بيت المدى يستذكر رائد القصة الحديثة في العراق ..محمود أحمد السيد.. حين يمتزج الأدب بمعاناة الناس

أكثر من ٦ سنوات فى المدى

حين نعاود التصفح في أوراق الماضي لنقرأ كلماتنا، فنرتمي خجلاً خلف سطور حروفنا القديمة التي نجدها دون سمونا الذي ارتقيناه في ما بعد، هاجسٌ كهذا سيطر على رائد القصة الحديثة في العراق محمود أحمد السيد الذي استذكره بيت المدى صباح أمس الجمعة في شارع المتنبي ضمن منهاجه الاسبوعي الخاص باستذكار الشخصيات التاريخية والفكرية والادبية الثقافية المعروفة في العراق.جانب من السيرةذكر الباحث رفعت عبد الرزاق جانباً من سيرة الراحل من خلال كلمته التي قدم بها الجلسة، قائلاً " تميز محمود أحمد السيد بميزتين الاولى كونه رائد القصة العراقية كما وصفه اكثر من أستاذ وناقد، والثانية انه احد مؤسسي التكتل الاشتراكي والتقدمي." السيد ولد ببغداد عام 1903، حيث انحدر من عائلة برز أغلب افرادها في مجال التدريس في المدارس الدينية أواخر القرن التاسع عشر، يضيف عبد الرزاق " أن أفراد عائلة السيد برزوا في مجال التدريس في المدارس الدينية وكان من بينهم إبراهيم المدرس، وأحمد المدرس وغيرهمم كثر من الاسماء."وذكر المؤرخون انه التقى في الهند بأحد المفكرين الاشتراكيين وتأثر به ولما عاد للعراق كان المؤسس الاول للحلقة الاشتراكية التقدمية، وهذه الحلقة  كتب عنها الشيء الكثير، وكان أعضاؤها من الكبار الذين لهم اثر في المشهد الثقافي والسياسي العراقي  امثال فتاح ابراهيم، وسليم فتاح، وعوني بكر صدقي،  وغيرهم الكثيرين.رائد الأدب والتنوير لا طعم لمحمود أحمد السيد من دون الرعيل الذين رافقوه في مسيرته، جملةٌ أكدها عميد كلية العلوم السياسية والكاتب الدكتور عامر حسن الفياض  قائلاً " الحديث عن السيد واستحضاره هو ليس استحضاراً لشخص بل لموضوع النهضة والتنوير في الحقل المعرفي العراقي لاسيما الادب والمعرفة والسياسة،  فكما أن لا طعم للسيد دون ذكر صحبته، فلا طعم لذكرهم دونه، فبهذا الرعيل التنويري والمعرفي  نتلمس الطعم اللذيذ  للمعارف."  الذي يريد ان يكتب عن النهضة والتنوير لايستطيع تجاهل السيد، فهو واحد من الجيل الاول للمثقفين العراقيين حيث بذرت بذور الفكر الثقافي وقد اينعت هذه البذور عن جماعتين الاولى جماعة الآلي والثانية لجنة مكافحة الاستعمار والاستثمار.فيذكر فياض " لا نستطيع ان ندعي ان الفكر التقدمي كان له وزن ثقيل في تاريخ العراق، لكن كان هنالك حضوره وقوته الذي نلتمسه من خلال ردود فعل سلبية قاسية على هذا الفكر." وأشار فياض "علينا ان نؤكد حقيقة اني قبل ان اكتب عن السيد وجماعته كان المرحوم عبد اللطيف الراوي وعلي جواد الطاهر كتبا عن الاشتراكية في الادب العراقي، ومن خلال ما اشارا اليه كتبا الكثير عن السيد وجماعته." شهد الاشتراكيون والاشتراكية فكرا وشخوصا ردود فعل قاسية، وهذا يعني ان وجود هذا الفكر وجود طاغٍ، فالسيد ساهم بكل مظاهر التجديد في بديات وبواكير الفكر السياسي العراقي الحديث، ومظاهر التجديد كانت واضحة من خلال الدعوة لفكرة الجمهورية من خلال تأثرة بتوفيق الخالدي.ويشير فياض " أننا نلتمس تجديد السيد كذلك من خلال دعوته لتحرير المرأة، حيث كان له مساهمة فاعلة لأنه مظهر من مظاهر التجديد وهذا تبين من خلال اول كتاب للسيد" في سبيل الزواج" يتحدث عن مظلومية المرأة، وكذلك موضوعة الحرية الفكرية، حيث أثارها في كتبه."  يكاد ان يكون السيد رائد المظاهر الواقعية الاجتماعية في الادب العراقي، حيث نعته صديقه عبد الوهاب الامين بأنه القاص العراقي الاول في كتابه " مع الكتب وعليها"   السيد في مرحلتينرغم أن هنالك من كتب القصص قبله إلا أنه حاز لقب " رائد القصة بجدارة" أكد ذلك الدكتور الناقد شجاع العاني ذاكراً"   ان السيد لجأ للاغتراب المكاني من خلال قصصه، وروايتيه فنجد أن احداثها تمت خارج البلاد، وقد قسم السيد نتاجه الى مرحلتين فرواياته الاولى، هو الذي شتم نفسه عليها وقال " ليتني لم اكتب هذه القصص التي كانت لطخة عار في جبيني" ويبدو انه كان متأثرا في ذلك الوقت بقصص الرومانس الغربي، التي تحمل من الخيال  مالا حدود له." وأكد العاني " أن المرحلة الثانية من نتاجات السيد الادبية كانت اكثر وعياً فنيا وفكريا، وكانت ريادة السيد في القصة ريادة فكرية وفنية، وهذا ما نلمسه في رواية "جلال خالد " التي كانت ملخص رواية ولم يكن للسيد استعداد نفسي لكتابة رواية مطولة، ولو اردنا شخصا يكتب برنامجا سياسيا لكتب جلال خالد لانها ناقشت موضوعات اقتصادية واجتماعية وسياسية." كل القصص التي كتبها السيد  في بداياته كانت مصادرها من اقوال الناس السائدة، وكأن مادة قصص السيد من هذه الموضوعات، أما في المرحلة الثانية فقد تحول وكانت قصة "بداي الفايز "واقعية حديثة، حيث أسست لمذهب جديد في الفن والادب وكانت ناضجة فنيا، وتظهر دوافعها بشكل فني جيد، كما انها تؤكد على نزعة انسانية، بذلك نجد ان وعي السيد جاء مع تطور تياراته.جلال خالدالحديث طويل عن السيد، فلم يجد الكاتب والناقد الدكتور نجم عبد الله المزيد ليضيفه، لكنه فضل الحديث عن الجانب الروائي والادبي للراحل، تاركاً تعقيبا على رأي الدكتور شجاع العاني، ويقول عبد الله " سأضيف ملاحظة جزئية  للتعليق على اشارة للدكتور شجاع عن محاولات السيد الاولى وما ينقصها، فيجب أن نذكر أن عمر السيد في مرحلته الاولى كان ما بين16 و17 عاما ولم نكن ننتظر منه اكثر من ذلك." فالريادة كما يفصلها د. نجم عبد الله تقسم الى ثلاث مراحل، بداية تاريخية، ومرحلة انضاج، ومرحلة فنية، وكانت ريادة السيد ريادة تاريخية، لا غبار عليها، رغم أن وفق الضوابط التاريخية يجب أن ينال الريادة ايضا الكاتب سليمان فيظي الذي سبق السيد تأريخيا، ولكن هذا لا ينفي ان ريادة القصة والرواية تعود لمحمود السيد. أما عن رواية"جلال خالد" عام 1928 فيذكر عبد لله " أعتقد انها اهم واقعة في تاريخ الثقافة العراقية لانها البدء الحقيقي للانضاج الادبي الروائي، فالسيد لم يكتب رواية ناضجة، وكانت البدء الحقيقي الذي يوصل الى فرمان والآخرين، واشتملت على ثلاثة امور تعطيها اهمية وهي تتعلق اولا"بوعي الكاتب وفهمه ونضجه"." ويضيف عبد الله "  ثاني هذه الامور هو ان السيد فهم القصة والرواية على انها محدودة ويجب ان يكون هنالك مسار حدث، ولكن الرواية ليست حدث فقط، بل هي معالجة وفن وبناء وما الى ذلك، الثالثة هو التأثر بما سماها القصص الروسية الشعبية التحليلية وكذلك الفرنسية ودعا الكتاب للحذو حذوه بهذه الكتابات."السيد ينقد ذاته من خلال مقالة يستذكر الكاتب شكيب كاظم الروائي الراحل، ليذكر  " ان أول مرة يطرق فيها اسمه ذاكرتي حين قرأت مقالة "محمود السيد رائد القصة القصيرة في العراق" نشرت في مجلة الآداب البيروتية كتبها علي جوادالطاهر ، وهذه المقالة والقسم الثاني منها نشرت تمهيداً للكتاب الذي اوقفه الطاهر عن النشر وهو عبارة عن دراسة للنتاج الابداعي للسيد الذي يحمل عنوان ( محمود أحمد السيد رائد القصة الحديثة في العراق) ."وكان الكتاب جزءاً من مفردات منهج كلية الآداب بداية العقد السبعيني من القرن العشرين، ويقول كاظم عن لسان الطاهر" فضل الريادة هذا المبدع " اي محمود احمد السيد " الذي تخرمه الموت سراعا وهذا ما يجعلنا نعجب على الاصرار على الكتابة ."وعن لسان السيد، يكتب الطاهر، ويقرأ كاظم قائلا، فيقول السيد " نحن نحرث في مجال الرواية في ارض بكر ، وكثرة المثبطات حيث واجهت كتاباتي السخرية، فقوبلت كتاباتي بالسخرية والهزء، فطالما تشوقني نفسي لكتابة الروايات لكنني لم أجد من يشجعني.  كما نقد السيد ذاته  في ما كتبه في المرحلة الاولى من نتاجاته وقال "ليت الظروف كانت كسرت يدي قبل ان اكتب هذه الروايات الفاسدة والسخيفة."ولادة فن جديدليختم الدكتور داود العنبكي حديثه عن السيد قائلا"محمود أحمد السيد كرأي فني أكبر من موهبته وهو رأي جميل يدل على وعي ناضج لناقدنا الراحل، ولكني أقول ايضا ان هذا الرأي وان كان دالا على وعي ناضج لكنه لايصدق كثيرا على محمود احمد السيد لاني ارى انه لن يصغي الى حقيقة نقدية ادبية تقول لايمكن ان نضع السيد في موقعه الابداعي الحقيقي إن لم نستحضر المرحلة الزمنية التي عاش فيها والظروف التي احاطت به، حيث ان فن الرواية والقصة آنذاك كان فنا جديدا ولم يتح لكتاب الرواية والقصة ان يكتبوا نصوصا جديدة، وهنالك حقيقة اخرى تتصل بالثقافة العراقية وهي ان ثقافتنا العراقية كانت ثقافة شعرية بالاساس وكان الشعر يحتل المنزلة العليا وكان القص والسرد ينال الاحتقار والرفض من القارئ والمتلقي وهذه النظرة استمرت زمناً ."

شارك الخبر على