مئويّة إعلان دولة لبنان الكبير (الوزير سليم جريصاتي)

أكثر من ٤ سنوات فى تيار

الوزير سليم جريصاتي - النهار
 
لا يسعني، في سياق خطاب رئيس الجمهوريّة العماد ميشال عون الموثّق تاريخيّاً والمفتتح احتفاليّات الذكرى المئويّة لإعلان دولة لبنان الكبير، إلا أن أستقي منه أملاً بأن تكون هذه الذكرى المحتفى بها فرصة لا بل مساحة للتلاقي بين مختلف أطياف الشعب اللبناني على قيم هذه المناسبة ودلالاتها الوطنيّة الجامعة، وأن تحمل في طيّاتها ودفاتر يوميّاتها التفافاً شعبياً ورسميّاً عليها.
هدف المقال أن نستحضر تاريخاً يتفق عليه اللبنانيون، حيث حلّ الانتداب الفرنسي على لبنان إبّان الحرب العالميّة الأولى وسقوط الامبراطوريّة العثمانيّة وعقد اتفاق سايكس – بيكو التي تمّ تأييده لاحقاً بقرارات عن عصبة الأمم سنة 1920، تلك القرارات التي أجازت نظام الانتداب على المناطق العثمانيّة المفككة بهدف المساعدة على إنشاء مؤسسات للدول الجديدة.
وقبل إعلان الجنرال غورو دولة لبنان الكبير في الأوّل من أيلول 1920، أنشئت في بيروت نقابة للمحامين ومحكمة التمييز، ما يعني عمليّاً أنّ المؤسسات التي سبقت الإعلان ومهّدت للدولة إنما هي مؤسسات معنيّة بمرتكزات مفهوم الدولة الأساسيّة، والمقصود القضاء في جناحيه.
أهميّة الإعلان الأولى أنّه تمّ بعد إعادة ترسيم الحدود بين البلاد التي كانت خاضعة للحكم العثماني ومن بينها سوريا ومتصرفيّة جبل لبنان وأنّ الدولة الجديدة وُصّفت بلبنان الكبير بعد ضمّ البقاع وسهول الشمال إلى المتصرفيّة التي كانت تنصف بحكم ذاتي في ظلّ الامبراطوريّة العثمانيّة.
الأهميّة الثانية للإعلان تكمن في أنّه مهّد لإصدار الدستور وقيام الجمهوريّة اللبنانيّة في 23 أيّار 1926.
أما الأهميّة الثالثة فهي أنّ هذا الإعلان سهّل اتحاد المسيحيين والمسلمين معاً، بعد صراع سياسي، فيما عُرف بالميثاق الوطني اللبناني، حيث أعلن استقلال لبنان سنة 1943، هذا الاستقلال الذي تبعه في 17 نيسان 1949 جلاء القوات الفرنسيّة كليّاً عن لبنان.
كيف يمكننا أن نذكر هذه المحطات المجليّة في تاريخ بلادنا من دون أن نستذكر معاً أنّه في 15 تموز 1919 قام البطريرك الماروني يوسف الحويك، على رأس وفد من المطارنة، بالتوجه إلى باريس لمطالبة مؤتمر فرساي باستقلال لبنان، حيث أكد خلال مكوثه في العاصمة الفرنسيّة أنّ زيارته مثلّثة الأهداف : استقلال لبنان وإعادة الحدود الطبيعيّة والتاريخيّة له كما رسمتها خريطة الحملة الفرنسيّة سنة 1861 والتأكيد على العلائق المتينة مع فرنسا.
احتجّ في حينه حزب الاستقلال العربي في دمشق ورفع احتجاجه إلى مؤتمر الصلح في فرساي في 7 آب 1919 منتقداً البطريرك ونازعاً عنه صفة تمثيل اللبنانيين جميعاً في تحرّكه ومطالباته.
إنّ هذه الأحداث التي انقسم اللبنانيون فيها إلى من يطالب بالاستقلال والانفصال عن سوريا ومن يطالب بضمّ مناطق محددة من لبنان إلى سوريا الكبرى انتهت إلى اتفاقهم وإعلان المفوّض السامي الفرنسي الجنرال غورو في أوّل أيلول 1920 قيام دولة لبنان الكبير لينهي الصراع معلناً بيروت عاصمة لهذه الدولة، بعد أن ضمّ إليها، أيّ إلى الدولة الجديدة، ولاية بيروت مع أقضيتها وتوابعها وصيدا وصور ومرجعيون وطرابلس وعكار والبقاع مع أقضيته كافة وصولاً إلى راشيا وحاصبيا، فتوسّعت مساحة لبنان من 3500 كلم2 إلى 10452 كلم2 وزاد عدد سكانه من 414000 نسمة إلى 628000 ألفاً.
هذا هو تاريخ إنشاء دولة وطن الأرز الذي يُنصف كلّ اللبنانيين الذين ارتضوا لبنان كياناً نهائيّاً لهم وعقدوا العزم على ميثاق عيشهم المشترك، هذا الميثاق الذي عاد وتكرّس عند الاستقلال ومن ثمّ في وثيقة الوفاق الوطني سنة 1989.
نقول كلّ هذا لنؤكد أنّ اللبنانيين جميعاً سعوا إلى وطن واحد ودولة واحدة وميثاق عيش واحد في مخاض تاريخيّ عسير، وهذه وديعة وطنيّة علينا جميعاً أن نفديها بالأغلى كي تبقى عصيّة على التبعثر والزوال.
أن تحلّ ذكرى المئويّة الأولى في عهد الرئيس العماد ميشال عون ليس من قبيل الصدف إن تجاوزنا الاقتران الزماني الذي يتحكّم بنا جميعاً إلى ما هو أكثر تعبيراً من معاني الذكرى، أيّ الاقتران الموضوعي حيث أنّ الوديعة الغالية هي اليوم، كوزنات الأناجيل، بأيدي من سوف يردها أكثر ترسّخاً وتألقاً في الذاكرة الوطنيّة للأجيال القادمة.
وزير دولة لشؤون رئاسة الجمهوريّة سليم جريصاتي
رئيس اللجنة العليا لتنظيم احتفاليّات الذكرى المئويّة لإعلان دولة لبنان الكبير

ذكر فى هذا الخبر
شارك الخبر على