"نظرةعلى السينماالصينية"للفرنسي جون ميشيل فرودون..احتفاءبالمنجزالسينمائي في ذكرى صداقةعمرهاستون عاما

أكثر من ٧ سنوات فى المدى

بمناسبة الذكرى الستين لتدشين العلاقات المصرية الصينية واحتفاءً بها، استضافت دورة مهرجان القاهرة السينمائي الدولي الأخيرة (14-24 تشرين الثاني/توفمبر 2016)، وضمن فقرة "ضيف الشرف"، السينما القادمة من ذلك البلد. وعبر حضور وفد كبير من المشرفين على هذه الصناعة والعاملين فيها يتقدمهم الشاب جيا زانج-كي، أحد أهم أسماء ما اصطلح عليه "الجيل السادس"، ومعه جديده "قد تغادر الجبال".
وليكون من بين 20 شريطاً سينمائياً وقع اختيار لجنة المشاهدة عليها، والمنتجة خلال العقد والنيف الماضي من الألفية الثالثة، هدفها إتاحة الفرصة للمهتم والمشاهد المحلي على حد سواء الاطلاع على ما حققته هذه السينما من مكانة عالمية في العقود الأخيرة. وكلف الناقد السينمائي والأكاديمي الفرنسي جون ميشيل فرودون بإعداد دراسة عنها حملت عنوان "نظرة على السينما الصينية"، ولتكون بمثابة بطاقة تعريفية مهمة بهذه السينما التي ظلت بعيدة عن دائرة الأضواء لسنوات طويلة.حقاً، يمكن اعتبار عقد التسعينيات من القرن الماضي بمثابة العلامة الفارقة في تاريخ الفيلم الصيني. ذلك انها، أي السينما القادمة من بلاد الزعيم ماو، كانت سباقة ليس في الإعلان عن ذاتها بما تمتلكه من قدرات إنتاجية ولعوالم مخفية ولسوق محلي هائل. بل بشرت بصعود الصين وقتها، كقوة إقتصادية وسياسية وعسكرية ضاربة، على صعيد المسرح الدولي. المدهش، وعلى خلاف توقعات الكثير من محبي السينما بشكل عام، تمكنت هذه السينما من قطف أكبر عدد من جوائز المهرجانات السينمائية الكبرى مقارنة بمثيلاتها القادمة من خارج القارة الأوربية والأمريكية. فقد فاز شريط "وداعاً خليلتي" لتشان كايجه بسعفة مهرجان كان الذهبية في عام 1992، وبعدها بأشهر قليلة خطف زميله المخرج المبدع زانغ ييمو دب برلين  الذهبي عن رائعته "قصة كيو جيو..." عام 1993. فيما فازت الممثلة الحسناء غونغ لي بجائزة أفضل ممثلة عن دورها في شريط "لتعيش" لزانغ ييمو في طبعة مهرجان كان لعام 1994، ولتغدو مرادفة لصورة نجمة الصين الجديدة والبراقة. ولو أضفنا الى ذلك اشتغالات التايواني أنج لي، والفائز بجائزتي أوسكار عن شريطيه "جبل بروكباك" و "حياة باي"، تكون هذه السينما قد أعادت حسابات المعنيين بالشأن السينمائي، خصوصاً القيميين على مهرجانات عريقة مثل كان وبرلين وفينسيا ولوكارنو وموسكو ولوس أنجلوس.   ما يحسب لدراسة فرودون، انها قاربت المنجز السينمائي الصيني وتجلياته الإبداعية ومشاغله من خلال سياق تاريخي-سياسي انعطف أكثر من مرة وكانت السينما واحدة من ضحاياه. ورغم عدم قناعته بالتصنيفات الأوربية لدراسة تاريخ الفيلم الصيني، إلا ان الكاتب يقر بان تقسيم نتاجاتها الى "أجيال"، رغم شكلانيته، يعود بالفائدة "لوضع الخطوط العامة" لمقاربة "تاريخ معقد" مليء بالتفاصيل الثانوية. ذلك ان واحدة من الإشكاليات التي تواجه الباحث في تتبع النتاج السينمائي وتجلياته الإبداعية يكمن بتواجد "عدة سينمات صينية". صحيح ان هناك "عالما صينيا، وثقافة صينية....ولها ماض مشترك الى حد ما" أقله في المنتصف الأول من القرن العشرين، إلا ان الموضوعية تقتضي الأخذ في الحسبان "ثلاثة مجالات متباينة جغرافياً وسياسياً وتاريخياً، أي الوطن الصيني الأم وهونغ كونغ وتايوان". ومع ان الثقافة الصينية ضاربة في عمق التاريخ وتعتمد على حروف أبجدية واحدة ويكتب بها جميع الصينيين، لكن الإشكال اللغوي المنطوق ظل هاجس الباحث، فهناك لغة "الماندرين"، لغة السلطة في الشمال، ومثلها لغة "الكانتونية"، وهي لغة أهل الجنوب، فيما تايوان لها لغتها التعاملية الخاصة، تغلب عليها الإنكليزية، فضلاً عن عدد لا نهائي من اللهجات المحلية، نظراً لمساحة الصين الجغرافية والكثافة السكانية.وعليه بقي فرودون أميناً، ولربما حذراً، بالتوقف عند تسمية شاملة جامعة للنتاج الصين، ومن دون ان ينزلق في البحث بتفاصيل التاريخ السياسي "المعقد" نظراً لحساسيته من قبل السلطات الصينية. لذا نجد ان اشتغالات "الجيل الأول" تمحورت حول السينما الصامتة، والى طغيان نتاجات شنغهاي السينمائية عليها، بفعل الاستعمار الغربي وتدفق رؤوس الأموال. وكان من أبرز الأسماء وقتها زانغ سيشوان، يقارن بالمخرج الأمريكي الرائد دي. دبليو. غريفيث، وصاحب ستوديو "مينغ زينغ" الذي افتتح في عام 1923 ، بعد ان قدم شريطه "زوجان قليلا الحظ" عام 1913، والذي يعتبر أول فيلم روائي صيني، وليواصل العمل على ما يقارب الـ 150 شريطاً سينمائياً الى حين وفاته في عام 1953. ورغم ان الصراع السياسي بين المحافظ تشيانغ كاي-تشك والشيوعيين بقيادة ماو تسي-تونغ، والغزو الياباني ترك تأثيراته الواضحة على نتاجات "الجيل الثاني". إلا ان أفلاماً مثل "أغنية الصيادين"(1934) لـكاي تشو-تشينغ و "ملائكة الشوارع" (1937) ليوان مو-زهي، بشرت بظهور سينما ذات منحى إجتماعي وعبر شخصيات قريبة من الناس ومشاكلهم، ومن خلال تجديد أساليب الإخراج وبفضل تأثيرات السينما الإجتماعية الأمريكية، ما أبقى تلك النتاجات محتفظة بطاقتها الإبداعية والفنية لسنوات طويلة. ويعود الفضل بذلك الى ستوديوهات "شينغهاي" السينمائية، حيث كانت حينها "معقلاً لليسار". وكان اشتغال "الجيل الأول" وفق أصول هوليوود السينمائية، وجمع "الثاني" بين هوليوود والمدرسة الألمانية، اما اشتغالات "الجيل الثالث"، وهو جيل الثورة الصينية في العام 1949 بامتياز، فجاءت بنبرة تتشبه الى حد ما بالنموذج السوفياتي. صحيح ان السينما شهدت حينها الانتشار الواسع، وأضحت بمثابة وسيلة "ترفيه وفن حضري"، الا ان مرجعياتها الفكرية والجمالية لم تبتعد كثيراً عن مفاهيم "الواقعية الإشتراكية" وعبر تمجيد الأبطال الخارجين من "بين صفوف الشعب" لرسم عالم الغد الوضاء. ما بقي من تلك المرحلة نتاجات زي جين "لاعبة السلة رقم 5" (1957) و "مرحلة الأخوات" (1964). ولكونها "عدواً للمبادئ" كما وصفتها الممثلة السابقة جيانج كينغ زوجة الرئيس ماو، فقد توقفت حركة الإنتاج السينمائي تقريباً، ما عدا بعض النتاجات السينمائية المرضيَ عنها سياسياً. لذا سمى الناقد فرودون "الجيل الرابع" مصيباً بـ "جيل التضحية"، إذ تكفل بمهمة صعبة تتمثل بإعادة إحياء التقاليد السينمائية وسط أجواء طاردة للمبدع والمثقف بشكل عام. فضلاً عن صعود موار "الثورة الثقافية" تلك التي راح ضحيتها الكثير من الكودار السينمائية والكتاب والمثقفين أما نفياً لإعادة التأهل في مراكز تاهيل قاسية او الصمت والموت كمداً. ومع ذلك، وعلى خلفية أزمات اقتصادية طاحنة ورقابة سياسية قاسية، ظهر للواجهة أسمان هما، "زين فاي" و "زانغ نوان-زين"، أول وجه نسائي بارز ومهم في هذا السياق، وكانت نتاجاتهم السينمائية أقرب الى محاكاة حرفية لموجة "الواقعية الإيطالية الجديدة. إلا ان الأمر المفلت حينها هو إعادة إفتتاح أكاديمية بكين للسينما في عام 1978 وتولي المعلم الكبير "ني زن" التدريس بها. ويمكن القول، وحسب الدراسة، يمكن أعتبار "الجيل الخامس" هو أحد نتاجات هذه الأكاديمية. ومثلما وفرت الدراسة في أكاديمية بكين فرصة الإطلاع على السينما العالمية والممنوعة في أغلبها، فهي أيضاً ساهمت مساهمة فاعلة في صياغة نبرة تستعير من "الجذور الصينية" وثقافته العميقة، ومن دون اللعب "بورقة العالمية..لضمان الإعتراف الدولي". استعار أبناء هذا الجيل من "الريف والطبيعة والعلاقة معها مادته"..وتم تصوير المشهديات السينمائية "وفق فلسفة التصوير التقليدية بالشرق الأوسط، حيث يقترن الشكل الفني بالشكل الطبيعي، وحيث يكون البشر مجرد تفاصيل في الكون....". وفق هذا السياق، سجل تشان كايجه، أحد خريجي أكاديمية بكين السنمائية، سابقة اعتراف دولي في "الأرض الصفراء"(1984) ومثله تيان زوانغ-زوانغ في "قانون أرض الصيد" (1985)، وعمل المصور السينمائي البارع، تحول الى الإخراج من بعد، زانغ ييمو في "الذرة الحمراء" (1987) الفائز بدب برلين الذهبي، ولتشكل بمجموعها ولادة جيل "تتعارض إشتغالاته الى حد ما مع الإتجاهات السائدة لعصر ما قبل الثورة الثقافية". واعتمدت هذه المجموعة على أساليب "تلعب على شهوانية الأجساد والمشاهد الطبيعية"، وعبر توظيف باهر "لتقاليد الصين وتاريخها الطويل....وساهمت قواعد الفنون التشكيلية الصينية برسم كادر الصورة والمونتاج الخاص بافلامهم". ورغم ان أغلب أسماء "الجيل الخامس" هم من خريجي أكاديمية بكين دورة عام 1982، فان السينما التايوانية الجديدة تزامنت إنطلاقتها مع النجاحات الدولية والأسيوية لنتاجات ذلك الجيل ومشاغله. ويتوقف الكاتب عند اسمين هما، هو هسياو-هسيان المشبع بالثقافة الصينية والعلم، والثاني أدوارد يانغ، درس علم الحاسوب في الولايات المتحدة الأمريكية ويهوى العزف على آلة الغيتار. وكان من أبرز نتاجات تلك السينما "أولاد فنج كواي"(1983) و "مدينة الآلام" (أسد البندقية عام 1989) و "سيد العرائس" (جائزة كان الكبرى 1993) و "زهور شينغهاي" (1998) و "القاتل" (2015). ومثلما خطفت اشتغالات "الجيل الخامس" أنظار المهتمين بالشأن السينمائي القادم من جمهورية الصين الشعبية، فان ما شهده "ميدان السلام السماوي" في عام 1989 من أحداث إثر الثورة الطلابية والشعبية أعاد كرة السينما الى المربع الأول. إلا ان ذلك لم يدم طويلاً، فقد ظهر جيل جديد يقف عملياً على النقيض من قيم "الجيل الخامس" الجمالية، مستفيداً مما وفرته الكاميرات الرقمية الخفيفة المحمولة من ممكنات هائلة في رصد وتوثيق الحياة اليومية بكل فجاجتها. سينما "تخلط بين الواقعي والخيالي.... وفق خيار فني وسياسي" ورغبة جامحة بـ"تسجيل ما يعيشه الشباب الفقير والمتأثر بالغرب في المدن الفقيرة". ومع تصاعد وتيرة التحول الى إقتصاد السوق في عقد تسعينيات من القرن الماضي، وما سببه هذا التحول من إثراء فاحش لفئة الممسكين بالمناصب العليا في الدولة، وما تركه ذلك على الفئات الأكثر هشاشة من الصينيين. وعلى هذه الخلفية ولد ما أصطلح على تسميته بـ "الجيل السادس". وفي هذا السياق يفرد الناقد فرودون فصلاً كاملاً لأهم إشتغالات هذا الجيل ومحور مشاغله الفكرية والفنية والجمالية.

ذكر فى هذا الخبر
شارك الخبر على