رئيس الجمهورية يهدد رئيس البرلمان

أكثر من ٧ سنوات فى التحرير

في خطوة مفاجئة تحاصر مجموعات شبابية من أنصار رئيس مجلس النواب مقر قناة إعلامية أول من أمس الإثنين، حيث تطور الأمر إلى قيام تلك المجموعات الشبابية بإلقاء الحجارة على مقر القناة ومنع دخول وخروج العاملين بالقناة الإعلامية، بل حاولت تلك المجموعات اقتحام مقر القناة ليتطور الأمر إلى مواجهة مباشرة بين مجموعات الشباب المؤيدة لرئيس مجلس النواب وقوات الأمن، فأصبح المشهد أقرب إلى حرب العصابات واستمر الوضع عدة ساعات حتى تدخل قائد الجيش ووزير الداخلية بدفع تعزيزات أمنية كبرى لحماية مقر القناة الإعلامية ووقف حالة الاشتباك بين الشباب وقوات الأمن، فأصبحت الشوارع المحيطة بالقناة الإعلامية «ثكنة عسكرية» وتم إعلان حظر التجوال بمحيط القناة، وجاء قرار تدخل قوات الجيش بعد اتصال مباشر من رئيس الجمهورية لرئيس الوزراء.. فماذا حدث؟ وما تفاصيل الأزمة بين رئيس مجلس النواب وتلك القناة الإعلامية؟ وهل هدد رئيس الجمهورية رئيس مجلس النواب بشكل غير مباشر؟ وما انعكاسات تلك الأزمة على المشهد السياسي العام بالبلاد؟

«١»

أثناء انعقاد الاجتماع بين الرئيس العماد ميشيل عون رئيس الجمهورية اللبنانية مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يتلقي الرئيس من مساعديه خبر حصار مجموعات شبابية تابعة لرئيس مجلس النواب لإحدى القنوات الإعلامية وهو ما يدفع بالرئيس -بعد انتهاء اللقاء الرئاسي المصري اللبناني- إلى إجراء عدة اتصالات تليفونية، أولها مع السيد رئيس الوزراء لمتابعة الأمر والمطالبة بحماية مقر القناة الإعلامية من أي محاولة لاقتحامها. ثم جاء الاتصال الثاني مع قائد الجيش ووزير الدفاع للمطالبة بدفع تعزيزات عسكرية من قوات الجيش لمساندة قوات الشرطة لحماية القناة الإعلامية، خصوصا مع علم الرئيس بتطور الأمر بحدوث بعض الاشتباكات بين المجموعات الشبابية وقوات الشرطة، وتوعد الرئيس بحسم حقيقي لتلك الأزمة، ولكن بعد الانتهاء من الزيارة الخارجية والتي شملت مصر والأردن، وبمجرد وصول الرئيس العماد ميشيل عون إلى بيروت طلب من وزير العدل اللبناني إبلاغ الادعاء العام (النائب العام) بتحريك الدعوى الجنائية ضد كل من قام بهذا الفعل، سواء كان من المجموعات التي حاصرت قناة "الجديد اللبنانية" أو المحرضين على هذا الفعل، في إشارة ضمنية لرئيس مجلس النواب اللبناني الرئيس نبيه بري نتيجة اتهام قناة "الجديد" ومالكها تحسين خياط للرئيس نبيه بري بأنه المحرض على هذا الفعل وأن تلك المجموعات التي قامت بمهاجمة ومحاصرة قناة "الجديد" خلال يومي الأحد والإثنين (١٢: ١٣ فبراير ٢٠١٧) هم أعضاء بـ"حركة أمل" بزعامة الرئيس نبيه بري، وفي محاولة من الرئيس سعد الحريري رئيس مجلس الوزراء اللبناني لاحتواء حدة الأزمة ومنع تطورها بين الإعلام ورئيس مجلس النواب، والتي يمكن أن تصل إلى أزمة سياسية بين رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب قام الحريري بإجراء اتصال هاتفي مع الرئيس نبيه بري والذي أعلن رفضه واستنكاره لما حدث من قبل المتظاهرين، حيث أصدرت "حركة أمل" بيانا تعلن فيه عن استنكارها ورفضها لما حدث وعدم وجود أي صلة بين المتظاهرين وحركة أمل، وهو ما خرج على لسان بعض المسؤولين بحركة أمل، وهنا يأتي التساؤل الرئيسي: هل المتظاهرون أمام قناة "الجديد" هم أعضاء بحركة أمل؟ أم أنهم مجموعات تتبع تنظيمات سياسية أخرى؟ أم أنهم جمهور عام؟ 
وللإجابة عن هذا التساؤل لا بد من معرفة الأسباب التي دفعت المتظاهرين لمحاصرة قناة "الجديد" اللبنانية؟

«٢»

تحسين خياط، رجل أعمال لبناني يمتلك العديد من المؤسسات الاقتصادية التي تعمل في مجال الإعلام والأدوية والطباعة والنشر، وتدخل قناة "الجديد" ضمن المؤسسات التي يمتلكها ويديرها رجل الأعمال تحسين خياط، فما الدوافع التي تجعل العلاقة بين رئيس قناة إعلامية ورئيس مجلس النواب في حالة توتر ويحدث ما تم أول من أمس؟

تحسين خياط قبل أن يكون رجل أعمال، هو سياسي كان عضوا هاما بحركة القوميين العرب خلال فترة الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين، ومع انشقاق حركة القوميين العرب بعد نكسة ١٩٦٧ انضم تحسين خياط إلى الحركة الشيوعية بلبنان، وخلال فترة السبعينيات وبعد وفاة الرئيس جمال عبد الناصر تقرب الكثيرون من اليسار بالرئيس الأسبق معمر القذافي رئيس دولة ليبيا وأصبح القذافي واحدا من الداعمين للسياسي أو بمعنى أدق رجل الأعمال تحسين خياط، ومع توتر العلاقات بين القذافي والخياط، أنشأ الأخير قناة "الجديد" اللبنانية وأصبحت قريبة من حزب الله وحركة أمل وأخذت قناة "الجديد" خطا سياسيا وإعلاميا مع المقاومة في مواجهة إسرائيل، وهي واحدة من القنوات القريبة من النظام السوري والرئيس بشار الأسد. 
وهنا يأتي التساؤل الاستفهامي للقارئ، أين المشكلة؟ إذا كانت العلاقة بين قناة "الجديد" وحزب الله وحركة أمل جيدة؟

«٣»

المعركة الأولى

من ستة أشهر قام رجل الأعمال تحسين خياط بدعوة وزير التعليم الليبي وبعض المسؤولين الليبيين لزيارة لبنان بهدف توقيع برتوكول بين شركة النشر الخاصة برجل الأعمال تحسين خياط ودولة ليبيا ليقوم الأخير بطباعة كل المناهج الدراسية الخاصة بوزارة التعليم الليبية، وقام رجل الأعمال تحسين خياط بإبلاغ رئيس مجلس النواب نبيه بري بذلك واستفسر الأخير حول أسباب الزيارة، وهل هي زيارة رسمية أم خاصة وتم إبلاغ الرئيس بري من قِبل الخياط بأنها زيارة خاصة، ومع وصول الوفد الليبي إلى مطار بيروت تم منع دخول الوفد إلى الأراضي اللبنانية من قبل الأمن العام، حيث يوجد قرار صدر من قِبل الدولة اللبنانية بمنع دخول الليبيين للأراضي اللبنانية منذ بداية عام ٢٠١٦، هذا الإجراء اعتبره الخياط تربصا من قبل رئيس مجلس النواب، خصوصا بعد إبلاغه بتفاصيل الوفد ودفع الخياط بتوجيه بعض الاتهامات للرئيس بري، حيث يعتقد رجل الأعمال تحسين خياط أن الرئيس بري لم يساعده في هذا الأمر حتى يظهر أمام الرأي العام اللبناني بأنه يدافع عن قضية السيد موسى الصدر المختفي في ليبيا، حيث يتهم حزب الله وقوى سياسية لبنانية الرئيس الأسبق القذافي باغتيال السيد موسى الصدر.

«٤»

المعركة الثانية

يمتلك رجل الأعمال تحسين خياط مجموعة من الشركات التي تعمل في مجال الطاقة والكهرباء، ونتيجة الخلاف بين الخياط والرئيس بري قام وزير المالية اللبناني السابق علي حسن خليل بوقف كل المستحقات المالية الخاصة بشركات الخياط، حيث يعتبر الوزير علي حسن خليل أحد المقربين من الرئيس نبيه بري ومستشاره السياسي ووزير حركة أمل بالحكومة، وهو ما اعتبره تحسين خياط رسالة مباشرة من الرئيس نبيه بري، مما دفع الخياط إلى عمل حملة بقناة "الجديد" ضد الرئيس بري وبدأت قناة "الجديد" بعمل تحقيقات عن بعض وقائع يشوبها الفساد، تخص الرئيس بري وبعض المقربين من حركة أمل، وبدأت قناة "الجديد" تتحدث عن هيمنة الرئيس بري بمنصب رئيس مجلس النواب على مدار ٢٠ عاما والمطالبة بتداول المنصب، وهو ما دفع قناة "NBN" التابعة للرئيس نبيه بري بالهجوم على رجل الأعمال تحسين خياط واتسعت مساحة المعركة بين الطرفين لتخرج على الرأي العام اللبناني، وقام كل طرف باستغلال المنبر الإعلامى للهجوم على الآخر.

«٥»

المعركة الثالثة

وعلى الرغم من وساطة بعض الأطراف لتهدئة الأوضاع بين الطرفين وخروج بيان إعلامي من القناتين ("الجديد" و"nbn") بعدم مهاجمة الآخر، فإن قناة "الجديد" أخذت مسارا غير مباشر للهجوم على الرئيس نبيه بري باستضافة قناة "الجديد" النائب السابق (يعقوب) وهو ابن الشيخ حسن يعقوب الذي سافر مع السيد موسى الصدر لدولة ليبيا، ويعتبر النائب السابق (يعقوب) من أشد معارضي حركة أمل والرئيس بري، حيث يعتقد (يعقوب) أن حركة أمل هي سبب الهزيمة في انتخابات مجلس النواب (٢٠٠٩)، وقدم قام النائب السابق (يعقوب) بعمل هجوم شديد على الرئيس بري واتهمه بأنه تقاعس في البحث عن السيد موسى الصدر خلال السنوات الماضية، هذا الأمر الذي اعتبر هجوما مباشرا من قِبل رجل الأعمال تحسين خياط بعد فترة هدنة دامت شهرا، مما دفع -في تحليل البعض- جمهور حركة أمل لمحاصرة قناة "الجديد" ومحاولة الاقتحام.

تلك الأزمة المليئة بالتفاصيل والتي لا تسمح مساحة المقال بسردها، دفعت رئيس الجمهورية بعد فترة قصيرة من تولي منصب الرئاسة إلى الدخول في أزمة كبيرة لها أبعاد سياسية واقتصادية لضبط الأوضاع الداخلية، هذا التدخل السليم من قِبل الرئيس عون بدأ البعض يربط، على أثره، بين هذا الموقف والتناقضات القديمة بين الرئيس عون والرئيس بري والتي انعكست على موقف الرئيس بري من ترشيح الرئيس عون لمنصب رئاسة الجمهورية، والذي حسم بعد تدخل من قبل حزب الله والذي أعطى للرئيس بري حق التفاوض باسم كتلة الشيعة، بتشكيل الحكومة في مقابل حسم منصب الرئيس لصالح العماد ميشيل عون، فهل يمكن أن تنعكس الأزمة الأخيرة لتخرج من نطاق صراع بين تحسين خياط والرئيس نبيه بري لتصل إلى صراع بين رئيس الجمهورية ورئيس البرلمان؟ 
نتمنى أن لا يحدث ذلك.

شارك الخبر على