حكاية الشيخ زكريا.. أراد تلحين «القرآن» وقاطع «الست» ١٣ عامًا

أكثر من ٧ سنوات فى التحرير

منذ نعومة أظافره عاش بروحه في دنيا الموسيقى والنغم، بينما كان جسده في كتّاب الشيخ "نكلة" حيث أرسله والده لحفظ القرآن الكريم وهو بعمر الأربع سنوات خوفًا عليه من الفقد بعد وفاة جميع إخوته الذكور، لكن الطفل المتمرد أبى إلا أن يزلزل الأرض بموسيقاه، فبدأ رحلة النزاع مع والده التي مرت بفصول متعددة، إلا أن نال مراده، وسرعان ما أصبح "شيخ الملحنين".

"التحرير لايف" يرصد لكم جوانب من حياة الملحن الراحل الشيخ زكريا أحمد، وذلك بالتقرير التالي..

طفولة متمردة

ولد زكريا أحمد فى 6 يناير 1896 بقرية "سنورس" في الفيوم لأسرة منحدرة من قبيلة تسمى "مرزبان"، وكان والده الشيخ أحمد صقر حافظًا للقرآن، ومتزوجًا من السيدة فاطمة ذات الأصول التركية، وارتحل الاثنان معًا إلى القاهرة بعد رؤية شاهدها الزوج في منامه مع السيدة زينب.

رزقهما الله "زكريا" بعد 21 طفلًا مات الذكور منهم، لذا قرر الأب إرسال زكريا إلى كتّاب الشيخ "نكلة" حتى يحفظ القرآن، وخوفًا عليه من الفقد مثل باقي إخوته الذكور، إلا أن الطفل الصغير صاحب الأربعة أعوام لم يطق معاملة الشيخ السيئة له، فأرسله والده للدراسة بالأزهر الشريف، لكن روح التمرد تزايدت عند الطفل الصغير ولم يكمل 7 سنوات بالأزهر، فخرج منه مطرودًا بعد تعدّيه على أحد مشايخه.

ألحقه والده بعدها بمدرسة "ماهر باشا" فى القلعة ثم مدرسة "الحيالى يوسف"، ومن بعدها مدرسة "خليل أغا"، إلا أن الحال لم يتغير كثيرًا، وظلّ الطفل على سيرته الأولى، كثير الشغب، دائم التمرد على كل شيء غير الموسيقى، حتى إنه كان يخفي كتب الموسيقى داخل أغلفة كتب جادة، مثل ألفية ابن مالك حتى لا يعلم والده بحقيقه شغفه بالموسيقى، وأن ذلك وراء تخلفه الدراسي.

جاءت مرحلة المراهقة، وبلغ الصدام أوجه بين الابن ووالده، فاضطر "زكريا" إلى ترك المنزل هاربًا متنقلًا بين بيوت الأقارب والأصدقاء، كى لا يعثر عليه والده، لكن الأم دفعت ضريبة ذلك الأمر، وطردها والده من المنزل بعد تعاطفها مع ما فعل، وتزوج بأخرى أذاقت "زكريا" ألوانًا من الكراهية بعد عودته للمنزل.

اقترح ذكريا على والده العمل كمقرء لكن الأخير رفض في بادئ الأمر، ومع تفاقم الخلافات تدخل وسطاء وأقنعوا الأب أن مهنة المقرئ ليس بها ما يشين، فوافق وعهد به إلى الشيخ درويش الحريرى لتحفيظه القرآن كاملًا، ثم التحق بعد ذلك ببطانة الشيخ علي محمود، وهناك تعلم فن التجويد، ثم التحق ببطانة الشيخ إسماعيل سكر، فذاع صيته ولمع نجمه كمنشد ديني، وهكذا بدأ خطواته نحو حلمه الحقيقي.

الفن يدق أبواب الشيخ

في عام 1916 اكتشف الشيخ زكريا موهبته في التلحين، وقدم ألحانًا بالمجان لعرض مسرحي بعنوان "فقراء نيويورك" لمجموعة من الهواة، كان من بينهم آنذاك حسين رياض وحسن فايق، وبحلول عام 1924 قرر خوض مشوار في التلحين فقام بدراسة التراث والأصول الموسيقية والتدوين الموسيقى، وقدمه الشيخ "على محمود" لإحدى شركات الأسطوانات كمُلحن موهوب، وتم التعاقد بينهما.

خلال ذلك الوقت كان الشيخ زكريا قد تعرف على "سيد درويش" والسيدة أم كلثوم التي التقاها في "السنبلاوين" وافتتن بصوتها، فأهداها "طقطوقة" من تلحينه، حتى أصبح واحدًا من ملحني "الست" التي لا تستغنى عنهم.

سرعان ما توطدت علاقته بسيد درويش وانضم لفرقته، كما دخل في شراكة فنية مع الشاعر بيرم التونسي، الذي زين كلماته بأروع الألحان، ثم بدأ العمل في المسرح الغنائي، فقدم ما يقرب من 600 لحن خلال 53 مسرحية، وذلك بعد وفاة سيد درويش.

نجح الشيخ زكريا في تطوير الغناء العربي لمواكبة التطور التكنولوجي آنذاك، والمتعلق بظهور "الجرامافون" على سبيل المثال، فذاع صيته، خاصة بعدما اقترن اسمه بأم كلثوم ولُقب بـ "شيخ الملحنين".

بلغ مجمل ألحانه 1070 أغنية، لكبار المطربين أمثال: "منيرة المهدية، وفتحية أحمد، وصالح عبد الحي، وأم كلثوم وآخرين"، كما أنه شدا بصوته في أغان من تلحينه رغم صوته الأجش، إلا أنه أضاف عليها لمسه مختلفة عن تلك التي أضفاها مطربو الأغنية الأصليين، كأغنية "يا صلاة الزين"، و"الورد جميل"، و"أهل الهوى".

تلحين القرآن

اقترح تلحين القرآن الكريم دون آلات موسيقية، بهدف حفظ تلك المقامات العربية من الضياع أو من النسيان بموت روادها، لكن الأزهر قابل اقتراحه بالرفض آنذاك، بحسب ما ذكره صبري أبو المجد في موسوعة أعلام العرب.

خلافه مع أم كلثوم ووفاته

في نهاية الأربعينيات دبّ خلاف بينه وبين السيدة أم كلثوم بسبب مطالبته بمستحقاته من الإذاعة المصرية، نظير طبع ألحانه على أسطوانات أم كلثوم، الأمر الذي رفضته "الست" باعتبار أنه يبالغ في تلك المستحقات، واستمر الخلاف بينهما 13 عامًا حتى إنه وصل للقضاء، لكن القاضي نحى أوراق القضية جانبًا وقام يذكرهما بأمجادهما السابقة معًا وأنه لا داعى لهذا الخصام، فقال الشيخ: "لا الفلوس بتدوم ولا الشتيمة بتلزق وأنا لا أقدر على مواصلة التقاضي مع أعزٌ فنانة إلى نفسي" وبكت معه "ثومة" وصفق الحاضرون، وانتهى الخلاف بعد طول فترة القيطعة"، ليقدم معها آخر ألحانه "هو صحيح الهوى غلاب" في عام 1960، وكانت تلك الأغنية الأخيرة له، حيث وافته المنية في 14 فبراير عام 1961.

شارك الخبر على