المفوضة الأفريقية للطاقة والبنية الأساسية الجديدة بلدي تذكرتني بعد ٣٠ عاما

أكثر من ٧ سنوات فى أخبار اليوم

قبل ثلاثة ايام.. ولم يتبق سوى ٢٤ ساعة على انطلاق القمة الافريقية.. كنت وزملائى- من أعضاء الوفد الإعلامى المرافق للرئيس السيسى خلال زيارته الأخيرة للعاصمة الأثيوبية- على موعد بغير موعد مع مفاجأة بمنزل سفيرنا فى اديس أبابا.. سيدة تبدو ذات حيثية رغم انها وجه غير معروف بمصر.. ولم تتركنا لحيرتنا كثيرا وسرعان ما قدمت نفسها باعتبارها المرشحة المصرية لتولى منصب مفوضة الطاقة والبنية التحتية فى الاتحاد الأفريقى.. وبعد نقاشات حامية مع الجميع أدركنا ان فى التفاصيل تفاصيلا اكثر أهمية لنموذج شرف المرأة المصرية لأكثر من ثلاثين عاما من الكفاح معظمها بالقارة السمراء.. وعلى مدار ساعات تلت تلك الجلسة شاهدناها كثيرا فى أروقة مفوضية الاتحاد الأفريقى تتحدث مع الجميع بود اقرب للصداقة منه للإقناع بقبولها فى منصب حسمته من اول جولة.. لتصبح امانى ابوزيد خريجة هندسة القاهرة والحاصلة على درجات علمية متفاوته من هارفارد والسوربون المفوضة الأفريقية للطاقة والبنية التحتية الجديدة بالقاهرة

بعد حوالى ٢٠ دقيقة من جلسة الحسم التقت «الأخبار» د. امانى فى مقر إقامة الرئيس لتكشف قصة كفاح لامرأة حديدية.

 بعد التهنئة لها ولمصر على تلك الخطوة.. كان من الطبيعى ان يكون سؤالى الاول عن متى تتولين مهام المنصب الجديد؟

 ليس لدى أية تفاصيل حتى الآن لأن كل اهتمامى خلال الفترة الماضية كان منصبا على الانتخابات وهو ما استغرق منى وقتا طويلا وجهدا كبيرا، موضحة ان الامر يستغرق بعض الوقت لحين تولى مهام المنصب، وخاصة اننى لا بد أن انهى ارتباطات منصبى الحالى كمدير للموارد فى البنك الافريقى للتنمية

 متى بدأت فعليا بالتفكير فى خوض تلك المنافسة على المنصب وكيف استعددت له؟

لم تكن تلك الفكرة تخطر ببالى على الإطلاق، فأنا بالفعل اعمل فى منصب مهم فى بنك التنمية الأفريقى وأحب عملى به جدا لذلك لم أكن افكر فى شئ آخر، والفكرة كلها جاءت من الحكومة المصرية التى تواصلت معى، لخوض هذه المنافسة موضحين ان اختيارهم لى تحديدا جاء فى إطار بحثهم عن كفاءات بمواصفات وقدرات معينة لتولى هذا المنصب، على رأسها ان يكون المرشح على دراية كبيرة بالقارة الافريقية ومشاكلها المختلفة وطبيعة العمل بها، مؤكدين انه بعد البحث الدقيق ثبت لهم اننى تقريبا الشخص الوحيد الذى تنطبق عليه اشتراطات هذا المنصب.. وبالرغم من ان عملى فى البنك الافريقى رائع ومهامى به عظيمة جدا باعتباره جهة دولية مانحة ولها شأن عظيم، وعندما عرض على الامر حاولت الاعتذار وتوضيح اننى لا ارغب فى ترك عملى الحالى ولكن قيلت لى كلمة السر التى حسمت الامر وهى « مصر « على اعتبار انها مهمة قومية لخدمة بلدى وكانت إجابتى ان الامر حسم بذلك.

مرشحة أفريقيا

 بعد إبلاغك بهذا التكليف الوطنى وقبولك له.. كيف تحركت لحسم المنافسة؟

 هناك شقان من الخطوات تتم فى مثل هذه الحالات.. الاول هو الجانب التقنى الذى يتعلق بتوضيح الخبرات التى تؤهلنى لتولى هذا المنصب وما أفادنى فى هذا الجانب هو ان عددا ضخما من الوزراء وكبار المسؤولين الأفارقة يعرفوننى جيدا من خلال عملى فى بنك التنمية الافريقى، وبعضهم كانوا زملاء لى فى العمل، وعندما كنت اتحدث عن نفسى كمصرية وافتخر كنت ايضا احرص على إبراز اننى ايضا مرشحة افريقيا وتقدمى لخدمة القارة من خلال هذا المنصب ليس فقط وليد تلك المنافسة ولكن منذ فترة طويلة فأنا اخدم افريقيا منذ اكثر من عشرين عاما ، والشق الثانى هو الدبلوماسى والسياسى وهو امر ادارته باقتدار وزارة الخارجية المصرية بدبلوماسييها الاكفاء.

 تتحدثين بفخر عن عملك فى افريقيا رغم انك خريجة هارفارد والسوربون وبدأت حياتك المهنية فى شركة فرنسية عملاقة.. وجرت العادة ان من يمتلك مثل هذه الخبرات يتجه الى اعمال ومناطق اكثر جذبا؟

 النقطة الفارقة فى هذا الامر كانت عام ١٩٩٠، فأنا خريجة مدرسة فرنسية واستكملت دراستى الجامعية بكلية الهندسة فى جامعة القاهرة، لكن عندما سعيت لاستكمال دراساتى العليا باللغة الفرنسية لم يكن هناك جهة فى مصر تتيح ذلك سوى الجامعة الافريقية الفرانكفونية بالاسكندرية، وتحفظت فى البداية على فكرة الدراسة بجامعة أفريقية اقنعنى د. بطرس بطرس غالى الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة، وقال لى افريقيا هى المستقبل « وهتشوفى»، وبالفعل استقلت من عملى فى الشركة الفرنسية رغم اننى كنت قد وصلت الى مكانة جيدة، والجميع استنكر فكرة ان اترك عملا فى شركة كبيرة لاستكمال الدراسة، حصلت على اول ماجستير من الجامعة الافريقية فى ادارة الاعمال والمشروعات لهدف التنمية فى افريقيا، وهنا بدأت التعرف على قضايا افريقيا وتحديات التنمية بها، وحدثت النقلة فى حياتى لتتمحور حول افريقيا، ولذلك عندما كنت التقى الوزراء الافارقة هنا كان يندهشون ويقولون لى هم أخبرونا ان هناك مرشحة مصرية ولكن لماذا لم يقولوا انها امانى ابوزيد التى نعرفها جيدا، وهذا امر شرفت به وسعدت به جدا

الظهير الإستراتيجى

علاقتك بالعمل الافريقى بدأت من نحو ٢٧ عاما خلال هذه الفترة شهدت علاقة مصر بالقارة الكثير من التقلبات.. كيف رصدتيها؟.. وما تقييمك لما وصلت اليه الآن ؟

 عملى كان دائما فنيا.. لكن عندما كنت اتحدث مع اى مسئول عن افريقيا كنت كأنما اتحدث فى فضاء ، رغم ان افريقيا هى الظهير الاستراتيجى لمصر، فالأسواق بافريقيا وفرص العمل بافريقيا، وكنت أقول لهم قاعدين هنا بتعملوا وهناك فرص شاسعة فى افريقيا وهى ليست قارة فقيرة فهى غنية بموارد طبيعية فى كل مكان، وأصبحت جاذبة لأكبر الاقتصاديات فى العالم مثل الصين والهند والولايات المتحدة الامريكية وكافة الدول الغربية التى تتنافس على أسواق افريقيا، كيف نتجاهل هذه الفرص وكنت اشعر اننى وحيدة وأكلم نفسى، والطفرة حدثت خلال العامين الماضيين شاهدتها بنفسى كما لمسه الافارقة ذاتهم، وهم الآن منبهرون ليس فقط بعودة مصر لجذورها الافريقية ولكن ايضا بالشجاعة والقرارات الجريئة التى تتخذها القيادة المصرية، وهذا ما كنت اتمنى عودته وهو الدور الريادى لمصر فدورنا ليس فقط التعاون والاندماج، ولكن استعادة دورنا التاريخى فى افريقيا ،التى تنظر كافة شعوبها لنا بعظيم الاحترام، وكان يصعب على ان أرى تقلص دورنا فى فترة ما، وكنت احاول تعويض ذلك بمجهودى الشخصى رغم اننا كنّا مصريين قلائل يعملون فى افريقيا.

 فى تقديرك لماذا اعداد المصريين العاملين بالمنظمات الافريقية المختلفة محدودة رغم وفرة الكفاءات ؟

 المنظمات الافريقية ترحب جدا بالكوادر المصرية، ولكن للأسف الشعور والثقافة السائدة فى مصر فقط وليس كل دول شمال افريقيا غير إيجابية، ولسبب ما افريقيا ليست فى بالهم، ولديهم صورة اختفت من افريقيا فهى القارة الاكثر نموا فى العالم، ودول كثيرة بها متوسط الدخل يماثل الموجود بمصر، ولان أغلبية السكان فى القارة شباب فهناك اعداد كبيرة منهم رائعة ومتعلمون فى جامعات أوروبية وامريكية وعادوا لبلادهم لخدمتها، والصورة ليست كما يتخيل البعض وهو امر غير لائق ويجب علينا كأفارقة ان نمحيها، فهل نرضى كمصريين ان ينظر إلينا العالم حتى الآن على أننا شعوب تركب الجمال وتعيش فى الصحراء، فلماذا نسمح ان يصور أبناء قارتنا على انهم جميعا عراة جياع، وهو امر غير مقبول.

حاجه مشرفة

 تحدثت مع الرئيس قبل الجلسة الافتتاحية فى حوار استمر لدقائق.. فماذا دار خلال هذا اللقاء غير المرتب ؟

 وجهت الشكر له وقلت له اننى تم تكريمى كثيرا من العديد من زعماء العالم منهم الرئيس الفرنسى الأسبق جاك شيراك وملك المغرب وغيرهم، بخلاف الاتحاد الأوربى وجامعة هارفارد التى كرمتنى كقيادة للشرق الأوسط، ولكن تكريمى الحقيقى هو ترشيح مصر لى لهذا المنصب بغض النظر عن النتائج، فحين تحدثنا لم تكن الانتخابات قد اجريت، فهذا هو الوسام الأكبر والأعظم من بلدى التى كرمتنى وعلى رأسها الرئيس السيسى - وبلهجة اختلطت فيها الدموع بالكلمات قالت الدكتورة امانى لأول مرة بعد ثلاثين عاما بلدى تتذكرنى -، وجاء رد الرئيس بأنها «حاجة مشرفة وعظيمة»

 لم أكن اتخيل ان شخصية بقوتك من الممكن ان تبكى؟

 التعب لم يكن قليلا والمشوار ليس هينا، فأنا بدأت العمل وانا عمرى ١٨ سنة رغم اننى والحمد لله من أسرة ميسورة، لكننى أصررت على ان أتحمل المسئولية وقلت لوالدى انت أتممت مهمتك وتعليمى من الآن مهمتى انا، وبالفعل انفقت على نفسى من هذا السن رغم المصروفات العالية لكل الجامعات التى التحقت بها، وكنت ادرس بكلية الهندسة فى الصباح وادرس فى مدرسة المير دى ديو التى تخرجت منها مساء وانفقت كل دخلى على التعليم، ولم يكن هناك شئ بالساهل، وكل منافساتى كانت فى المحافل الدولية، ولذا عندما يقول احد لى ان ما وصلت اليه انتصار للمرأة العربية أقول لهم لا هو انتصار للمرأة المصرية والعربية، وأقول لهم دائما انا مستعدة للمنافسة مع الرجل، لان فكرة اختيارى لمجرد نوعى هو تقليل من قدراتى كامرأة مؤهلة، وحدث بالفعل ولكن بفضل الله وجهود والدىّ اللذين غرسا باب حب التعلم والنجاح هذا حدث، وعمرى كله كفاح.

واضافت بعد تخرجى جاءتنى فرصة للتعيين بأحد الوزارات من خلال الوزير شخصيا ولكننى رفضت وفضلت استمرارى بالعمل فى التدريس لحين العثور على الفرصة المناسبة وجاءت بعد تخرجى بعام عندما تلقيت اتصالا من الشركة الفرنسية الكبرى التى عملت بها، بعد ان التقيت مديرها الفرنسى الذى قال لى انه طلب الالتقاء بى شخصيا بعد ان اطلع على سيرتى الذاتية قبلها بعام، وأتذكر انه عندما شاهدت الأجهزة والمعدات الحديثة طلبت منه الاعتذار عن العمل لانها اجهزة بتكنولوجيا حديثة جدا ولم أرها من قبل، وعندما أوضحت له ان اعتذارى لأنى لا اعرف هذه الأجهزة ابتسم وقال لى اعرف انها لم تدخل مصر من قبل ولذلك اخترناك للتدريب عليها واعرف أنك ستتفوقين على الجميع وأصبح هو المشرف المباشر على وكان يضرب بى المثل للجميع، ولايمكن ان يجتهد شخص ولا يكلل جهده بالنجاح

 ما خطتك للعمل خلال الفترة المقبلة ؟

 يهمنى الاول التعرف على الاتحاد وخطة تطويره لان عملى له شقان الاول خاص بتطوير العمل الهيكلى فى المفوضية وعلى نطاق تطوير البنية التحتية والطاقة فلدى رؤية واضحة وما يهمنى هو استعادة المصداقية وإلا يكون الامر مجرد قرارات ومشروعات لا ترى النور فنحن نرغب فى ان يكون الاتحاد فعليا على نطاق الاسواق وفرص العمل بخبرات وكوادر أفريقية ، ولذلك يهمنى التعرف على خطة التطوير ولى أفكار ولا اريد استباق الأحداث حتى اتحدث على بينة وانا متفائلة خيراً لانه امر غير جديد على ولى بالفعل إنجازات وإسهامات قدمتها بالفعل للقارة السمراء

فارق كبير

بجانب عملك التقنى إنت من الناشطات فى مجال حقوق المرأة.. فهل سيكون لديك تحيز فى التعيينات بمفوضيتك؟

 بداية انا مهتمة بمكافحة التمييز على أساس الجنس، وهناك فارق كبير، فالامر فى هذه الحالة يعتمد على العدالة فمثلا كنت اعمل على مشروع لدعم تعليم الذكور بعد ان وجدنا انخفاض نسبة التحاقهم بالتعليم الثانوى عن الإناث فى دولة رائعة بالتعليم وهى تونس ، ومعيارى دائما الكفاءة بغض النظر عن النوع وبالطبع هناك معايير دائما فى التوازن من ناحية النوع والتنوع الإقليمى، فالتنوع فى حد ذاته ثراء ولا يمكن لأحد تخيل روعة العمل فى مكان متعدد الجنسيات، وانا الآن اعمل مع فريق من ١٤ جنسية وليست أفريقية فقط فهناك اوروبيون وأمريكيون ومن الأرجنتين والهند وكوريا الجنوبية، وانا حريصة على تنمية هذا الثراء وجميعه يَصْب لصالح العمل.

شارك الخبر على