مسلم وبس

أكثر من ٧ سنوات فى التحرير

هل المسلم العادي وبس أفضل من المسلم المتدين؟

هذه الكلمة التي قالها الرئيس السيسي في الدورة التثقيفية الـ24 للقوات المسلحة، والتي تحدث فيها عن محاولة البعض الزج بطلاب إلى الكليات العسكرية ممن لهم ميول وتوجهات دينية محددة في العام 2011، وقال إنه رفض ذلك، وولاء الجيش المصري يجب أن يكون لمصر ومصر فقط وليس للرئيس ولا لأي جهة أخرى، وأردف بأنه لو اكتشف ذلك، فسيتم تسريحه من الجيش المصري.

وهذا كلام ومهم، ولكن كلمة مسلم وبس أثارت لغطا كثيرا، فما تفسير الكلمة؟ وما حدود دلالتها؟ وقال المناهضون، إنه يقصد التدين في حد ذاته، وإن المداوم على الصلوات ربما يفهم توجهاته بشكل خاطئ.

ولا أظن ذلك بالتأكيد، فكل الكتائب بلا منازع لها مصلية، ويكون هناك إمام راتب لإمامة الجمعة، وتتابع الشؤون المعنوية هذا الأمر، وقد ظهر من كلام الحبيب الجفري أنه تجول داخل الكتائب والتجمعات العسكرية بشكل عام لإلقاء المحاضرات، وصرح بعض شيوخ الأزهر لي، بأنهم بالفعل يُستدعون من قبل الشؤون المعنوية، واعتادوا إلقاء محاضرات معينة ضمن نشاط الشؤون المعنوية للقوات المسلحة لرفع الحالة الدينية للجنود، كما أن هذا الأمر ممتد منذ فترة طويلة ربما من بعد النكسة. 
ونحن نعلم جميعا أن شعار حرب أكتوبر كان «الله أكبر»، وكان هناك توجه عام، بأن تكون حرب أكتوبر لها طابع ديني، بعد أن فشل الطابع العروبي في 67، فكان التوجه الجديد، هو حرب بشعارات وحالة تثوير دينية، لأن إسرائيل دولة دينية، وقامت على مزاعم دينية.

ولكن من جهة أخرى لدينا أحزاب ذات مرجعية دينية كثيرة، توافقت مع الدولة المصرية ولم تحلّ أحزابها حتى الآن مثل "البناء والتنمية" و"النور" و"الوطن" و"التحرير" وغيرها من الأحزاب، وهناك قادة وزعماء دينيون مثل "حسان وبرهامي" ولهم تلامذة ومريدون ومستمعون.

فما حدود القبول والرفض داخل الكليات العسكرية والجيش بشكل عام؟ 
من المؤكد أن هذا الأمر في حاجة إلى توضيح، رأيي أن هناك فرقا كبيرا بين الانتماء التنظيمي والانتماء الفكري، فالانتماء التنظيمي فيه بيعةٌ على السمع والطاعة وأمور من هذا القبيل، وهو ازدواج ولاء واضح وصريح. أما مجرد القناعات الفكرية والدينية فهي أمر آخر.

ولكن ما أريد أن أناقشه بشكل صريح هو سؤال محوري: هل المسلم المتدين أخطر من المسلم العادي الذي لم يتعمق في الدين؟ 
أستطيع أن أجزم بأن الإجابة بنعم، وهذه لها تفسير من وجهة نظري.

إن التدين موجّه بشكل سياسي، بمعنى أن المتاح من الكتب الدينية، سواء في المكتبات أو ما طبع بملايين النسخ وزع مجانا، كان له توجه سياسي، أى أنه العصر الحديث طُبعت كتب ابن تيمية وابن القيم بكميات كبيرة، وكتب محمد بن عبد الوهاب، وتلاها الألباني وابن باز وابن عثيمين، وتم توزيعها، وحتى كتب الدراسة المعتمدة، سواء في السعودية أو في الأزهر في مصر، هي كتب منتقاة، من أساتذة متأثرين بتوجهات معينة، ورغم أن ابن تيمية لم يكن مقبولا في عصره وسجن ومات في السجن. 
وفي نفس السياق لا توجد كتب لابن رشد والفارابي وابن سينا والكندي، واشتهرت المذاهب الأربعة، وخفت مذهب ابن حزم والليث بن سعد، ومنذ أن توارى المعتزلة سياسيا بعد المأمون والمعتصم، توارت كتبهم أيضا، فلا كتب النظار والجاحظ متوفرة ومطبوعة، ولا غيرهما، فأصبح التدين بالشكل الحديث هو صورة غير صحية، لأنها ليست معلومات موسوعية عن المذاهب الفكرية والدينية بشكل عام، تؤدي في النهاية إلى التسامح والمرونة، ولكنه لون واحد من أشكال التدين، ومن كتب التراث، وهي أكثرها تشددا وراديكالية، بما يعني أن المسلم وبس -وهو المسلم البسيط الذي يعرف من دينه الحدود الدنيا، كالصلاة والصيام وغيرهما من الأركان الأساسية- يكون أكثر مرونة ويتعامل بقلبه، ولذلك تجد تعاملاته أكثر إنسانية، يتعامل مع البشر من المحيطين حوله، بإنسانيته، فيقبل ويرفض على أسس إنسانية وليس على أسس دينية.

وقد حكى لى أحد المسيحيين كيف كان له صديق صدوق من المسلمين، وأصر على أن يسكن معه في شقة واحدة في الدراسة الجامعية، ولكنه وجد تغيرا غير منطقي في تعاملاته معه واكتشف لاحقا أنه التزم بالمصطلح التنظيمي للجماعات الدينية، وتوارث ما يسمى أفكار الولاء والبراء، وأنه لا يجب أن يوالي المسيحي، وأن يبرأ منه، وأن المرء يحشر مع من يحب، فإذا أحببت مسيحيا فستحشر معه في جهنم، ولذلك يجب أن لا تحبه، وأن تكرهه في الله. 
كل هذا من منطلق الفكر المتشدد، الذي هو مرادف للتدين المعاصر والتعمق في الدين المعاصر، فهذا ما هو متاح من الأفكار، وإذا أردت أن تتعمق في الدين في الوقت الحاضر، فلن تجد كتب الجاحظ والنظام والفارابي وابن رشد والكندي وابن سينا، بل ستجد كتب ابن تيمية وبن عثيمين وابن باز وقطب والمودودي وأبو الحسن الندوي وغيرهم.

ولذلك فإذا لم نُعد صياغة مفاهيم التدين والتعمق في الدين بطريقة مختلفة ومتوازنة، ونعيد طباعة كتب جديدة، فالمتدين أخطر بكثير من المسلم وبس.

وقال لي أحد القادة العسكريين في أحد البرامج التليفزيونية، عن سبب ضم العسكريين المتقاعدين لمقاعد في الحكومة والمحليات، وغيرها، إنه ضمان ولاء، وعرفت في الكواليس أنه بعد حالة الفراغ بعد التقاعد، خاصة وأن أعمارهم تكون ما زالت في مقتبل العمر، حول الأربعين من العمر، ويحدث أحيانا صدمة نفسية في التعامل مع أسرته بعد التقاعد، فقد أخذوا على غيابه وعلى إدارة الأم لشؤون المنزل، ويمر وقت حتى يعتاد الحياة المدنية، غالبا ما يصطدم بأسرته الصغيرة لرغبته في تغيير نمط حياتهم بطريقة أكثر انضباطا، وتكون أعمارهم من الصعب أن تقبل أوضاعا من هذا القبيل لم يعتدوها، بعدها يلجأ عدد منهم إلى المسجد، ليتعمق في الدين، فتلتقطه الجماعات الدينية، ويكون أكثر قابلية لامتلاك قناعات جهادية، لأن حياته كلها وخبراته كلها قتالية، وكثير من قادة القاعدة في أفغانستان كانوا متقاعدين من الجيش المصري، وكانوا يصعدون في الدرجات التنظيمية سريعا لخبراتهم في التدريب والمناورات العسكرية، ولذلك فمن الضروري التحرك بسرعة لتغيير نمط التدين في العالم العربي بشكل عام ومصر بشكل خاص. وهذا يحتاج إلى جلوس عدد كبير من المفكرين لإحداث عصف ذهني وتنويع ثقافة المجتمع ببرامج تليفزيونية وطباعة كتب متنوعة ومختارة، وتوزع بشكل مدعوم ومجاني والدعاية لها، وتوفُّرها في مكتبات المدارس وفي مكتبات المساجد، وتطبع من قِبل مكتبة الأسرة وغيرها من الهيئات الحكومية، وربنا يستر، لأن مستوى التحرك ليس على مستوى الأزمة التي نعانيها.

شارك الخبر على