السودان .. وضع إنساني متأزم ينتظر رفع العقوبات
over 8 years in قنا
الدوحة في 17 يناير /قنا/ انفراج متوقع وتحسن منتظر على الصعيدين الاقتصادي والإنساني بعد قرار "تخفيف العقوبات الأمريكية على السودان" المفروضة منذ عام1997، الأمر الذي يمنح البلاد فرصة لسد احتياجاتها الأساسية من الخارج واستكمال مشروعاتها التنموية.
القرار الذي أصدره الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته باراك أوباما، يقضي برفع العقوبات الاقتصادية والتجارية المفروضة على السودان والسماح بكافة التحويلات المصرفية بين البلدين ، واستئناف التبادل التجاري بين السودان والولايات المتحدة الأمريكية. لكن في الوقت ذاته أرجأت الولايات المتحدة رفع بعض العقوبات الاقتصادية عن السودان لمدة ستة أشهر كفترة اختبار بهدف تشجيع حكومة السودان للحفاظ على جهودها المبذولة بشأن حقوق الإنسان ومكافحة الإرهاب.
قرار تخفيف العقوبات الأمريكية على السودان التقطته مفوضية الشؤون الإنسانية في السودان بمزيد من الترحيب، وقالت مارتا رويدس المنسقة الأممية في الخرطوم :" إن هذا القرار من شأنه تسهيل عمل الجهات الفاعلة في مجال تقديم المساعدات للمحتاجين في الأشهر القادمة".
جاء تصريح منسقة الشؤون الإنسانية في السودان وترحيبها بتخفيف العقوبات الأمريكية، انعكاسا لصعوبة الوضع الإنساني والإغاثي في البلاد، وظهور حالات نزوح من منطقة جبل مرة عام 2016 الى ولاية وسط دارفور بسبب ظروف مناخية صعبة.
ووفقا لأرقام خطة الاستجابة الإنسانية الأممية بشأن السودان حتى نهاية عام 2016م، يوجد قرابة 5.8 مليون شخص في مختلف الولايات يحتاجون الى معونات دائمة، إذ يبلغ عددهم 3.3 مليون في ولاية دارفور وحدها، كما يقدر عدد المصابين بأمراض سوء التغذية 2.1 مليون سوداني .
وبسبب العقوبات المفروضة على السودان ومنها ما يتعلق باستيراد أجهزة ومستلزمات طبية من الخارج، فقد قدرت منظمة الصحة العالمية عدد المراكز الصحية التي أغلقت في السودان وعددها 60 مركزاً في ولايات شمال وجنوب وغرب دارفور والنيل الأزرق وجنوب كردفان، كما تراجع التمويل الخاص بالقطاع الصحي بالسودان منذ عام 2011 بنسبة 55 % وهي النسبة الأسوأ منذ عام 2008 ، الأمر الذي أجبر منظمة الصحة العالمية إما على تسليم أو إغلاق مرافقها الصحية في بعض مناطق البلاد .
ويعرض نقص التمويل 770 ألف شخص من النازحين والمجتمعات المضيفة لمواجهة صعوبات جمة في الحصول على خدمات الرعاية الصحية "الأولية " وتزايد خطر تفشي الأوبئة.
ومن المعروف أن العقوبات الأمريكية الاقتصادية على السودان فرضت في الثالث من نوفمبر في العام 1997م، بقرار تنفيذي رقم 13067 من الرئيس الأمريكي بيل كلينتون بموجب القانون الأمريكي للطوارئ الاقتصادية وتم بموجبه تجميد الأصول المالية السودانية، ومن ثم حصار اقتصادي يلزم الشركات الأمريكية بعدم الاستثمار والتعاون الاقتصادي مع السودان. ثم جاء الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش (الابن) فأصدر قراراً تنفيذياً آخر رقم 13400 في 27 أبريل 2006م، ليزيد استدامة وتعقيد وتشديد العقوبات على السودان. وفي نهاية مايو 2007م وسع الرئيس الأمريكي الحظر ليشمل شركات وأشخاصا لم يكونوا مشمولين بالقرارات السابقة.
والوضع الإنساني المتأزم في السودان، لا يمكن قراءته بمعزل عن العقوبات الاقتصادية ، نظرا لما سببته من آثار سلبية على التنمية في هذا البلد ، فقد سبق أن تعرض السودان لسلسلة من العقوبات الاقتصادية أهمها ما تم فرضه عام 1988م إثر تخلفه عن سداد الديون، ثم عقوبات أخرى عامي 1990 و1993 وعلى إثرها فرضت مجموعة متنوعة من القيود المالية من ضمنها عدم منح قروض من قبل البنك الدولي ومؤسسات مالية أخرى للسودان ،وعدم إعفاء السلع المصدرة من السودان إلى الولايات المتحدة من الرسوم الجمركية وكذلك منع أي مواطن أمريكي من القيام بمعاملة مالية مع الخرطوم بدون ترخيص مسبق من وزارة المالية.
وتقدّر الخسائر غير المباشرة التي يتكبدها السودان جراء العقوبات بأربعة مليارات دولار سنويا بالإضافة إلى تضرر القطاع المصرفي بشدة وخرج من المنظومة المالية العالمية بسبب العقوبات التي تشمل أيضا منع تصدير التكنولوجيا والحجز على الأصول السودانية.
كما حرمت الخطوط الجوية السودانية من الحصول على قطع الغيار والصيانة الدورية لطائرتها، وتعرض قطاع السكك الحديدية لخسائر بالغة بسبب العقوبات وفقد 83% من بنيته التحتية، كما تأثر أكثر من ألف مصنع بشكل مباشر بالعقوبات بسبب عدم حصولها على قطع الغيار أو البرمجيات الأمريكية.
وحرمت العقوبات السودان من الأجهزة الطبية والأدوية والمستحضرات الأمريكية، وأثرت أيضا على مهام معامل التحليل الطبية، كما أثرت سلبيا على مرضى بعض الأمراض ومنها السرطان.
وكانت الأمم المتحدة قد دعت الدول المانحة لجمع مبلغ 952 مليون دولار لتنفيذ مشروعات الدعم والإغاثة بالسودان خلال العام الماضي ، ولم يتم جمع سوى 557 مليون دولار بما نسبته 75% من التمويل اللازم.
وبموجب العقوبات لم يتمكن السودان كغيره من الدول من الإستفادة من المعونات وتمويلات الصناديق الدولية ، والتعامل مع الشركات الصناعية العالمية والمنتجات المتقدمة في كافة المجالات مما أثر سلباً على كثير من الصناعات بالبلاد.
ويساهم البنك الدولي في تمويل العمليات الإنسانية بالسودان وتحديداً في شرق البلاد وفي منتصف ديسمبر الماضي أطلق البنك المرحلة الثانية من مشروع (وسائل العيش المستدامة) لمجتمعات النازحين، والمجتمعات المعرضة للمخاطر والممول بمبلغ 435.4 مليون دولار ، ووفقا للبنك الدولي يعتبر شرق السودان أحد أفقر المناطق القاحلة في البلاد، وأيضا نقطة عبور للمهاجرين الذين يحاولون الوصول إلى أوروبا عبر طرق التهريب باتجاه الشمال الغربي إلى ليبيا.
ويساهم السودان رغم أزماته بشكل أو بآخر في تخفيف معاناة دولة جنوب السودان إما من خلال استضافة اللاجئين والذين بلغ عددهم حوالي نصف مليون لاجئ أو من خلال فتح ممرات آمنة عبر الحدود لإيصال المساعدات إلى دولة الجنوب ، وقد نقل برنامج الغذاء العالمي طيلة عام 2016 30 ألف طن من المساعدات الغذائية الطارئة من خلال 26 قافلة عبر أراضي السودان ، حيث يأتي التنسيق بين السودان ومنظمات الإغاثة الدولية بعد عام 2012 ليمحو آثار قرار سابق اتخذ في العام ذاته من قبل الحكومة بإلغاء أنشطة 4 منظمات كانت تعمل في شرق البلاد.
وتشير الأرقام إلى أن السودان قد حل في السنوات الأربع الماضية في المركزين الخامس والسادس على قائمة الدول التي تحتاج إلى تمويل دولي للدعم والإغاثة وكان عام 2012 في المركز الثالث، وبلغت مساهمات الدول الأعضاء بالأمم المتحدة ما لا يقل عن 2.3 مليار دولار لدعم الاستجابة الإنسانية في السودان على مدى السنوات الخمس الماضية2012-2016 (منذ انفصال دولة جنوب السودان)،واسهمت هذه المساعدات الدولية في إعادة الاستقرار للأوضاع المعيشية لملايين الأشخاص في دارفور والمناطق الأخرى، وفي تجنب زيادة معدل الوفيات وكذلك منع وقوع المزيد من موجات النزوح للخارج.
ومن المتوقع أن يبلغ العجز في موازنة الدولة لعام 2017 19.5 مليار جنيه، مقابل 13.3 مليار لسنة 2016، مع انخفاض عجز الميزان التجاري إلى 3.6 مليار دولار، بواردات 6.7 مليار دولار وصادرت 3.1 مليار دولار، وزاد عدد الأسر المستفيدة من الدعم الإجتماعي من 600 ألف إلى 700 ألف أسرة.
وقد طالب البنك الدولي في مذكرة اقتصادية له عن السودان نهاية العام الماضي بضرورة تسريع وتيرة التحول الهيكلي وتنويع النشاط الاقتصادي ، لافتاً إلى أن اقتصاد السودان سجل انكماشا حادا بعد انفصال الجنوب عام 2011، وفقد 75% من عائداته النفطية.
ووضع البنك توصيات بشأن تحسين الوضع الاقتصادي للبلاد على رأسها توحيد أسعار الصرف في السوقين الرسمية والموازية، وزيادة الإنتاجية الزراعية من خلال تطبيق تغييرات رئيسية في السياسات، وتحسين إدارة عائدات الموارد الطبيعية، ومعالجة المُعوِّقات الأوسع نطاقا لبيئة الأعمال .
تقرير/ الأبحاث والدراسات