آخر الجنود المصريين في اليمن يقتله أحفاد من حاربهم في شبابه

أكثر من ٧ سنوات فى التحرير

سيد مصطفى

يبدو أن صفحات حرب اليمن التي مر على إنتهائها أكثر من نصف قرن من الزمان لم تطو بعد، فبالرغم من الحرب الأهلية الحالية على أراضي هذا البلد العربي، التي لا تقل ضراوة عن مثيلتها في الماضي، إلا أنها فجرت الجراح السابقة، والتي لم تترك بيت في مصر إلا وودع شهيد في تلك الحرب، لتزف مصر آخر شهدائها من الجنود المصريين الذين شاركوا في الحرب بعد 65 سنة من إنهائها.

جاء إبراهيم محمد هيكل من إحدى قرى محافظة طنطا بالغربية، في وقت كان المد العربي يصل إلى ذروته، وأثناء التحاقه بالخدمة العسكرية، وجه الزعيم جمال عبد الناصر أوامره للقوات المصرية بالاشتراك في حرب اليمن، في عام 1962، التي اندلعت بين مؤيدي الإمام يحيى حميد الدين، الذي كان يحكم اليمن، وبين مؤيدي الجمهورية الذين تزعمهم المشير عبد الله السلال، الذي أعلن انقلابه على الإمام وإعلانه الجمهورية اليمنية، ليجهز إبراهيم سلاحه ويقاتل الملكيين الإماميين في جبال اليمن ووهادها، وكان عمره عشرون عاما آنذاك.

علمت بندقية إبراهيم العدو كيف يكون القتال، ومدى صلابة الجندي المصري في القتال، كان يتنقل بين عدة جبهات ومنها،الحيمتين وأرحب وبني حشيش، وفي خضم المعارك تعرف على الشيخ المناضل سالم عبد القوي الحميقاني، وصحبه في المعارك قبل أن يعود معه للزاهر آل حميقان، مكان عشيرته في اليمن. ويقول المتابعون للشيخ
سالم أنه كان جمهوريًا ثوريًا.

لم يعد إبراهيم مرة أخرى لمصر، بل استقر في اليمن، وزوجه الشيخ سالم ابنته، ومكث في آل حميقان وأنجب ابنته الوحيدة، التي كبرت وترعرعت أيضًا وسط جبال اليمن، وحينما بلغت تزوجت من أحد شباب القبيلة على عادة أبناء اليمن الأصليين، الذين لا يتزوجون إلا من قبيلتهم، كأنها واحدة منهم، وأنجبت ثلاثة أولاد، أصبحوا اليوم رجالا.

عاش إبراهيم وعائلته بين وسط أبناء القبيلة، لأكثر من 50 سنة بين أبنائها. "كان له ما لنا وعليه ما علينا"، هكذ وصف السلام الحميقاني أحد أبناء القبيلة من جيران الشيخ
إبراهيم، كيف كان يعامله اليمنيون، مؤكدًا أنه عومل كأحد أبناء القبيلة، واعتبروه رمز من رموز الحرية، وكان احترامه يملأ قلوب كل أفراد القبيلة، وفي مقابل ذلك لم يعهدوا منه إلا كل صدق ووفاء وشجاعة.

بالرغم أنه بلغ من كبر سنه إلا أن الشيخ إبراهيم لم يترك النضال، فتشاء الأقدار أن تعود الحرب من جديد، ولكن تلك المرة بين أنصار الرئيس علي عبد الله صالح وبين أحفاد الإمام الجدد الحوثيين، ليختار آل زاهر الوقوف بجانب الرئيس عبد ربه منصور هادي في قتاله ضد الحوثيين، ولم يتوان الشيخ المسن أن يحمل بندقيته التي جاء بها من مصر إلى ساحات الوغى مرة أخرى، فكان في صفوف أبناء القبيلة أثناء القتال، وتقدم شبابهم في كل غزوة أو صد هجوم للعدو، ولم يكتف بذلك بل كان أحفاده الثلاثة مشاركين في حرب العدو الحوثي، بحسب ما قال الحميقاني.

وفي يوم اشتدت فيه وطيس الحرب التي اعتاد إبراهيم على أصوات قذائفها منذ أن كان في العسكرية المصرية، حتى جاءت قذيفة الانتقام من هذا البطل المغوار، من أحفاد الإمام الذي حاربه في ريعان شبابه، وأزال حكمه عن اليمن إلى الأبد، وحارب أحفاده في شيخوخته، ليرتقي آخر الجنود المصريين في اليمن شهيدا، ولم يترك بندقيته حتى آخر لحظات حياته.

شارك الخبر على