التوتر التركي الهولندي وصاية أوروبية لمحاولة عرقلة التحول الديمقراطي في تركيا

أكثر من ٧ سنوات فى قنا

الدوحة في 12 مارس /قنا/ تسارع التوتر في العلاقات بين تركيا وهولندا العضوين في حلف شمال الأطلسي " الناتو" ما تسبب بأزمة دبلوماسية حادة على إثر منع هولندا وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو من الدخول الى أراضيها بغرض حث الناخبين الأتراك للتصويت على التعديلات الدستورية في تركيا .
هذا التوتر المرشح للتصاعد إذا لم يطوق كما يجب وإذا ما أيدت دول أوروبية أخرى الإجراءات الهولندية يضع على طاولة البحث العديد من التساؤلات حول مستقبل العلاقات  التركية الأوروبية في ظل الحديث عن حظوظ تركيا الانضمام الى الاتحاد الأوروبي، فيما يشي بنوايا أوروبا الابتعاد عن ذلك السيناريو تحت ذريعة الاعتراض على التغييرات الدستورية التي يرى فيها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان رئاسة تنفيذية قوية لضمان الاستقرار ومنع عودة ائتلافات الحكم الهشة التي شهدتها العقود السابقة .
ويتساءل مراقبون حول احتمالية تنامي التوتر بين تركيا وأوروبا بصفة عامة لا سيما وأن وزير الخارجية التركي يزور فرنسا للقاء اتحاد الديمقراطيين الاتراك الاوروبيين في اطار حملة كسب الدعم لمسألة التعديلات الدستورية غير أن فرنسا لم تبد اعتراضا حتى اللحظة على تلك الزيارة، رغم تصعيد التوتر بين تركيا وكل من المانيا وهولندا على خلفية موقف الدولتين من التجمعات التركية الموجودة لديهما والمؤيدة في مجملها لسياسة تركيا فيما خص التعديلات الدستورية .  
ويبدي متابعون استغرابا حول الموقفين الألماني والهولندي لاسيما لجهة قانونية منعهما حرية التعبير في بلديهما لجالية تركية، كما يبدون قلقا حول نوايا اوروبا الحكم مسبقا على سياسات تركيا البالغ عدد سكانها 80 مليون نسمة ، لاسيما وأن السياسة التركية ، لم تجر التعديلات قسرا، بل أنها ترنو الى استفتاء الشعب حولها في اطار عملية ديمقراطية مماثلة لما ارتضى فيه البريطانيون الانفصال عن الاتحاد الاوروبي ، ولم تلق النتيجة اعتراضا أوروبيا هجوميا ، بل تسليما بإرادة الشعب الذي قال كلمته الفصل . 
وعلى الرغم من أن حزمة التعديلات وعرضها على الاستفتاء الشعبي شأن داخلي تركي، فإن الهستيريا التي أصابت بعض الدول الأوروبية قد تدفع المتابعين إلى الظن بأن هذا التنافس الديمقراطي لن يجري في تركيا، بل سيجري في أوروبا ، فيما اعتبره محللون تدخلا أوروبيا سافرا في الشؤون الداخلية التركية وانفصاما بالنظرة للمعايير الديمقراطية التي تفصل على هوى السياسة والمصالح وليس وفقا لإرادة الشعوب . 
وتنشط الدبلوماسية التركية في إطار حملة كسب الدعم التركي المؤيدة لتوسيع صلاحيات أردوغان ضمن استفتاء تجريه أنقرة في 16 أبريل المقبل، الامر الذي ترى فيه أوساط أوروبية جنوحا نحو إحكام الرئيس التركي قبضته على البلاد واحتمالية تآكل الحقوق والحريات الأساسية هناك في وقت تشرعن فيه السلطات التركية توسيع صلاحيات الرئيس للحفاظ على تماسك ووحدة البلاد لاسيما في أعقاب محاولة الانقلاب الفاشل في 15 يوليو الماضي . 
ويشارك الناخبون الأتراك المقيمين في الدول الأخرى في الاستفتاء الشعبي  إذ أن هناك جاليات تركية كبيرة في الدول الأوروبية أكبرها في ألمانيا، ولذلك يحرص الجميع، سواء المؤيدين للتعديلات الدستورية أو المعارضين لها، على تنظيم أنشطة دعائية في مختلف أنحاء هذا البلد لكسب أصوات الأتراك المقيمين فيه ، وكانت ألمانيا تسمح في السابق لجميع الأطراف السياسية بلقاء أبناء الجالية التركية في فعاليات شعبية، إلا أنها هذه المرة انحازت تماما للجبهة المعارضة للتعديلات الدستورية، ما أدَّى إلى أزمة جديدة بين أنقرة وبرلين .
هذا التصعيد الذي شهدته العلاقات بين أنقرة وبرلين نقل عدواه الى هولندا بعدما منع وزير الخارجية التركية من الهبوط بطائرته في الأراضي الهولندية ، استدعت على إثره السلطات التركية القائم بالأعمال في السفارة الهولندية ، فيما وصف أوغلو القرار  "بأنه فضيحة وغير مقبول بتاتا، ما أسفر عن أزمة دبلوماسية أثارت ردود فعل منددة بالقرار الهولندي الذي اعتبر انحيازا في غير موضعه ، في حين يرى البعض أن ألمانيا منزعجة للغاية من الصعود التركي وهذا الانزعاج يعود إلى أسباب عديدة منها سياسية وأخرى اقتصادية ، ومناكفة لتركيا تحيل دون دخولها الاتحاد الأوروبي .
بدوره ندد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بالقرار الهولندي القاضي بمنع هبوط الطائرة التركية واصفا اياه "بالممارسات النازية" الأمر الذي رفضه الهولنديون، فيما ردت أنقرة على القرار بالتهديد بمنع الطائرات الهولندية من الهبوط في المطارات التركية ، واغلاق الطرق حول السفارة الهولندية في أنقرة ، والقنصلية الهولندية في إسطنبول كما طلبت من السفير الهولندي الذي يقضي إجازة خارج تركيا بعدم العودة إلى أنقرة، غير أن الحكومة الهولندية أوضحت في بيان أن "السلطات التركية هددت علناً بفرض عقوبات ما يجعل من المستحيل التوصل إلى حل منطقي".
وعلى الاثر أعلن وزير الخارجية التركي أن الإجراءات الهولندية لن تثنيه عن الاستمرار في مخطط زيارته للقاء الجالية التركية في هولندا، لكن سحب إذن هبوط طائرته في هولندا أجبره على تغيير مسار الرحلة الى فرنسا .
وفي اعقاب عملية المنع أمر الرئيس التركي بتوجه وزيرة الأسرة التركية "فاطمة سيان كايا" إلى روتردام برا، حيث كان مقرراً أن تصل إلى القنصلية التركية هناك، إلا أن الشرطة الهولندية استمرت في التصعيد وأغلقت الطريق إليها وفرقت تظاهرات نظمتها الجالية التركية التي يقدر عددها بنحو 400 ألف شخص في هولندا، فيما علقت الوزيرة التركية  " قائلة إن أنقرة ترغب من الدول الأوروبية وخاصة هولندا أن تعود في أقرب وقت إلى قيم الديمقراطية التي يقولون إنهم يدافعون عنها"، مؤكدة  "أن الأتراك سيعطون اوروبا درسا عبر التصويت بنعم في الاستفتاء".
وبعد توقيف الوزيرة التركية تعهد رئيس الوزراء التركي، بن علي يلدريم، باتخاذ إجراءات مضادة مؤكدا في بيان " أن مثل هذه الأحداث تساعد تركيا على اكتشاف أصدقائها الحقيقيين"، داعيا الدول الاوروبية في كلمة ألقاها أمام تجمع جماهيري في تركيا إلى عدم التدخل في الشؤون الداخلية والسياسة التركية، وألا يكونوا طرفا فيها ، قائلا : "إن أوروبا انضمت إلى قافلة الرافضين للتعديلات الدستورية"، لافتا إلى أن تلك البلدان ترحب بجميع من يعملون ضد تركيا .
وتوالت ردود الفعل التركية الاحتجاجية على القرار الهولندي إذ رأى وزير العدل التركي بكر بوزداغ موقف الحكومة الهولندية "أنه وأد للديمقراطية وإحياء للنازية من جديد" ، أما وزير الاتحاد الأوروبي التركي عمر جليك فوصف القرار "بالعنصري"،وبمثابة "بقعة سوداء في تاريخ الديمقراطية والدبلوماسية الهولندية، وعودة لحقبة مظلمة في التاريخين الأوروبي والعالمي"، حتى زعيم المعارضة التركية كمال قليجدار أوغلو قال إنه "يمكن لتركيا اتخاذ كل أنواع العقوبات ضد هولندا، وهذا من حقها" ، اما المتحدث باسم الرئيس التركي فقال إن بعض الدولة الأوروبية تعمل من أجل رفض التعديلات معبرا عن قلقه مما أسماه بـ " زايد رهاب الإسلام والعنصرية في أوروبا" .
على صعيد آخر يقول منتقدون إن اقرار التعديلات الدستورية يمكن أن يمهد لحكم فردي من قبل الرئيس، لكن أردوغان الذي أصبح رئيسا لتركيا في عام 2014  يبدد تلك المخاوف ويؤكد أن تغيير نظام الحكم سيكون شبيها بنظام الحكم الرئاسي في فرنسا والولايات المتحدة .
الى ذلك قالت لجنة من خبراء قانونيين في مجلس أوروبا إن التعديلات الدستورية التي تقترحها تركيا لتوسيع سلطات الرئيس ستكون "خطوة خطيرة إلى الوراء" للديمقراطية، مع العلم أن الرأي القانوني للجنة ليس له سلطة إلزامية على تركيا التي انضمت في 1950 إلى المجلس المؤلف من 47 دولة.
وكان البرلمان التركي وافق في شهر يناير الماضي على مشروع قانون لتعديل الدستور - وصادق عليه الرئيس اردوغان الشهر الماضي -  وذلك تمهيدا لإقرار نظام رئاسي في الحكم يمنح الرئيس صلاحيات رئاسية واسعة ، حيث وافق على مسودة مشروع القانون 339 عضوا في البرلمان من مجموع 550 عضوا، وإذا وافق أكثر من 50 بالمئة من الناخبين على التعديلات الدستورية في أبريل المقبل ستصبح نافذة حكما .

 تقارير / الأبحاث والدراسات 

ذكر فى هذا الخبر
شارك الخبر على