حرية بيرم وعبودية والي

over 9 years in أخبار اليوم

في أوائل التسعينيات كنت أعمل بمجلة» آخر ساعة» فترة رئاسة تحريرها بقيادة الراحل الكبير وجدي قنديل رحمه الله،وكان هناك تحقيق صحفي أو ملف يتم عمله عن مشاكل الزراعة المصرية حينها،وفي أخطر جزئيات الملف تناول المحرر موضوع الخبراء اليهود ـ وقتها ـ الموجودين في مصر وكان الرقم المهول «17» ألف خبير يهودي يعيثون فسادا في أراضي مصر الزراعية قديمها ومستصلحها برعاية وزير الزراعة وقتها يوسف والي..وبعد مراجعة الموضوع وإعداده ضمن الملف لم ينشر بتدخلات فوقية لأنه كان الجزئية الأخطر في الملف!
وفي عام1996 كنت في مهمة صحفية لتغطية مؤتمر زراعي وكانت رحلة الذهاب إلي المؤتمر بالعريش برفقة مجموعة من أساتذة الزراعة بالجامعات المصرية ومعظمهم عمل بالأبحاث الزراعية بمركز البحوث الزراعية ،وقال لي هؤلاء الأساتذة الباحثون إنهم كانت تأتيهم تكليفات بالعمل في موضوع بحثي زراعي معين في إطار منحة من المنح الأمريكية ويعمل فريق البحث شهورا وشهورا حتي يصلوا لمرحلة بدايات النتائج ليفاجأوا بأوامر وزارية بوقف البحث والبدء في بحث آخر بمنحة جديدة..وليعرفوا بعد ذلك أن بحثهم الأول يؤتي ثماره في أمريكا وإسرائيل !
هكذا تم تجريف الزراعة المصرية  وقتها وضرب غذاء وكساء المصريين ـ واستمر للأسف ـ حصار السلع الاستراتيجية في الوادي القديم والأراضي التي يتم استصلاحها وتتحول الأراضي المصرية إلي حقول تجارب للمحاصيل الجديدة التي غازلت أحلام البسطاء من الفلاحين بمحاصيلها السريعة عالية العائد مثل الفراولة والكنتالوب والتفاح ويموت القطن ويقل القمح والذرة والأرز وتنوء الأرض بأمراض جديدة من البذور وارد اسرائيل وغيرها وتحتاج الأرض إلي مبيدات تناسب الأمراض الجديدة وبالطبع تأتي المبيدات من البلد الذي يصدر إلينا البذور لتتحول امراض الأرض إلي الإنسان المصري من المبيدات المسرطنة ،ولتتفشي الوبائيات تنهش أكباد وقلوب وكلي المصريين،لنتصدر دون فخر قائمة العالم في وبائيات الكبد والكلي.
 وهكذا وصلنا بمساحة القطن المصري من مليوني فدان وقتها كانت تنتج أجود أصناف القطن علي مستوي العالم طويل التيلة إلي مائة ألف فدان هذا العام من القطن عديم الحيلة لتكتمل المؤامرة بإلغاء الدورة الزراعية انتهاء باتفاقية «الكويز» تحت ضغوط أمريكية. وتحولنا بفعل تجريف عهد مبارك وزير زراعته يوسف والي ميرزا إلي مستوردين للقطن من إسرائيل والهند وتكهنت مصانع النسيج المصري في المحلة وغيرها بفعل تخطيطات عاطف عبيد منذ كان وزيرا لوزارة قطاع الأعمال التي استحدثوها علي مقاسه ليقفز منها علي كرسي رئاسة الوزارة ويكمل مهمة بيع القطاع العام وتدمير صناعة النسيج المصري ونتحول إلي يتامي علي أبواب صناع النسيج من كل أقطار الدنيا.
يتذكر الكثيرون منا ويتحسرون علي ماض رددنا فيه مع ليلي مراد كلمات بيرم التونسي وهو يقول «مصر الحرة ولو تتعري ماتلبس مرة نسيج من برة..لا حرير بمبة ولا كستور»..ويتحول نداء «دور ياموتور «إلي شعار «غور يا موتور».ولنفقد معني الإحساس بالحرية في عُرف  بيرم التونسي إلا قليلا منا من نجمات السينما ونجومها الذين لا يعيشون آلامنا ،بفضل الملايين التي تعميهم عن الواقع ،وإذا بهم وبهن يطبقون فعلا مفهوم الحرية في عُرف بيرم ويفضلون الإطلال علينا في أعمالهم الفنية وبرامجهم الفضائية في منتهي الحرية بعد فقدان الأمل في أن تسترهم أو تسترهن «هدمة مصرية».
لا سامح الله من أخرجنا من حرية «بيرم» إلي عبودية «والي» ومن والاه!  
Saidelkholy50@yahoo.com

 

Share it on