البرلمان أمن قومي

أكثر من ٧ سنوات فى التحرير

لم يكتف السيد رئيس البرلمان الدكتور على عبد العال باعتبار المناقشات التي يعقدها أعضاء مجلس النواب في جلسات علنية بمثابة سر من أسرار الدولة وأمن قومي، وبالتالي كان في مقدمة الداعمين لقرار منع البث التلفزيوني الذي اتخذه فور انطلاق جلسات البرلمان قبل أكثر من عام، واعتبر ذلك القرار من أهم إنجازاته خلال العام الأول من رئاسته. ولكن الدكتور عبد العال أراد أن يسجل سابقة في تاريخ برلمانات العالم عندما أعلن أن ميزانية مجلس النواب كذلك أمن قومي، وذلك بعد أن كشف النائب المحترم محمد أنور السادات عن أن الميزانية تضمنت إنفاق 18 مليون جنيه لشراء سيارتين للسيد رئيس المجلس ونائبه.

فإذا كانت الحكومة تعلن الميزانية كاملة وبالتفصيل وتقدمها لمجلس النواب ووسائل الإعلام، فيما عدا ميزانية وزارة الدفاع وتفاصيلها، فما هو المنطق الذي يجعل من ميزانية مجلس النواب أمن قومي؟ هل معرفة المواطنين المصريين أن المجلس اشترى سيارتين بـ18 مليون جنيه، ونشر لوائح صرف البدلات والمكافآت لأعضاء مجلس النواب الـ597 بهما ما يمكن أن يستفيد منه العدو الإسرائيلي، مثلا، لاختراق أمننا القومي والإضرار بمصالح الوطن؟

نعرف أن خططنا العسكرية أمن قومي، وربما شراء أنواع معينة من الأسلحة أمن قومي، خاصة إذا كنا حصلنا عليها من دول غير الولايات المتحدة الأمريكية التي لا بد أن يقر مجلس نوابها ومجلس الشيوخ فيها كل صادرات الأسلحة للدول الأجنبية بعد مداولات علنية تغطيها الصحف من دون أن يتهمها أحد بالعمالة والخيانة والسعي لإسقاط مؤسسات الدولة. ولكن أن تكون ميزانية مجلس للنواب، الذي من المفترض أن يخضع لرقابة الناخبين لكي يحددوا درجة مسؤولية وكفاءة الأعضاء، كذلك أمن قومي، فهذا أمر يصعب فهمه وقبوله.

والأكثر إثارة للأسى أنني علمت من وسائل الإعلام أن مجلس النواب أصر لدى صياغة لائحته أنه من ضمن المؤسسات القليلة جدا في الدولة التي لا تخضع لرقابة الجهاز المركزي للمحاسبات، وأن هذا الأمر متروك لرئيس مجلس النواب إذا أراد الاستعانة ببعض خبراء الجهاز لمراجعة حسابات المجلس. وهذا الأمر ينافي أبسط قواعد الشفافية في دولة مفترض أنها تقوم على الفصل بين المؤسسات، وأن يكون هناك فوق كل مؤسسة رقيب على تصرفاتها المالية. وحتى رئيس الجمهورية، وفقا للدستور والقانون، سلطاته ليست مطلقة، ولا بد أن تخضع ميزانية الرئاسة ومؤسساتها للرقابة كما كل مؤسسات الدولة الأخرى.

ولكن يبقى الجانب الأكثر استفزازا على الإطلاق فيما كشفه النائب السادات هو أنه لدينا رئيس للجمهورية يقول لنا علنا "ده احنا فقرا اوي.. فقرا اوي"، ويدعونا صباح مساء للتقشف وشد الحزام ويضرب لنا مثلا بنفسه في القدرة على التحمل لعشر سنوات كاملة بسبب ظروف صعبة اكتفى خلالها بشرب المياه فقط، وفي نفس الوقت لدينا برلمان يشتري سيارتين لحماية رئيس المجلس ونائبه بمبلغ يكفي لبناء عدة مدارس ومستشفيات في بلد ارتفعت فيه نسبة من يعيشون تحت خط الفقر من 25 في المائة إلى نحو 35 في المائة في أعقاب قرارات التعويم الأخيرة وانهيار سعر الجنيه مقابل الدولار.

بالطبع الطريقة المبذرة، إن لم تكن السفيهة، في إنفاق أموال الشعب الفقير أوي لا تقتصر على شراء السيارتين للسيد رئيس مجلس النواب لحماية أمننا القومي. ولكن تشمل مظاهر أخرى عديدة كثيرة بداية من قناة السويس الموازية، والعاصمة الإدارية الجديدة، وما يسمى بمشروع الجلالة الذي وصفته القوات المسلحة التي تقوم ببنائه بأنه بأكبر مشروع ترفيهي يضم تلفريك وحمامات سباحة ومجمع سكني ملكي وتمهيد طريق وعر وسط الجبل، وكذلك السعي الحثيث غير المفهوم لتوقيع اتفاقية مع الروس لبناء مفاعلات نووية في الضبعة بقيمة تتجاوز العشرين مليار دولار. كما أن حكومتنا السنية الفقيرة ما زال عدد وزرائها يبلغ الأربعة وثلاثين، لكل منهم سيارات أمن قومي وحراسة أمن قومي ووجبات أمن قومي وبدلات أمن قومي.

السيد الدكتور عبد العال قال في تصريحاته الغاضبة ردا على ما كشفه السادات من أن تسريب هذه المعلومات ذات الصلة بالأمن القومي هي مؤامرة دنيئة خبيثة تقودها أطراف لها أجندات نعرفها جميعا وتهدف إلى إسقاط الدولة. فإسقاط الدولة كما نعلم يبدأ من حرمان رئيس مجلس النواب من سيارته الفارهة المصفحة. ولكن ما قاله ونؤيده بكل قوة هو "هذا المجلس اندفع فيه أموال كثيرة لإسقاطه، ونحن أغلى برلمان." بالفعل سيادة رئيس البرلمان، انتم أغلى برلمان، ونحن أفقر شعب.

في العام 2013، قامت رئيسة مالاوي جويس باندا ببيع طائرتها الرئاسية بمبلغ 15 مليون دولار لتمويل برنامج اجتماعي يهدف لتوفير الطعام للفقراء، ولم تقل وقتها إن احتفاظها بطائرتها الرئاسية الفخمة أمن قومي. أما في بلد العجايب مصر، فلقد أدلى أحد كبار قادة تحالف ما يسمى بدعم مصر في مجلس النواب بتصريح تدمى له القلوب مفاده أن بدلات النائب في مصر هي الأكثر انخفاضا في العالم مقارنة بالدول الأخرى وتصل بالكاد إلى ألف دولار شهريا. 

سيادة النائب الموقر نسي أنه وافق على قرض صندوق النقد الدولي الذي جعل قيمة الألف دولار نحو عشرين ألف جنيه مصري، ولم يطلع طبعا على أرقام الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء التي بينت أن نحو 35 في المائة من المصريين يعيشون بدخل لا يزيد على 500 جنيه شهريا.

يعيش الوزراء وليموت الشعب فقيرا. تعيش مشاريع رفع المعنويات القومية، وليموت الشعب فقيرا. يعيش الأمن القومي لرئيس مجلس النواب وليموت الشعب فقيرا. صحة الشعب ليست أمنا قوميا، وتعليم أطفالنا ليس أمنا قوميا، والحصول على مياه شرب نظيفة وسكن آدمي وطرق آدمية، ليس طبعا أمنا قوميا.
 

شارك الخبر على