أما آن للمصاحف أن تنزل من على أسِنَّة الرماح

أكثر من ٨ سنوات فى التحرير

منذ رفعها معاوية في معركة صفين بنصيحة من عمرو بن العاص في المعركة التي كاد يخسرها، وتفتت جيش علِيٍّ علَى أثرها وآلت الخلافة إلى معاوية لاحقاً، منذ هذا الوقت وقد عرف السلاطين والأمراء سرها الباتع، وهي -المصاحف- لم تنزل حتى الآن.

يستغلها السلاطين والأمراء لتعضيد حكمهم، وتسويغ سحق معارضيهم، وعلي كان مدركاً للخدعة، وقال المصحف كتاب مسطور بين دفتين لا ينطق بلسان ولكن ينطق به الإنسان. وأنه حمال أوجه، فكل طرف يريد أن يقاتل طرفاً آخر، يستنطق آية قتال الباغي، باعتباره أن الطرف المعارض له قد بغى.

أبو العباس السفاح عندما انتصر على الأمويين، وتولى الخلافة وجاءت البيعة استغل القرآن أيضا وقال: إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا. وقد كانوا يطلقون على أنفسهم أهل البيت، وأحياناً أهل عترته، على أساس أنهم أحفاد العباس بن عبد المطلب وولده ابن عباس، وأنهم أولاد عمومة الرسول، مع العلم أن الآية تتحدث عن نساء النبي، ولكنه أخذها من آخرها كما يريد أن يستنطقها، أن الطهر وذهاب الرجس عن أهل بيته ومن ضمنهم أهل عمومته، رغم أن بداية الآية توضح أن الحديث كان لنساء النبي وليس لنسبه بشكل عام.
(يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا (32) وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآَتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا). (33 - سورة الأحزاب).

وعلى مر العصور بقي الفقهاء والمشايخ بجوار السلاطين، ومن يعارض منهم يلقى أشد العذاب، ورأينا كيف نال الأئمة الأربعة العنت والتعذيب سواء مالك عندما أفتى بفتوى بعدم جواز طلاق المكره، وكان لها دلالات سياسية، لأن المدينة بايعوا على طلاق زوجاتهم إن نقضوا البيعة، فجلد عاريًا ومزعت يداه، بأوامر الخليفة أبو جعفر المنصور، وقصة تعذيب ابن حنبل وسجنه في عهد المأمون والمعتصم شهيرة، وكذلك أبو حنيفة، وهروب الشافعي من هارون الرشيد إلى مصر، حتى ابن تيمية مات سجيناً. حتى خبيب بن عبد الله بن الزبير التقي الورع المحدث، عندما روي حديثاً وهو: "إذا بلغ بنو أبي العاص ثلاثين رجلاً اتخذوا عباد الله خولا ومال الله دولا وكتاب الله دغلاً".

رآه عبدالملك بن مروان ضد الدولة الأموية لأن أبو العاص هو الابن الأكبر لأمية وهو جد عثمان بن عفان، أمر الوليد عمر بن عبد العزيز واليه على المدينة بجلده مائة جلدة، وسكب الماء المثلج عليه مما أرداه قتيلاً.

هكذا عرف الأمراء والسلاطين أن الدين لا بد أن يكون في خدمة السياسة لا ضدها، وحاولوا ترويض الدين لصالح السياسة على مر العصور، حتى نابليون عرف ذلك عن الشرق وحاول استقطاب المشايخ لصالحه.

والأزهر أنشأته الدولة الفاطمية ليكون في صالحها ويخدم عليها ولذلك نشأ شيعياً، وأهمله صلاح الدين وهمشه لأنه كان يراه شيعياً، ثم تحول الأزهر سنياً بعد ذلك وعادت له وجاهته، عندما أصبح في صالح السلطة الجديدة.

وفي العصر الحديث وتحديداً في عصر توفيق عندما كتب علي عبد الرازق كتابه الشهير "الإسلام وأصول الحكم"، وأنه لا علاقة للدين بأمور الحكم، وأن دور النبي عليه الصلاة والسلام بخصوص الحكم، لم يكن تشريعياً، ولكنه كانت ظروفا سياسية خاصة، لا تمتد إلى عصرنا، عندها تعنت ضده الأزهر وحاكمه ونزع عنه صفة علمية وهي العالمية ونحي عن منصبه في القضاء، كل هذا لأن توفيق كان يرغب في الخلافة بعد أن ذهبت عن تركيا وتحولت للعلمانية ومصر كانت الدولة الأكبر والمؤهلة لهذا المنصب، وجاء عبد الرازق، ليضرب حلمه في الصميم، وعندما خرجت فكرة الإخوان في البداية تم الترحيب بها، لأنها تعيد مفهوم الخلافة من جديد، بل جعلها البنا من الأصول رغم أن كل علماء السنة يرونها من الفروع، والشيعة هم من يضعونها في الأصول، ولذلك كان البنا قريباً من دوائر الملك سواء توفيق أو فاروق بعد ذلك، وبعد ثورة يوليو حاولت الثورة التحكم في الأزهر فصنعت وزارة للأوقاف تحت سيطرة الحكومة، وهي الأموال التي يصرف منها على الأزهر، وقلص من صلاحيات الأزهر، واستمرت علاقة الأزهر والأوقاف بالأنظمة السياسية اللاحقة، علاقة تنسيق، إلى أن مد السادات الخط على استقامته بدعم الجماعات الإسلامية والتي قتلته في النهاية، خاصة أنه بعد 67 رأى عبد الناصر أن العروبة قد سقطت، وأنه يجب مواجهة إسرائيل بالدين، ومنها دخل المؤتمر الإسلامي في 69 الذي قد كان رافضاً له وله وجهة نظر أنه ضد الجامعة العربية، وأن فيصل أنشأه لمناهضة الجامعة العربية، بعد الهزيمة نزل على رأي فيصل، وتوسط له للتصالح مع الإخوان المسلمين، وبدأت المفاوضات في عصر عبد الناصر، وأكملها السادات فقط ولم يبدأها، وإن كان هو عرَّابها في عصر ناصر.

ما زالت العلاقة قائمة حتى الآن حتى بعد أن ثارت مصر ضد حكم المرشد، فإن أفكار المرشد ما زالت تحكمنا.

تعجبت من مطالبة الرئيس لشيخ الأزهر تحويل إلغاء شفهية الطلاق إلى كتابته إلى قانون.

هنا خلط واضح، فهناك فرق واضح بين التأثيم والتجريم، فالجريمة والحقوق مهمة الدولة، والدولة لا ترتب حقوقاً على الطلاق الشفهي فهذا منطقي، إذا أرادت المرأة أن تطالب بحقوقها من نفقة ومتعة وغيرها، فعليها أن يكون معها ورقة رسمية بالطلاق أو الخلع إذا كانت لديها أطفال قصر تحت رعايتها، أما أمور الحلال والحرام، فللناس قناعاتهم، وإذا كان هناك آراء متعددة، فسيأخذ كل مواطن بما يراه ويعتقده هو حر وليس للدولة دخل بهذا الأمر، فالدولة ليست مذهبا فقهيا، والقوانين توافقية سواء أخذت بمذهب فقهي معين أو لم تأخذ، والحلال والحرام أمر فردي بين الشخص وربه سواء أحب أن يسأل شيخا، أو اجتهد رأيه، وليس للدولة دخل. ولا أدرى كيف سيتم صياغة مادة تلغي الطلاق الشفهي والدولة مالها أصلاً، يبدو أن بيننا وبين الدولة المدنية باعا طويلاً، ولكنها حرب فكرية يجب أن نخوضها حتى تضع أوزارها.

شارك الخبر على