس الوزراء يأتى بالوزير المرشح، ويسأله عن رؤيته، ويتناقش معه فيها، ويأتى بعد ذلك لتنفيذها.. ماذا تريد بعد ذلك؟
الحديث فى هذا الملف فيه كثير من الآلام والأحزان، وأيضا الاحباط، ولكن سوف اتحدث فقط فى جزئية بسيطة تتعلق بأهم ما تمتلكه مصر -من وجهة نظرى- وهو تراثها وثقافتها.. وإلا فليقل لى أحد لماذا مصر لها مكانتها الفريدة والمتميزة على مستوى العالم؟.. لا يجب أن ينزلق أحدهم ويرد علىّ بأن مصر بحاضرها احتلت هذه المساحة من الاهتمام والأهمية على الساحة الدولية.. هذا الأمر لا يعنى بالضرورة الانكفاء على الماضى، والتمسح به، وترديد الكلام النمطى بأننا شعب صنع الحضارة، وأهدى للإنسانية أقدم حضارة عرفها التاريخ وأن وأن.
ولكن..
ولكن هل يعقل أن تبقى دولة الأهرامات وأبوالهول تتسول السياح، أو «فضلة» الدول الأخرى، أو السياح الذين يأتون إلينا ضمن برامج لدول مجاورة؟
هل مقبول أن دولة تمتلك أروع أثر عرفته الإنسانية وهو كنز الفرعون الذهبى توت عنخ آمون وتبقى لدينا مشكلة أساسية تتعلق بالسياحة؟
هل ضمير أى مسئول مصرى يمكن أن يكون مرتاحا ولدينا أثر مثل سور مجرى العيون وقد تحول إلى مبولة ومربط للماشية، وما نجا أكلته كيماويات المدابغ المجاورة أو توارى خلف مقالب القمامة؟
هل هناك دولة فى الدنيا لديها أقدم شارع فى العالم بنفس تخطيطه منذ إنشائه قبل أكثر من ألف عام وفيه أكثر من 31 أثرا من أروع الآثار الإسلامية على وجه الأرض وأكثرها تفردا وروعة وجلالا وبهاء؟
هل يوجد على وجه الأرض دولة تتفرد بظواهر تعامد الشمس على وجوه ملوكها الفراعنة فى معابدهم مرتين فى العام فى ظاهرة فلكية فريدة غير موجودة فى أى دولة إلا فى مصر، ورغم ذلك يكون نصيبها عدة آلاف يتابعون الظاهرة أغلبهم صحفيون مصريون، ومسئولون ورجال أمن؟
كم دولة فى العالم لديها مثل الأهرامات التى تكفينا وحدها لو أردنا ولو استطعنا ولو كانت لدينا رؤية أن تطعمنا البقلاوة.
قبل أكثر من عشرين عاما عملت محررا متخصصا فى الشأن الثقافى والتراثى والأثرى مر علىّ وشاهدت وتابعت وكتبت عن أكثر من 3 أو 4 مشروعات لتطوير هضبة الهرم بما يليق باسم وسمعة مصرا، وهذا الأثر الفريد الذى لا مثيل له فى كل الدنيا.. وتبقى المحصلة صفر.. آخر مرة دخل على الخط م.إبراهيم محلب باعتباره مستشار الرئيس للمشروعات القومية ولكن كان قبله هناك عدة مشروعات لفاروق حسنى لم تكتمل.. فشلت وهزمت بالضربة القاضية هزمها السكان وهزمها العشرات من أصحاب الجمال والحمير والخيول نجح الراجل أبوجلابية فى هزيمة ارادة مصر كلها.. هزمها الجمال الذى يأبى ان ينصاع لأى نظام، هزمها سواق التاكسى الذى يبتز السائح.. هزمها ضابط المطار المتجهم وهو يختم التأشيرة.
كل يوم نهزم أنفسنا.. مرة بالمسئولين العجزة الذين يمارسون التطوير على الورق، ومرات باستمراء الفشل، والعجز وقبول القبح ومعايشته.
نريد رؤى.. نريد من يسوق لمصر بجد، برؤى جديدة وآليات عصرية.. الصين تصدر سياحا يتجاوز عددهم تعداد مصر، ولا يأتينا إلا النزر اليسير.
لا تضحكوا على أنفسكم وتقولوا أن الإرهاب هو السبب.. شوفوا تركيا اللى شبعت تفجيرات وشوفوا فرنسا التى تعايشت مع الإرهاب.
ساعات أسأل نفسى: ماذا يفعل وزير الآثار وما هو دوره الحقيقى وهل دوره بعيد عن دور وزير السياحة؟ واستمر فى الأسئلة وأقول هل يمكن أن يمر يوم دون أن يتحدثا؟
> ماذا يفعل وزير الآثار وكل دوره رعاية الموظفين الذين يعملون تحت امرته؟.. ما هى رؤيته للاستفادة من الكنوز التى تحت يده.
أريد أن اسمع اجابة..
لأن الإجابة على الأرض أصدق.
مبادرة للأخلاق
استوقفتنى الدعوة الكريمة الموجهة لشخصى من مشيخة الأزهر لحضور الاجتماع التشاورى حول مبادرة تعزيز القيم والأخلاق بمشاركة عدد من الوزراء ونخبة من المثقفين والإعلاميين.. وسعيت إلى تلبية الدعوة أولا لتقديرى وإجلالى للمؤسستين اللتين احتضنتا الدعوة وثانيا لأن قناعتى الشخصية أن الانهيار الأخلاقى الذى نحياه الآن أصبح عرضا لأمراض استشرت فى مجتمعنا فى العقود الثلاثة الأخيرة.. فلا يمكن أن أتحدث عن الأخلاق والشهامة، والرجولة فى مجتمع عشوائى يفتقد سكانه إلى الحد الأدنى من أسباب الحياة الكريمة، فهذا المجتمع تعلو فيه بالضرورة قيم أخرى تقوم على مبدأ القوة والعنف والسلب والنهب وليس الإيثار.. شريعته أقرب إلى شريعة الغاب.. وتكون فيها الأخلاق صنوان الضعف لأنه كرم فى غير محله ولا أوانه ولا زمانه.
معنى ذلك أننا لا يمكن أن نتحدث من برج عاجى عن ضرورة عودة القيم والأخلاق إلى عصرها الذهبى الذى كان فيه المصرى مرادفاً للشجاعة والمروءة والشهامة والنبل وإيثار الغير حتى لو كان فقيراً.
قد يقول قائل إن الفقير زمان كان.. وكان ولكن فقير اليوم ليس كفقير الأمس، مثلما تغيرنا نحن جميعا ولم تعد الطبقة المتوسطة كما كانت.. كل شيء فينا تغير ولكن للأسف للأسوأ قبل بدء أعمال الاجتماع استقبل الشيخ الطيب وصديقه البابا تواضروس ضيوفهما فاروق جويدة ومكرم محمد أحمد ومدحت العدل ومحمد صبحى والهلالى الشربينى فى آخر ظهور له قبيل ترك الوزارة بساعات وعدداً من الزملاء رؤساء التحرير.
الشيخ الطيب يمازح مايا مرسى رئيس المجلس القومى للمرأة عن مدى قوة المرأة الصعيدية ويدخل البابا فى الحديث، وهى تطالب بمزيد من الدعم للمؤسستين الدينيتين لدور المرأة المصرية.
الشيخ الطيب يؤكد فى افتتاحه للاجتماع أن الشعب المصرى أصيل.. فولاذى التكوين بدليل أنه قام بثورتين وأنقذ نفسه من براثن مخطط جهنمى.. والأهم أنه صمد فى وجه البركان بسبب القيم المستقرة فى تراثه.
ولكن...
يقول الشيخ الطيب بنبرة حزينة: ولكن تآكلت قيم الشعب بصورة مقلقة بسبب تغيرات اجتماعية أثرت فى منظومة القيم.. وتاهت قيم كثيرة كانت حاكمة للشخصية المصرية.
الأهم ـ من وجهة نظر الطيب ـ أنه لا سبل لعلاج أى من مشكلاتنا إلا بعودة الوعى بالقيم الأصيلة ومنها القيم الإنسانية المشتركة.. لأنها هى التى تستطيع دعم الشباب فى مواجهة أعاصير عاتية تهب من كل اتجاه.
الشيخ الطيب ـ بطبعه وتكوينه متفائل بأن الإنسان المصرى جاهز ومستعد ومؤهل للتجلى بموروثه الأخلاقى إذا وجد من يبعثه من مرقده.
فكرة المبادرة بدأت بحلم مشترك للشيخ الطيب والبابا وهما يتحدثان فى هموم الوطن التى لم تفرق بين مسلم ومسيحى.
مضمون كلام البابا لم يخرج عن كلام الشيخ الطيب.. لو بدلا ثيابهما ستجدهما يتحدثان نفس اللغة وبنفس المفردات تقريبا، وزاد عليها البابا بالوقوف أمام المحطات التى أصبحت مسئولة عن تربية النشء، وكيف أنها انقلبت رأسا على عقب.. كانت المحطات الخمس هى الأسرة والمدرسة أو الجامعة والمسجد أو الكنيسة والأصدقاء ثم الإعلام.. الآن أصبح الإعلام بحلوه ومره هو الذى يربى ثم الأصدقاء ثم المؤسسة الدينية لتأتى الأسرة فى ذيل القائمة.
البداية عند البابا يجب أن تبدأ من الأسرة.. ثم من المدرسة أو الجامعة وزاد بقوله إن ثروة مصر الحقيقية ليست فى باطن الأرض، ولكن فى عقول الأبناء وفى فصول تلقى العلم فى المدرسة أو الجامعة.. والطفل هو أغلى مادة خام.. ولابد من عودة احترام الرموز.
البابا حزين ـ وله حق ـ من كل الأعمال الفنية التى تتناول الرموز ـ الأب والأم أو المدرس والمدرسة ـ بشىء من السخرية.
الشاعر فاروق جويدة رأيه واضح ويرى أنه لا يمكن الحديث عن قيم الأخلاق ونحن فى مجتمع يعانى الجهل والفقر والزحام.. لدينا أمية بأرقام مخزية.. ولدينا ثقافة جديدة اسمها ثقافة «التكدس» وثقافة العشوائيات.. الزحام له حواراته وأسلوب تفكيره.. نحن الآن نجنى ثماراً مرة ولدينا ٤٠ مليوناً لا يقرأون ولا يكتبون.
حكاية الوزيرة
الوزيرة النشيطة نبيلة مكرم وزيرة الهجرة، كانت ضمن المدعوين، ترى أنه لابد من سرعة التحرك لإنقاذ أنفسنا من منظومة القيم المتدهورة وأسلوب الحديث المنحدر، وعدم احترام الرموز.. وتساءلت راح فين كتاب التربية الوطنية؟ الذى كان يربى ويزرع فينا الانتماء لتراب هذا الوطن.
حكت الوزيرة تجربة شخصية تعرضت لها عندما كانت فى الخارجية قبل أن تأتى إلى الوزارة.. وأنها بحكم عملها دعت القناصل العرب للإفطار الرمضانى فى بيتها.. وأنها أحضرت فانوس رمضان، وسألت على اتجاه القبلة وأحضرت مصليات لأن الضيوف بالتأكيد سيصلون بعد تناول طعام الإفطار.
تقول الوزيرة إن الشغالة ـ وكانت مسيحية مثلها استغربت، ولكنى أعطيتها درساً بأن هى دى أخلاق المصرى الحقيقية مسلماً كان أم مسيحياً.
القطة اللصة
أحد الحضور قال مثالاً أعجبنى يدلل له على ما حدث للمصريين بسبب ثقافة الزحام، وتغير بوصلة الأخلاق للأسوأ، قال إن القطة عندما تضع لها الطعام تأكله وهى أمامك مستكينة وقد تتمسح فى ملابسك، ولكنها إذا سرقت طعاماً فإنها تهرب به بعيداً وتختبئ لتأكله لأنها تعلم أنها تصنع شيئا خطأ.
عندما يتحدث شيخنا وعميد الصحفيين الكاتب الصحفى مكرم محمد أحمد تجد الكل يستمع بإنصات، ومهما اختلفت فأنت تحترم كل ما يقول.
قال استاذنا: لا يمكن أن نتحدث مع الفقر والجوع عن الأخلاق.. لذلك لابد من دور للدولة.. ولابد أن ننسف كل ما له علاقة بالتعليم فى المرحلة الابتدائية ونبنى أجيالا جديدة على أسس حقيقية.
ولم يكن ليفوت الفرصة للحديث عن دور الإعلام فى الأزمة.. فنحن أمام واحد مدعى عفاريت وواحد زعيم وهؤلاء هم الذين يوجهون الأمة ـ نحن فى أزمة ولابد من ميثاق شرف يحترم الحرية «التى ليست سبهللة» كما يعتقد البعض.
رؤية فنان محترم
محمد صبحى دائما حاضر عندما يكون هناك حديث عن الفن والأخلاق ـ من غيره يمكن ان يتصدى للحديث وتجاربه التى أخذها على عاتقه شاهد على دوره ورسالته.. وهناك ٣٣٠ حلقة لمسلسل ونيس شاهدة على ذلك.
محمد صبحى كان صادما.. وقال بالورقة والقلم إن الأسرة المكونة من ٤ أفراد تحتاج الآن حوالى٤٥٠٠ جنيه لكى تعيش فقيرة.. ولازم رب الأسرة يسرق علشان لا يبقى فقيراً.
يتساءل صبحى: هل الدولة مؤمنة بجد بالقيم والأخلاق والتعليم؟
هل الدولة تصرف على البشر أم على الحجر؟
كيف يمكن ان نتحدث عن الأخلاق ونحن نرى فضائيات جديدة ظهرت تنفق الملايين وتقدم محتوى أكثر انحلالا وأكثر تفاهة؟
كيف يتدنى الحوار فى برنامج كامل أشغل به الرأى العام وأتحدث عن زواج كلب فنان من كلبة فنان؟!
صرخة وزير
قال وزير التعليم الأسبق الهلالى الشربينى كلمته قبل أن يرحل، وكأنه يقدم شهادته.
قال إنه لا يمكن الكلام عن تطوير دور المدرسة وقيامها برسالتها كما كانت فى التربية والتعليم، وهناك مدارس تتجاوز فيها الكثافة ١٣٠ تلميذا وتلميذة فى الفصل الواحد.. ومصر الآن فى حاجة إلى إنشاء ١٥٥ ألف فصل سنويا لكى نقضى على الكثافات الموجودة، ونظام الفترتين الدراسيتين لإتاحة عودة الأنشطة المدرسية التى تربى الوجدان، إضافة إلى الأعداد التى تدخل سنويا مع زيادة السكان.
مايا مرسى طالبت برسالة موحدة موقعة من شيخ الأزهر ومن البابا توجه للمصرى مسلماً أو مسيحيا.
انتهى الاجتماع على وعد بلقاء تنسيقى آخر يعد له مستشار شيخ الأزهر الشاب المثقف محمد عبدالسلام.
انصرفت وأنا أردد فى خاطرى بيت شعر لأمير الشعراء أحمد شوقى يلخص ما نحن فيه:
إنما الأمم الأخلاق ما بقيت.. فإن همو ذهبت أخلاقهم ذهبوا
اللهم لا تجعلنا ممن كتب عليهم ألا يكون بدون أخلاق.

شارك الخبر على