من التجارة إلى المناخ.. الصين تتحرك نحو الريادة

أكثر من ٧ سنوات فى التحرير

تعمل الصين في هدوء على بلورة طموحاتها في قيادة العالم من التجارة إلى التغيرات المناخية، بإبراز الاختلافات بين حزم الرئيس شي جين بينج في إدارة دفة الأمور وبين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي اتسمت أيامه الأولى بمشاحنات مع وسائل الإعلام واحتجاجات.

فقبل أيام فقط من تولي ترامب منصبه، وقف شي بكل ثقة في سويسرا، باعتباره المتحدث الرئيسي في المنتدى الاقتصادي العالمي في "دافوس"، ودافع بشكل شديدٍ عن العولمة، ونوه برغبة بكين في لعب دور أكبر على الساحة العالمية.

وحتى في قضية بحر الصين الجنوبي الشائكة، لم تسقط بكين في شرَك ما صدر عن البيت الأبيض من تصريحات هذا الأسبوع، عن "الدفاع عن الحقوق الدولية" في هذا الممر المائي المتنازع عليه، بل أنَّ الصين أكَّدت رغبتها في السلام، ووجَّهت نداءً متحفظًا لواشنطن، أن تحسب حسابًا لكل ما يصدر عنها.

وقال الميجر جنرال المتقاعد لو يوان، أحد الشخصيات المرموقة في الجيش الصيني، والمعروف عنه ميله للتشدُّد في العادة في مدونته هذا الأسبوع: "أنتم عندكم شعاركم أمريكا أولًا، ونحن عندنا مجتمع مصير البشرية المشترك".

وأضاف: "عندكم بلد مغلق وعندنا حزام واحد وطريق واحد"، في إشارة إلى برنامج طريق الحرير الجديد للتجارة والاستثمار، الذي تنفِّذه الصين، وهو مشروع يتكلف مليارات الدولارات.

ورغم أنَّ الصين قالت - مرارًا - إنَّها لا تريد القيام بالدور التقليدي الذي قامت به الولايات المتحدة في قيادة العالم، فقد سلَّم دبلوماسي صيني كبير هذا الأسبوع بأنَّ هذا الدور قد يُفرض على الصين.

وقال جانج جون المدير العام لإدارة الاقتصاد الدولي بوزارة الخارجية الصينية: "إذا كان هناك من سيقول إنَّ الصين تلعب دورًا قياديًّا في العالم، فأنا أقول إنَّ الصين ليست هي من يندفع إلى الصدارة بل إنَّ من هم في الصدارة يتقهقرون فيخلون هذا الموقع للصين".

وتعزَّزت تلك الرسالة هذا الأسبوع، عندما سحب ترامب الولايات المتحدة رسميًّا من اتفاقية الشراكة عبر الهادي، مباعدًا بذلك ما بين أمريكا وحلفائها الآسيويين.

وقالت عدة دول من الأعضاء الباقين في الاتفاقية، إنَّها ستتطلع الآن لضم الصين للاتفاقية مع تعديلها، أو تسعى لإبرام اتفاقيات تجارة حرة بديلة مع بكين.

وقالت سو شياو هوي، الباحثة في معهد الصين للدراسات الدولية، الذي تدعمه وزارة الخارجية الصينية في الطبعة الدولية من صحيفة الشعب اليومية، عن القرار الأمريكي بالانسحاب من الاتفاقية: "في كثير من المحافل المهمة متعددة الأطراف قدم زعيم الصين مقترحات صينية مضيفًا زخمًا إيجابيًّا للتنمية العالمية".

وأضافت: "في عملية التكامل الاقتصادي لمنطقة آسيا المحيط الهادي، وبالمقارنة مع دول بعينها تحمل في ذهنها على الدوام دورها القيادي فإنَّ ما تهتم به الصين أكثر من غيرها هو المسؤولية والتعزيز". 

وتمثل استضافة الصين لمؤتمر دولي عن مبادرتها "حزام واحد وطريق واحد" فرصةً تُبرز فيها بكين زعامتها في عالم الاستثمار والبنية التحتية العالمية.

وقال مصدر دبلوماسي مطلع على سير الاستعدادات للمؤتمر، إنَّه من المرجح أن تعقده الصين في مركز المؤتمرات الفاخر في مايو المقبل، الذي استضافت فيه قمة منتدى التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادي عام 2014، مهيئةً بذلك المسرح لأبرز حدث دبلوماسي يحضره الرئيس هذا العام.

ومن المجالات الأخرى التي تحرص الصين على أن تظهر فيها بمظهر قيادي التغير المناخي، فقد سخر ترامب من قبل من قضية التغير المناخي، واعتبرها "أكذوبة"، وتعهَّد خلال الحملة الانتخابية بسحب الولايات المتحدة من اتفاق المناخ المبرم في باريس.

وقال لي جون هوا، رئيس إدارة المنظمات والمؤتمرات الدولية بوزارة الخارجية الصينية، إنَّ العالم يشعر بالقلق من التغيرات المناخية، وما إذا كانت الدول ستحترم التزاماتها بموجب اتفاق باريس.

وأضاف - في تصريحات للصحفيين: "فيما يخص الصين أوضح رئيسي تمام الوضوح، أن الصين ستؤدي دورها".

ولم يكن هذا هو الحال على الدوام، فقد مرَّت الصين بعملية تعلم طويلة وصعبة، حتى تصبح قوة أكثر إحساساً بالمسؤولية.

ففي عام 2013، احتدَّت الصين في نزاعها القديم مع مانيلا في بحر الصين الجنوبي، ولم تقدم سوى قدر يسير من المساعدات للفلبين، بعد أن اجتاحها الإعصار هايان، الأمر الذي أطلق صيحة استنكار نادرة في صحيفة جلوبل تايمز الشعبية، التي تديرها الدولة، فقالت إنَّ ذلك سينال من مكانة الصين الدولية.

وكذلك، فإنَّ المهمة لن تكون سهلة، فالصين لن تتراجع في قضايا جوهرية بعينها، ومنها موقفها من تايوان التي تتمتع بالحكم الذاتي.

وفي أول رد فعل رسمي على تولي ترامب منصبه، حثَّت وزارة الخارجية الصينية إدارته على التفهم الكامل لأهمية مبدأ "الصين الواحدة"، الذي شكَّك فيه ترامب، والذي تعترف واشنطن بمقتضاه بسيادة الصين على تايوان.

وتتوقع الصين في ظل إدارة ترامب، أن تتركها الولايات المتحدة وشأنَها في قضية حقوق الإنسان، التي لازمت العلاقات مع واشنطن منذ فترة طويلة.

ونوَّه حساب الطبعة الدولية من صحيفة الشعب اليومية الرسمية، الناطقة بلسان الحزب الشيوعي الحاكم، على تطبيق "وي تشات" تنويهًا ينم عن الاستحسان، السبت، بأنَّ خطاب التنصيب الذي ألقاه ترامب لم يَرِد فيه ذكرٌ لكلمة الديمقراطية، أو تعبير حقوق الإنسان.

وأضاف: "ربما بالنظر للوراء يتضح أنَّ هذه الأمور تعرَّضت لمبالغات شديدة"، من جانب الساسة الأمريكيين.

ذكر فى هذا الخبر
شارك الخبر على