أنتِ طالق ع الناصية

أكثر من ٧ سنوات فى التحرير

في ستينيات القرن الماضي، وتحديدا عام 1967، وقفت سيدة نوبية أمام أحد قضاة محكمة الأحوال الشخصية بأسوان، تطالبه بتطليقها من زوجها الذي لا ينفق عليها، وإذا بالزوج يُخرِج من جيبه قسيمة طلاق غيابي وُثقت منذ عام، فتنهار الزوجة وتقسم أنها لا تعلم بأمر طلاقها، وأن زوجها كان يعاشرها طوال هذه المدة معاشرة الأزواج!

هذه الدعوى شكلت في ما بعد أحد أسباب تحول القاضي الذي نُظرت أمامه، من المذهب الحنفي - السني، إلى المذهب الجعفري - الشيعي، بعدما علم أن الطلاق على مذهب الإمام جعفر الصادق، إمام الشيعة الإمامية الإثنى عشرية، لا يتم إلا أمام قاضٍ، وبوجود شهود ذوي عدل، مما يستحيل معه إتمام الطلاق الغيابي، الذي لم يفطن المُشرع المصري بعد إلى علاته!
فما شروط الطلاق في المذاهب الإسلامية؟ وما إمكانية الاستعانة بالفقه الجعفري، لتطبيق قانون يمنع الطلاق إلا أمام المأذون، كما طالب الرئيس السيسي، شيخ الأزهر؟ تعالوا نشوف..

اشترطت المدرسة الفقهية الجعفرية أن يكون المُطلِق زوجًا، بالغًا، عاقلاً، مختارًا، قاصدًا، مما يعني بطلان طلاق السكران، أو الذي لم يكن مدركًا لما يفعل أو يقول، بفعل سكر، أو نوم، أو مرض، أو أي ظرف عارض، في حين اشترطت معظم المذاهب السنية أن يكون الزوج عاقلاً بالغًا فقط، ولا يشترط أن يكون مختارًا، ولا قاصدًا، ولا واعيًا، فإن كان سكران وقع الطلاق، ويستثنى من ذلك المذهبان الشافعي والمالكي، اللذان اعتبرا طلاق المسكر باطلاً.

كما تعتبر المذاهب السنية أن الطلاق يقع في حالة كان الزوج هازلاً، كالذي يقول لزوجته ممازحًا: "أنتِ طالق"، وإن نطقها خطأ وليس متعمدًا يقع الطلاق أيضًا، فالذي يريد مثلاً أن يقول لزوجته: "أنتِ تاني" فيزل لسانه ويقول لها: "أنتِ طالق" تعد طالقًا منه. والعكس صحيح.. أعرف صديقة طلقها زوجها ثلاث مرات، وفي الثالثة ذهبا معًا إلى دار الإفتاء المصرية، لطلب المشورة من أحد مشايخها، فأقسم للشيخ أنه لم يقل لها: "أنتِ طالق"، ولكنه قال عمدًا: "أنتِ طارق"، فقال له الشيخ: "خد مراتك وروح"! وقد قررت بعد ذلك أن تكايده فلم تجبه طوال اليوم كلما ناداها باسمها، ولما سألها عن السبب قالت له "أنا مش سارة.. أنا طارق"!
أما عن طلاق المُكره، الذي أُجبر على تطليق زوجته بالضرب، أو الوعيد، أو أي نوع من أنواع تعذيبه، أو تهديده، فيعتبره المذهب الجعفري طلاقًا باطلاً، لأنه لا طلاق إلا لمن أراد الطلاق، ويتفق الشافعية، والمالكية، والحنابلة، مع الجعافرة في ذلك، في حين تعتبره الحنفية طلاقًا صحيحًا.

كما يستطيع الزوج في المذاهب السنية أن يقول لزوجته: "أنتِ طالق بالتلاتة"، فيطلقها ثلاثًا دفعة واحدة، وتحرم بذلك عليه، في حين أن المذهب الجعفري يعتبرها طلقة واحدة رجعيّة، ولا يعترف الجعافرة بمبدأ الطلاق بالثلاثة من الأساس.
أما عن صيغة الطلاق، فاعتبر أبو حنيفة ومالك وابن حنبل والشافعي أن الطلاق يصح بلفظه وأيضًا بالكنايات الدالة عليه، مما يعني أن الطلاق يقع إذا قال الزوج لزوجته "أنتِ طالق الشهر الجاي.. إنتي متحرمة عليا.. إلخ.." وإذا أقسم كذبًا "عليا الطلاق" يقع الطلاق، وإذا قال "تبقى طالق مني إذا حدث كذا" وحدث الشيء، يقع الطلاق أيضًا، كما قالت الحنفية أن الطلاق يقع بالكتابة، فمن كتب لزوجته أنها طالق أصبحت طالقًا منه.
ولا تشترط المذاهب السنية إشهادًا على الطلاق، في حين تشترط المدرسة الفقهية الجعفرية، إشهاد شاهدين على الطلاق، وإتمامه أمام قاض، كما سبق وأشرنا. ويُشترط أن تكون الزوجة في طهر لم يقربها زوجها فيه، أي بعد انتهاء الحيض، وقبل المقاربة، وإن وقع الطلاق في أثناء الحيض أو بعد المقاربة، اعتبر باطلاً.

ونستطيع، بتأمل كل ما سبق أن نلخص شروط الحنفية في الطلاق، في شرط واحد هو الزوجية، فللزوج الحق في تطليق زوجته في أي حال كان هو، متى شاء، كيفما شاء، بالعدد الذي يشاء، ما يعد شرطًا غير مقيد للرجل، مجحفًا للمرأة، ولكننا رغم ذلك لا نستطيع أن ننكر أن أبا حنيفة أفتى بأحقية الزوجة في أن تكون العصمة في يدها، فتطلق نفسها متى تشاء، في حين اعتبر أكثر الفقهاء أن الزواج الذي تكون فيه العصمة في يد الزوجة زواج باطل، لأنه مخالف لمقتضى العقد..

ولا بد هنا أن أوضح للقراء الذين شاهدوا مسرحية الهمجي، وتحديدًا المشهد الذي يطلب فيه ممدوح وافي من هناء الشوربجي حريته قائلاً: "طلقيني يا ناني"، قتقول له "بعينك مش هاطلقك"، وصدقوا مثلي في طفولتهم أن الزوجة التي في يديها العصمة، تملك -وحدها- قرار الطلاق كانوا واهمين.. العصمة في يد الزوجة يعني أنها تستطيع أن تطلق نفسها من زوجها متى شاءت، لكنه في الوقت ذاته يملك حق تطليقها ع الناصية.

شارك الخبر على