إيران تفتح أجواءها مجددا لمرور المقاتلات الروسية إلى سوريا

أكثر من ٧ سنوات فى التحرير

في ظل التصعيد الأمريكي الإيراني من جهة، والأمريكي الروسي من جهة أخرى، فتحت إيران مجددًا مجالها الجوي لمرور المقاتلات الروسية لضرب مواقع في سوريا.

وأعلن أمين مجلس الأمن القومي الإيراني علي شمخاني أن "استخدام الروس المجال الجوي الإيراني استمر لأن هناك تعاونًا استراتيجيًا كاملًا بيننا وبين روسيا". وأكد على أنه "في الآونة الأخيرة استخدمت المقاتلات الروسية المجال الجوي الإيراني فقط ولم تقم بعمليات إعادة تزود بالوقود".

وكانت تقارير أكدت بأن مقاتلات روسية من طراز "توبوليف – 22 إم" استخدمت المجال الجوي الإيراني وإحدى القواعد العسكرية في البلاد، أثناء أداء مهام عسكرية في سوريا. ولم يتضح إلى الآن ما إذا كانت هذه المهام ترتبط بالضربات الجوية الروسية التي جرت يوم الخميس الماضي، وأودت بحياة 3 عسكريين أتراك وإصابة 11 آخرين بطريق الخطأ.

والمعروف أن قاذفات روسية بعيدة المدى من طراز "تو-22 إم 3"، شنت، يوم 30 يناير الماضي، سلسلة ضربات على مواقع تنظيم داعش في محافظة دير الزور السورية، بعد إقلاعها من مطار يقع في روسيا وتحليقها فوق أراضي إيران والعراق. وبحسب وزارة الدفاع الروسية فإن الغارات أدت إلى تدمير مركزي قيادة للتنظيم، وعدد من مستودعات الأسلحة وكميات من المعدات العسكرية، إضافة إلى مقتل عدد كبير من المسلحين.

وكانت روسيا قد استخدمت الأجواء الإيرانية، إضافة إلى مطار همدان الإيراني، في تحليقاتها وتزودها بالوقود في منتصف أغسطس 2016؛ لتوجيه ضربات في الأراضي السورية، الأمر الذي أثار انتقادات حادة ليس فقط من جانب الولايات المتحدة والدول الأوروبية، بل وأيضًا في الداخل الإيراني، وبالذات في البرلمان ووزارة الدفاع وبعض المؤسسات الأخرى. ما أدى بدوره إلى توقف روسيا عن استخدام الأجواء والمطارات الإيرانية. وقالت موسكو آنذاك، إنها توقفت عن استخدام قاعدة همدان في توجيه ضربات في سوريا.

ونفى رئيس مجلس الشورى الإيراني علي لاريجاني، آنذاك، وجود قواعد عسكرية روسية على الأراضي الإيرانية. وقال إن "الجمهورية الإسلامية الإيرانية تتعاون مع الجانب الروسي في الكثير من القضايا لاسيما الأزمة السورية، إلا أنها لم تمنحهم قاعدة عسكرية". وجاءت تصريحات لاريجاني، ردًا على تصريح النائب في لجنة الدفاع بمجلس الشورى الإسلامي حشمت فلاحت بيشه الذي أكد أن منح الروس قاعدة على الأراضي الإيرانية يخالف المادة 176 من الدستور الإيراني.

كما رفض وزير الدفاع الإيراني حسين دهقان انتقادات البرلمان، مؤكدًا "لم نمنح أي قاعدة عسكرية للروس ولما يأتوا ليبقوا.. وأنه لم يكن هناك أي اتفاق مكتوب بين البلدين، وأن التعاون في العمليات أمر مؤقت ويقتصر على التزويد بالوقود". ولكنه من جهة أخرى، وجه اللوم لموسكو لإعلانها عن الأمر واصفًا ذلك بأنه تفاخر و"خيانة للثقة".

وإمعانًا في تخفيف اللهجة الحادة للتصريحات الإيرانية، أكدت موسكو آنذاك على مواصلة التعاون مع طهران. وقال الناطق باسم وزارة الدفاع الروسية إيجور كوناشينكوف إنه "في الوقت الراهن توجد كافة الطائرات التي شاركت في تلك العملية في أراضي روسيا الاتحادية". وأوضح أن عودة المقاتلات الروسية من القاعدة الإيرانية إلى أراضي روسيا جاء بعد نجاحها في تنفيذ المهام القتالية المطروحة أمامها، مضيفًا أن القوات الجوية والفضائية الروسية ستستخدم القاعدة الإيرانية في المستقبل على أساس الاتفاقات الثنائية مع طهران في مجال محاربة الإرهاب ونظرًا لتطورات الوضع الميداني في سوريا.

وفي الوقت الوقت الذي تحدث فيه الناطق الروسي عن اتفاقيات بين موسكو وطهران، أكد الناطق الرسمي باسم الخارجية الإيرانية بهرام قاسمي على أنه "لا وجود لأي اتفاقية بين البلدين حول استخدام القاعدة"، لكنه وصف العلاقات الروسية - الإيرانية بالاستراتيجية. ونقلت وكالات أنباء روسية، عن مصدر إيراني، أن توقف روسيا عن استخدام قاعدة همدان في الوقت الراهن لا يعني أن طهران غيرت موقفها من التعاون مع موسكو في مجال محاربة الإرهاب الدولي. وأوضح المصدر أن التصريحات الإيرانية حول تعليق استخدام روسيا للقاعدة، ليست إلا إقرارًا بإتمام العملية التي استخدمت روسيا في إطارها هذه القاعدة.

وقال السفير الروسي لدى طهران ليفان جاجاريان إن موسكو لا ترى أي عوائق أمام استخدام القوات الجوية والفضائية الروسية لقاعدة همدان في المستقبل. وأوضح بأن "ليس هناك ما يدعو للقلق". ولكن مصادر روسية أكدت آنذاك على أن تحذيرات قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن لموسكو ودمشق قد جاءت بنتائج مهمة، واثَّرَت على الطرفين الروسي والإيراني.

وكان القائد الجديد للقوات الأمريكية في سوريا والعراق الفريق ستيفين تاونسيند كل من موسكو ودمشق من أن العسكريين الأمريكيين سيدافعون عن قواتهم الخاصة في سوريا في حال تعرض المواقع التي يتواجدون فيها لضربات جوية أو مدفعية. وقال تاونسيند "لقد أبلغنا الروس بمواقع تواجدنا. وقد أبلغونا أنهم أخبروا السوريين بذلك. أود أن أقول أننا سندافع عن نفسنا في حال تعرضنا للخطر".

وكان المتحدث باسم البنتاجون جيف دايفس قد أعلن أيضا أن وزارة الدفاع الأمريكية حذرت القوات المسلحة السورية من القياب بأعمال قتالية بالقرب من قوات الولايات المتحدة وحلفائها بعد الحادث الذي وقع في الحسكة.

أما المتحدث باسم الخارجية الأمريكية مارك تونر، فقد اعتبر آنذاك أن استخدام روسيا القواعد الجوية الإيرانية منطلقا لعملياتها العسكرية في سوريا "قد يعد خرقا لقرار مجلس الأمن". وأوضح أن الولايات المتحدة قد اطلعت على تقارير مختلفة، بعضها تحدث عن احتمالية استخدام القواعد الإيرانية لانطلاق غارات جوية روسية على سوريا مرة واحدة، والبعض الآخر تحدث عن استمراريتها.

ورأى المسؤول الأمريكي أنه إذا ما صحت هذه التقارير بشأن استخدام روسيا لقواعد إيرانية، فإنه من المحتمل أن يعد خرقا لقرار مجلس الأمن رقم 2231، الذي يمنع تجهيز وبيع ونقل الطائرات المقاتلة إلى إيران ما لم تتم موافقة مجلس الأمن عليها مقدما. وأضاف بأن الولايات المتحدة لا تزال في مرحلة "تقييم" ما تخطط له روسيا باستخدام القواعد الجوية الإيرانية، واصفا إقدام الروس على هذه الخطوة بأنها "مؤسفة لكنها ليست مفاجئة، وأن قيام روسيا بهذا الأمر هو زيادة في تعقيد الوضع، الذي هو أساسا مثير للجدل وصعب، ويدفع فقط إلى الابتعاد أكثر عما يحاول المجتمع الدولي، أو على الأقل الولايات المتحدة، السعي إليه، المتمثل في وقف الأعمال العدائية في سوريا وبدء عملية سياسية في جنيف تقود إلى تحول سلمي".

المعروف أنه في يوليو 2015 أصدر مجلس الأمن قراره رقم 2231، الذي رحب فيه بتوقيع إيران مع مجموعة 5+1 اتفاقا يتم من خلاله الحد من قدرات إيران النووية، ويرفع تدريجيا بعض العقوبات المفروضة على طهران، فيما لو طبقت فقرات الاتفاق بطريقة تقرها الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وتنص بعض فقرات القرار على عدم السماح باستخدام الأراضي الإيرانية لانطلاق العمليات العسكرية أو بيع وتجهيز ونقل الطائرات إلى إيران.

وألمح مراقبون إلى أن موسكو، باستخدامها الأجواء الإيران ومطار همدان في أغسطس 2016، اختبرت الرأي العام الإقليمي والدولي بشأن وجودها العسكري في طهران، ويبدو أنها تلقت هي الأخرى تحذيرات من إمكانية اتساع رقعة المواجهة مع طيران قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن. ولكن المراقبين، من جهة أخرى، طرحوا إمكانية تعاون روسي – تركي قد يغني روسيا عن استخدام المطارات العسكرية الإيرانية.

في سياق متصل، ومع ظهور حوار أمريكي – تركي، وتعاون بين طيران التحالف الدولي والقوات التركية في شمال سوريا، وإمكانية تطبيع العلاقات بين واشنطن وأنقرة، ظهرت الحاجة مجددا إلى استخدام الأجواء والمطارات الإيرانية. وذلك تحسبا لأي انعطافات مفاجئة من جانب تركيا نحو الولايات المتحدة، خاصة وأن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لا يزال متمسكا بموقفه من بشار الأسد، وما زال يدعو إلى إقامة مناطق آمنة في سوريا، وهو ما لقى أصداء إيجابية لدى إدارة الرئيس دونالد ترامب.

شارك الخبر على