إيران تفسد طبخة روسيا السورية النيئة في أستانا

أكثر من ٧ سنوات فى التحرير

قررت إيران استخدام كل الأوراق الممكنة دفعة واحدة، بعد أن كانت تضغط في الخفاء عبر هذه الورقة أو تلك على روسيا في الأزمة السورية. وكان التحضير للقاء أستانا لبحث تثبيت وقف إطلاق النار، المقرر انعقاده في 23 يناير الحالي، هو المرآة التي عكست الخلافات الواضحة بين إيران وروسيا من جهة، وبين إيران وكل من روسيا وتركيا من جهة أخرى.
طهران جددت، الأربعاء 18 يناير الحالي، رفضها مشاركة الولايات المتحدة في مباحثات أستانا. وقال أمين مجلس الأمن القومي الإيراني علي شمخاني إنه "بسبب معارضة إيران لمشاركة أمريكا في مفاوضات أستانا فإنه لم يتم تقديم دعوة مشتركة لها من قبل الدول الثلاث الراعية للمباحثات". وشمخاني يقصد بالدول الثلاث، روسيا وتركيا وإيران. علما بأن كل الشواهد تفيد أن هناك توجها روسيا - تركيا، لتهميش الدور الإيراني، نظرا لأنها باتت نقطة خلاف بالنسبة لجميع أطراف النزاع السوري.

أمين مجلس الأمن القومي الإيراني علي شمخاني يرى أنه "ليس مجديا أن تشارك الولايات المتحدة في إدارة مبادرات سياسية في الأزمة السورية، ومن المستبعد أن يكون لها دور في مفاوضات أستانا". ولكنه استدرك، معتبرا أنه بإمكان "الدولة المضيفة" (أي كازاخستان) أن تدعو واشنطن لحضور المفاوضات بصفة "مراقب" فقط.

لا أحد يعرف: هل أراد شمخاني التخفيف من تصريحات وزير الخارجية محمد جواد ظريف، أم أراد أن يؤكد وجود إيران مهما طال التهميش دورها، أم أنه يغازل إدارة ترامب التي ألمحت أكثر من مرة إلى إمكانية مراجعة الاتفاق النووي من جهة، وبإمكانية ترميم العلاقات مع دول الخليج، وبالذات مع السعودية، بعد أن أفسدتها إدارة أوباما خلال الأشهر الأخيرة من وجودها.

وكان وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف قد أعلن، يوم الثلاثاء 17 يناير الحالي، أن بلاده "تعارض مشاركة الولايات المتحدة في الاجتماع ولم نوجه إليها الدعوة، ونحن ضد مشاركتها". هذا التصريح جاء بعد ساعات قليلة من تصريحات لوزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف بأنه "من الصائب توجيه الدعوة لحضور الاجتماع إلى ممثلي الأمم المتحدة والإدارة الأمريكية الجديدة"، مشيرا إلى أن اللقاء سيعقد بعد تنصيب الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب. بل وأعرب لافروف عن أمل موسكو بأن تتمكن الإدارة الأمريكية الجديدة من قبول الدعوة للمشاركة في مفاوضات أستانا حول سوريا، وبأن يكون لخبرائها تمثيل على أي مستوى مناسب للجانب الأمريكي.

غير أن التصريحات الحادة من جانب طهران لم تقتصر على المسؤولين السياسيين، بل امتدت إلى مسؤولين إيرانين آخرين، حيث أكد علي أكبر ولايتي، رئيس مركز الأبحاث الاستراتيجية في مجمع تشخيص مصلحة النظام، معارضة طهران الشديدة لمشاركة واشنطن في مباحثات أستانا. وقال "إذا أصبح الأمر على هذا المنوال فهناك قلق من قيام السعودية وقطر أيضا بالسعي للمشاركة في هذا المؤتمر، في حين لعبت هذه الدول دورا أساسيا في تجهيز وإرسال الإرهابيين إلى سوريا". واعتبر الولايات المتحدة على رأس حماة الارهابيين، وأنها كانت مصرة منذ البداية على إسقاط نظام الأسد.

هذا التصريح الحاد انعكس أيضا في تصريح لنائب وزير الخارجية السوري فيصل المقداد بأن "مشاركة السعودية وقطر في المحادثات السورية ستناقش عندما تتوقف الدولتان عن دعم "الإرهاب"، مما يعني أن طهران ودمشق لا تروق لهما التحركات الروسية. وإذا أخذنا بعين الاعتبار التنسيقات الروسية - التركية، فإن الأمر يصبح أكثر تعقيدا، لأن التقارب بين موسكو وأنقرة همَّش الدور الإيراني بشدة، ووضع نظام الأسد في زاوية ضيقة للغاية. وبالتالي، فمن الطبيعي أن تقوم كل من إيران ونظام الأسد، وبالذات إيران، بخلق المزيد من العراقيل الميدانية لدفع المعارضة السورية المسلحة لمقاطعة مباحثات أستانا من جهة، وعراقيل أخرى ذات طابع سياسي إزاء المشاركين في تلك المباحثات، وبشأن البنود المطروحة على أجندة اللقاء من جهة أخرى.

إن روسيا تسعى بشتى الطرق لعقد مباحثات أستانا وإعطاء انطباع بتزايد نفوذها على جميع أطراف الأزمة السورية، وبإمكانية تحقيق تقدم ولو حتى على مستوى تثبيت وقف إطلاق النار. ولكن هذا التوجه لا يروق لا لإيران ولا لدمشق. ولا تزال موسكو تقوم بمحاولات حثيثة مع أنقرة للحصول على موافقة واشنطن على المشاركة بأي صيغة، الأمر الذي سيضفي المزيد من الشرعية، حسب مراقبين، على تلك المباحثات الشكلية التي لا تنطلق من توافقات بقدر ما ترتكز على ضغوط روسية موجهة نحو فصائل المعارضة السورية من جهة، وإلى الولايات المتحدة من جهة أخرى. ومن ثم تطمح روسيا وتركيا في حضور أمريكي ولو حتى كجهة مراقبة. ولكن إيران ترفض حتى ذلك. ومن الواضح أن قلق طهران من المزيد من تهميش دورها، يدفعها لاتخاذ مواقف متشددة للإعلان عن وجودها من جهة، وتطمين نظام دمشق بأنها ستبقى إلى جواره حتى في حال انعقاد صفقات لا تروق له من جهة أخرى.

من المتوقع أن يخرج لقاء أستانا بتوقيع على وثيقة، تحمل طابعا عاما، لتثبيت نظام وقف إطلاق النار في جميع أنحاء سوريا. ولكن لا حديث عن أي بنود أخرى أو جدول مباحثات أو بنود. كما أن الحديث عن مراقبين دوليين أمر قد جرى الحديث عنه في وقت سابق في مجلس الأمن، إضافة إلى ضرورة إدخال المساعدات الإنسانية إلى المناطق المتضررة. وبالتالي، لا يمكن اعتبار هذين البندين من إنجازات لقاء أستانا، على الرغم من أنهما لم يتحققا إلى الآن. بل يعكس عدم تحقيقهما هشاشة وقف إطلاق النار من جهة، وتناقضات حادة في مواقف أطراف النزاع سياسيا وميدانيا من جهة أخرى.

إن روسيا تعرف جيدا أن لقاء أستانا يحمل طابعا شكليا محضا، وسيجري الحديث فيه عن الأوضاع السياسية - العسكرية بين قادة عسكريين، وأنه لن يتطرق إلى نقاط الخلاف الجوهرية، والأسباب الرئيسية للأزمة السورية. ومع ذلك فهي تحاول بكل الطرق الممكنة عقده لأسباب كثيرة تتعلق بها وبعلاقاتها الدولية قبل الإقليمية. وبالتالي، فاعتراض طهران ونظام دمشق ووضعهما العوائق والصعوبات أمام إتمامه أو تفريغه من مضمونه، يشكل ضررا شديدا لروسيا، ويسبب غضبا في العديد من الأوساط العليا الروسية التي لا تزال تتعامل بهدوء مع الموضوع.

وفي الحقيقة، فعندما قال لافروف "إننا واثقون من أن قرارنا كان صائبا، عندما استجبنا لطلب حكومة سوريا الشرعية، علما بأن عاصمة هذه الدولة العضو في الأمم المتحدة، كان يفصلها آنذاك أسبوعان أو 3 أسابيع عن السقوط في أيدي الإرهابيين"، كان يقصد أمرا آخر في غاية الأهمية والخطورة. إذ إن هذا التصريح يحمل أكثر من رسالة لأكثر من طرف، وبالذات لكل من طهران ونظام دمشق. ويعني تحديدا أن روسيا تدخلت في الوقت المناسب لإنقاذ نظام الأسد، والحفاظ على دمشق. ويحمل رسالة لكل من طهران وحزب الله والأسد بأنه لولا التدخل العسكري الروسي لسقط نظام الأسد وخرجت إيران من سوريا.

في كل الأحوال، هناك شكوك كثيرة تسيطر على موسكو في ضوء مساعي إيران وتنظيم "حزب الله" اللبناني لتعطيل مباحثات أستانا، أو تفريغها من مضمونها، أو في أحسن الأحوال الدفع في اتجاه عدم بحث الدور الإيراني ونشاطات "حزب الله" في سوريا. والأمر الأخير هو أحد أهم النقاط الخلافية بين تركيا وإيران. 

شارك الخبر على