«الجمال الصافى» قراءة فى كتاب «أجمل نظرية»

أكثر من ٧ سنوات فى التحرير

سأحاول فى السطور القادمة أن أعرض واحدا من أجمل وأمتع الكتب العلمية التى قرأتها، والذى طبع منه عدة طبعات فور صدوره عام 2014 وحقق مبيعات كبيرة وترجم للغات عدة. وصف الكتاب بالعملية ليس دقيقا، فهو كتاب مبدع يتكلم عن الكون وقوانين الفيزياء بحس فلسفى، وأعتقد أن هذا الحس الفلسفى هو المناسب لهذا النوع من الكتب التى تتجاوز فكرة التفسير إلى الحيرة والتساؤل عن مصير هذا الكون والإنسان والحضارة. اسم الكتاب "أجمل نظرية" وله عنوان فرعى "سبعة دروس موجزة فى الطبيعة"، للفيزيائى الإيطالى كارلو روفيللى، الأستاذ فى جامعة المتوسط بمارسيليا، ومن ترجمة وتقديم الفنان عادل السيوى، الذى قدَّم الكتاب بـ"أسئلة تمس الأبعاد الأساسية فى وجودنا، أسئلة عن طبيعة الزمان والمكان والمادة، ثم يأتى سؤال بالغ الأهمية فى نهاية الكتاب: ماذا عنا؟ من نحن وسط هذا العالم، نحن بأجسادنا التى صنعت من نفس مادة الكون؟".

الجمال الصافى

يضع المؤلف نظرية "النسبية العامة" لأينشتاين مع قداس موتسارت الجنائزى مع إلياذة هوميروس، مع لوحة مايكل أنجلو عن القيامة فى الفاتيكان، مع الملك لير لشكسبير، وجمالها يأتى من كونها "إبداعات مطلقة" "تتطلب منا جهدا كى نلمس عمق أسرارها (...) ولكن بعيدا عن الدراسة والفهم هناك ما هو أولى، إنه الجمال الصافى لهذه الإبداعات (...) هى أعمال تزود أعيننا بنظرة جديدة وتفتحها على آفاق لم تطلها من قبل. لأنها تجدد نظرتنا، والنسبية العامة واحدة من تلك الروائع الإنسانية النادرة".
الجمال الذى يقصده المؤلف مرتبط بالغموض الذى يُفك عبر الزمن الطويل والاكتشافات المتواترة، أو الغموض الذى يظل غموضا كقطعة حية ونيئة من الحياة والكون. هذا النوع من الجمال الغامض يظل آسرا لأننا لا نعرف سر تعلقنا به، وتفاعله معنا.
لقد تسلل "الغموض" أيضا للفيزياء الصارمة من خلال قانون الاحتمالات، ومن ورائها تسلل الجمال، والحس الفلسفى. لا يوجد شىء مؤكد حتى الآن، ربما هذا الغموض الذى يلف الكون هو الذى يمنح الاكتشاف جماله، كأنه نقطة ضوء داخل ظلام، إزاحة الستار عن جزء من جسم الغموض. ولكن هذا الاكتشاف أيضا سيؤدى إلى غموض جديد، فلن ينجلى الكون مهما أوغلنا فى الزمن، لأن قانون الاحتمالات قائم وهناك مُركب معقد بل شديد التعقيد يصعب كشفه والوصول لنهايته وتبسيطه مهما اكتشفنا من جمال: اسمه الكون!

نظريتا النسبية العامة وميكانيكا الكوانتم

يحاول الكتاب أن يستعرض نظريتين أساسيتين يتصفان بهذا الجمال وبتأثيرهما على فتح آفاق جديدة للبشرية فى القرن العشرين، الأولى كما بيَّنا "النسبية العامة" لأينشتاين  ونظرية "ميكانيكا الكوانتم" للعالم الدنماركى نيلز بوهر. والغريب أن النظريتين متعارضتان، ورغم ذلك حققتا نجاحا كبيرا، ربما يعنى هذا أن هناك اتفاقا خفيا يجمع بين النظريتين، حاول علماء الفيزياء أن يصلوا إليه. هل يعنى هذا أن الاختلاف يعود لأصل واحد خرجت منه العناصر والقوانين؟ أم يعنى أن التعارض جزء أساسى من صيرورة الكون ووجوده، يوضح أن هناك أصولا عدة لمادة الكون وعناصره.
 
تقوس المكان 

من الأسئلة الجانبية للكتاب التى يؤكد عليها، أن هناك سلسلة متعاقبة من العلماء الذين يراجعون ويطورون ويصححون نظريات بعضهم وبعض. وأننا نعيش أحيانا ضمن نظرية، أو تصور عن العالم، بها الكثير من الأخطاء، ورغم ذلك لا تتغير طريقة معيشتنا، ولا يسهم هذا الخطأ فى تعطيلنا واستمرارنا فى الحياة، كأن العلم يسير فى مسار ليس هو مسار الحياة وإن تقاطع معها أحيانا. وربما له مكان لا نلحظ فيه الخطأ بطبيعتنا البشرية. وهو يمثل فقط أحد مراكز فهمنا للعالم بجانب الحدس والخيال والتنبؤ التى تشكل المراكز الأخرى. كأن الكون الذى يكتشفه العلم، الإنسان، والأرض؛ جزء ضئيل فيه بمعنى الكلمة. عشنا مع سقوط تفاحة نيوتن، وعاش من قبلنا مع مركزية الأرض وليس الشمس.
فالجاذبية التى أكدها إسحاق نيوتن، جاء أينشاتين ووضعها فى سياق آخر. فلقد فسر نيوتن الكون بعلاقات تجاذب بين مفرداته وكواكبه، هى التى تحفظ تماسكه داخل الفراغ، أو ذلك "الصندوق" المتخيل الذى يُحفظ داخله الكون. أما أينشتاين فلقد ذهب بعيدا، فقد تساءل عن تلك المادة التى صنع منها الفراغ "الفضاء، ذلك الفراغ المحايد ليس فارغا، إنه حقل للتجاذب، هذا الحقل الذى يحمل قوة التجاذب هو الفراغ بعينه، الجاذبية والمكان إذًا نفس الشىء". ليصل إلى فكرة أن الفراغ "ليس شيئا مختلفا عن المادة، وإنما هو جزء من المكونات المادية للعالم، إنه كيان يتموج وينحنى ويتقوس ويتلوى". 
وهنا يصل أينشتاين للفكرة الأعمق والتى حاول أن يجيب عنها فى البداية تعارضا مع جاذبية تفاحة نيوتن، "أن الأشياء تسقط لأن الفراغ ينحنى". كأن هذا الانحناء، أو التقوُّس، هو السبب فى حركة الأشياء وموتها، فالذى يسقط يخرج عن هذا القوس الذى يشكل بيت الكوكب، يتداعى خارجه. فدوران الأرض حول الشمس مثلا سببه انحناء جدران الفراغ الذى قوسته الشمس "الشمس تقوِّس المكان الذى يلفها، والأرض لا تدور حولها؛ لأنها منجذبة بطاقة غامضة إليها؛ وإنما لأنها كانت تركض فى خط مستقيم فى فضاء قوَّسته الشمس، مثل بلية صغيرة تدور داخل قمع كبير". 
إلى أن يكتشف عالم آخر ويضع قانونا لقياس معامل تقوس الأشياء، حتى الفراغ. وهذا ينطبق على الأرض والكواكب، فبسبب هذا التقوس "لا يتوقف الأمر على دوران الكواكب حول النجمة، وإنما يتوقف الضوء أيضا على السير فى خطوط مستقيمة، ويبدأ هو أيضا فى التقوس". فهذه المجموعات السابحة فى الفضاء يخضع دورانها لهذا الجدار الأملس الداخلى للقمع، الذى تنزلق فوقه بسهوله.

تقوُّس الزمان

ثم تأتى الضربة الكبرى، فهذا التقوس الذى طبقه أينشتاين على المكان، أراد له أن يطبقه أيضا على الزمان، يقول المؤلف "إن الزمن هو أيضا يتقوس". وهو ما اكتشفه أينشتاين فالزمن يسير بسرعة فى الأعلى وأبطأ فى الأسفل، فالذى عاش فى الأعلى سيصبح عمره أكبر من الذى عاش فى الأسفل، تتسارع مادة الزمن فى الأعلى وتتباطأ فى الأسفل. وأن النجم المحترق "يتهاوى منهارا تحت ثقله الذاتى جاذبا معه الفراغ بقوة فيتقوس وينحنى الفراغ مدفوعا بقوة الانهيار لينتهى داخل ثقب حقيقى ويتولد بذلك ما اصطلح على تسميته بالثقب الأسود". كأن هناك غلالة رقيقة يخترقها هذا النجم المتهاوى فيسبب فيها ثقبا بعمق ثخانة هذا الغلالة المحيطة بهذا الكوكب.  
وحول سحر وغموض "نظرية النسبية" يقول المؤلف "ترسم لنا نظرية أينشتاين عالما ملونا ومدهشا حيث تتفجر أكوان، ويغوص المكان داخل ثقوب سوداء لا يمكن الخروج منها، إنها صورة لزمن يتباطأ عندما يقترب من سطح كوكب ما، بينما يتموج الفضاء الشاسع الممتد ما بين النجوم كسطح البحر".
ما معنى أن ينحنى الفراغ الذى يتعلق داخله كوكبنا، فيمكن فى أى لحظة أن ينزلق وينهار ويكون أحد الثقوب السوداء. الفراغ ليس خطا مستقيما، بل منحنى أملس تنزلق من فوقه الأشياء التى تفقد قدرتها على الدوران. كأن الفراغ مكان، فليس هناك زمن، بل مكان يتبدى بأشكال مختلفة. حتى المكان نفسه، كما سنرى، غير موجود إلا بإحداثى ما: صدام، احتكاك، تجاذب، يمنح ما يشغل المكان تبديه وظهوره. 
يؤكد المؤلف "المكان والفضاء ليس مسطحا وإنما جسم مقوس. وإذا كان نسيج الكون ذاته هو امتداد لذلك الرذاذ الهائل من المجرات، فعلينا أن نتصور أن هذه المجرات بدورها تتحرك على شكل موجات تشبه موجات البحر وأنها قد تثور بقوة وتتباعد فتخلق فجوات يصعب قياسها، وهذا ما نسميه بالبقع السوداء". 
وفى مكان آخر فى الكتاب يذكر بقوة "ليس هناك فراغ أصلا، الفراغ الكامل محض افتراض". فهناك جسيمات صغيرة تتدافع داخل أى حيز، هذا العالم الذى صاغته لنا ميكانيكا الكوانتم، ونظريات الجسيمات. أى قوانين موسيقية تلك، هذه التى تحرك المجرات كموج البحر، وهذا الثوب الرقيق، الذى يلبس جسم الكون، الذى يتحرك وينجذب ويتمدد ويتلوى ويُثقب؟

مسار الانفصال

يوازى مفهوم الانحناء للفراغ مسار آخر، يتمرد أيضا على الخط المستقيم. بجانب الكون والفراغ هناك أيضا شعاع الضوء، برأى بوهر، ليس مسارا متصلا، بل عبارة عن "كوانتمات الطاقة التى تأخذ موقعها فى الفراغ". فالأشياء مكونة من جزيئات كتل منفصلة، وليست متصلة كما يعتقد أينشتاين، وكما سيثبت لنا التاريخ أن التقدم ليس خطا مستقيما، بل يتخلله فجوات قد نسقط فيها ونعيش دون أن نشعر بأننا خارج لحظة الحركة والتقدم للأمام، دون أن نشعر بثبات الزمن والمكان، أو بفقدان هويتنا وجاذبيتنا الشخصية. ويمكن أيضا، على العكس من هذا، أن نشعر، داخل هذه الفجوات، بفقدان جاذبيتنا وثباتنا وهويتنا والمركز الذى يمنحنا الاستقرار وأحاسيس الاتصال والأبدية والخلود. كل هذا يمكن أن يحدث داخل هذه الفجوات التى تربط بين زمنين أو مكانين، تعبر خلالهما الحياة، من الماضى للمستقبل.
عند قراءتى لهذا الكتاب، وإحساسى بمدى ضآلة الأرض ومجرتنا داخل هذا الكون الذى نعيش فيه، وبالتالى مدى ضآلتنا كبشر، شعرت بأن كل هذه الانسحاقات والانضغاطات  لا يرد لها الاعتبار والتمدد مرة أخرى؛ أكثر من الأديان، الذى تنفخ فى الإنسان وتضعه ملكا على العالم والكون وتربطه بأصل كل الأشياء، بل وتمنحه معرفة بها كأنه كان حاضرا لحظة البداية التى يبحث عنها العلم، بل يشكك فى وجود بداية واحدة، بل بدايات ونقاط أصل عديدة. 

وهم مرور الزمن

فى نظريتى "النسبية العامة" و"ميكانيكا الكوانتم" هناك تلاعب بمفهومى المكان والزمان المستقرين داخل حواسنا وإدراكنا. كأن الزمان وهم من ابتداعنا نحن البشر لأننا فانون، فقط اخترعنا الزمن لنبحث عن أبديتنا الخاصة على الأرض، بينما العلم لا ينظر أساسا لهذه الأبدية ولا يفكر فيها وليست من ضمن أولوياته، إنه عدمى يحطم أى وحدة كبيرة ويحولها إلى جزيئات صغيرة، بلا إيمان أو حتى طموح فيه. حتى الإلكترون، أحد مكونات النواة؛ اعتبره العالم هاينزبرج ليس جسيما موجودا دائما، هو موجود وغير موجود فى آن، موجود فى لحظة اصطدامه أو علاقته بجسم آخر يفقد من خلاله أو يكتسب طاقة تحركة فى مدار جديد، فى هذه اللحظة تظهر هذه الوحدة الصغيرة المسماة "الإلكترون"، وإن لم يجد ما يصطدم به يختفى ويزوى ويظل فى الخفاء. 
كم من الأشياء تظل داخل هذا "الخفاء" غير مرئية وغير متحققة، تنظر لحظة خروجها للنور؟ كم من الأفكار التى لم تعش إلا داخل فكر أصحابها وماتت مع موتهم، لأنها لم تجد علاقة تشتبك معها لتظهرها؟

حبات المكان

كما ذكر المؤلف من قبل هناك تعارض بين نظرية "النسبية العامة" لأينشتاين و"ميكانيكا الكوانتم" لبوهر، واللتان قدمتا، بالرغم من هذا التعارض، إسهامات للعديد من العلوم وتقدمها، ولكن من يقبل بواحدة يجب أن يرفض الأخرى! فـ"نظرية النسبية" تفترض أن "العالم مكان مقوَّس حيث الكل فى جسد متصل" أما نظرية "ميكانيكا الكوانتم" فتفترض أن "العالم نفسه فراغ تتقافز داخله طاقة كمية هى طاقة الكوانتم". 
كلتا النظريتين على حق كما يوضح المؤلف، ويحاول العلم الآن حل التعارض بينهما. وما تقترحه النظرية الجديدة التى توفق بينهما أن "المكان ليس جسدا متواصلا، وليس قابلا للتقسيم إلى ما لا نهاية له، وإنما يتكون من حبيبات، أو بعبارة أخرى ذرات من المكان، متناهية فى الصغر". 
تفترض نظرية الحلقات "Loops" "أن المكان يتكون من حبيبات مستقلة ولكنها تتواصل فى شكل حلقى" . يصرح بعدها المؤلف بهذا التصريح الخطير المستخلص من نظرية الحلقات "حبيبات المكان ليست موجودة فى أى جزء، ولا توجد فى مكان ما، لأنها هى المكان نفسه، والمكان مصنوع من التفاعل المتبادل بين كوانتمات مفردة تتجاذب فيما بينها، وبهذا نعود لنشاهد العالم بوصفه علاقات أكثر من كونه عالما من الأشياء".
توغل هذه النظرية فى التطرف، فكما "تتقادم فكرة المكان المتصل، الذى يضم داخله أشياء العالم، تختفى بالمثل فكرة الزمان، الزمان الأولى والبدائى الذى يجرى مستقلا عن الأشياء. معادلات النظرية التى ترسم حبيبات المكان والمادة معا، لا تحتوى بعد على ذلك المتغير الذى نسميه "الزمان"، وهذا لا يعنى أن الزمان ساكن ولا يتحرك، أو أن التغيير ليس واقعا، على العكس فالنظرية ترى أن التغير هو الحالة الأصلية. "فخارج التفاعل لا يمكن رصد الزمن، فالزمن يتولد من العلاقات"، "فلم يعد هناك زمان تقع عبر مساره الأحداث، لدينا فقط عمليات أولية تتفاعل خلالها كوانتمات المكان والمادة فيما بينها بلا توقف".
يضيف الكاتب مفسرا المكان الذى يخرج منه الزمن، من داخل الألم وليس مستقلا عنه من خارجه "سريان الزمن يتم داخل العالم ويتولد من داخل العالم نفسه، من العلاقات بين وقائع كوانتمية، هذه الوقائع هى مادة العالم، وفى الوقت نفسه مصدر تولد الزمان".
أتساءل: هل هناك مكان تسارع فيه الزمان وانتهى، وما زلنا نحن نشاهد ببطء هذه النهاية التى انتهت، والوقائع التى وقعت؟ كأننا نشاهد فيلما معادا بحماس رؤية النسخة الأولى، وكل ما نعانيه ونكتشفه حدث منذ زمن مختلف عن زمننا، كما كنا نضغط نصف ضغطة، بالخطأ، على زر الكاسيت، فتظهر النسخة السريعة من الشريط، الذى لا نفسر شيئا من سرعته. ولكن يبدو أننا استمعنا للنسخة البطيئة عندما تفرغ البطاريات، تتلوى ببطء الحروف والأصوات وتتفكك تماما. 

السكن فى الزمان

يتساءل المؤلف "ماذا يكون إذًا مرور الزمن؟"، "ما الحاضر؟ يلجأ فى هذه اللحظة لأعظم فلاسفة القرن العشرين علاقةً بالزمن "وضع هيدجر مسألة الزمن فى القلب من أفكاره، وألقى الضوء بقوة على (السكن فى الزمان)". 
يضيف "ولو افترضنا أن ليس هناك زمان يمضى، سيكون علينا أن نقبل إذن، أن اللحظة هى كتلة واحدة من الماضى والحاضر والمستقبل معا، ولكننا ككائنات مدركة نسكن داخل الزمان، ونسكن داخله لأننا لا نرى ما هو خارجه، ولأننا نتعامل مع مشهد غائم للعالم". 
ثم يفسر أهمية هذه الغيوم التى تحجب شيئا "من هذه الغيوم التى تحجب عنا العالم يتولد إحساسنا وإدراكنا لمضى الزمان ومرور الوقت". فهذا الشىء المحجوب هو الزمان، أو فعل الحجب نفسه يشير لإدراكنا لمرور الوقت، وتعيينه بقياس ذاتى. كأن الشىء المكشوف يلغى العلاقة مع الزمن، أو يسطحه تماما.

هذا الركن الصغير من الكون

نعود لموقعنا فى الكون فى الفصل الأخير من الكتاب المعنون بـ"وفى النهاية: نحن"، والذى يعتبر مرثية حميمة أيضا لحضارة على وشك الأفول، ليس بسبب قوة الصراع، بل لأنه لا يوجد ثبات داخل الطبيعة وعلاقات الكون التى تتحرك وتتبدل باستمرار، يكتب "هويتنا الإنسانية هى جزء من الطبيعة، فهى طبيعتنا، إنها أحد الأشكال التى تجسدت بها الطبيعة هنا وفى هذا الزمان فوق كوكبنا". 
يضيف، ساحبا منا كبشر ومن كوكبنا، الاستثناء والتفرد والتميز الذى منحته لنا الأديان والأنانية ورغبة الخلود "من السذاجة أن نعتقد أنه فى هذا الركن الصغير من الكون، فى تلك الضاحية الصغيرة داخل مجرة من أتفه المجرات لا بد وأن شيئا استثنائيا قد وقع. الحياة فوق الأرض ليست سوى لقمة صغيرة فيما تقدمه مائدة الوجود الكونى الواسع، وأرواحنا ليست بدورها سوى تشكّل محدد من تشكّلات الطبيعة". 
ثم يضيف بنبرة تشاؤم حميمى حول مصير نوعنا الإنسانى: "لا أعتقد أن نوعنا الإنسانى هذا سيعمر طويلا، (....) ننتمى كبشر إلى نوع حيوانى قصير العمر". 
ثم يضيف متنبئا بالثقب الأسود الذى ستدخله حضارتنا "نحن الجنس الوحيد الذى يدرك بوعى كامل مسألة حتمية موته الشخصى وفنائه كذات. وأخشى أن أقول إننا ربما سنصبح قريبا الجنس الوحيد الذى شاهد بوعى فناءه، أو إذا كتبت له النجاة، فسيكون النوع الوحيد الذى تابَع بوعى نهاية حضارته".
شكرا لمؤلف الكتاب على حسه الفلسفى النادر، وكذلك شكرا للمترجم الفنان عادل السيوى على هذا الاختيار النادر أيضا.

..................................
أجمل نظرية -سبعة دروس موجزة فى الطبيعة- كارلو روفيللي. ميلانو - إيطاليا 2014. الطبعة الأولى - دار "بعد البحر"، ترجمة وتقديم عادل السيوى- القاهرة 2015.
كل العبارات الموضوعة بين مزدوجتين هى كلمات المؤلف.

ذكر فى هذا الخبر
شارك الخبر على