حوار عمرو خالد السيسي يريد تنقيح التراث لا هدمه.. وهذا سبب انتشار الإلحاد

أكثر من ٧ سنوات فى التحرير

حوار: باهر القاضي - تصوير: إسلام مصدق
لست رجل مناظرات.. وكل ممن يتعدى آداب الحوار فالقضاء أولى به

حملة أخلاقنا انتهت في مارس الماضي.. وأنظر إلى المستقبل

المساجد تحتاج إلى أئمة متدربين 

الرسول لم يكن فقيرا بل كان غنيًا بالعمل والجهد 

غاب عن الساحة الإعلامية منذ ثورة الثلاثين من يونيو، ما ربطه البعض بإجراءات اتخذت خلال الفترة الماضية، تسببت في التضييق عليه، ومنها صدور قانون تنظيم الخطابة، والذي يقصر صعود المنبر على العاملين بالمؤسسات الدينية، وحاملي تصاريح خطابة.

الدكتور عمرو خالد، الداعية الإسلامي، وأحد مشاهير الدعاة، الذي فارق منابر المساجد، وحاول العودة عبر حملات دينية توعوية، آخرها التي تحمل اسم "أخلاقنا"، إلا أنه سرعان ما توجهت السهام له.. "التحرير" نجحت في إنهاء الصمت الإعلامي لـ"خالد"، وأجرت معه حوارًا تناول فيه حقيقة استبعاده من الحملة، وتطرق إلى من سمَّاهم أصحاب دعوات هدم التراث، إضافة إلى اختياره الأكثر تأثير على الشباب العربي عبر مواقع التواصل الاجتماعي، خلال 2016.. وإلى نص الحوار 

في البداية.. ما انطباعك عن اختيارك الشخصية الأكثر تأثيرًا في الشباب العربي خلال 2016؟

حاجة جميلة أنها كتبت في نهاية 2016، فلم اعتد كتابة أسوأ ما أمر به، وأدون في نهاية كل عام أبرز ما تم إنجازه، وأدعو الشباب إليه، وإن كانت أشياء بسيطة، لكنها قد تعطي دافعا وأملًا، وهذا ما أطالبهم به لأجل الروح الإيجابية، جميعنا مررنا بأيام قاسية، منها الظروف التي احاطت بحملة أخلاقنا، لكني لم أتوقف، واستمريت والحمد لله الجائزة لها أثر معنوي كبير.

ما نصائحك للمؤسسة الدينية؟

التواصل الاجتماعي له أدواته من "سرعة وأنيميشن"، تحتاج إلى مضمون ومحتوى، فالبطل هو الفكر، فلا بد أن نميل إلى العملية، فقد كتب على البشر أن الأفكار تأتي بالأموال وليس العكس، لسنا بحاجة إلى تكرار فكر مبسط، حب الحياة بدلًا من الموت، فكرة أن النبي عمل لأجل المال واستعان بالوكلاء، ورفض أن تصرف عليه زوجته خديجة، وحقيقية أن الجهاد في الإسلام لرد الاعتداء وليس كما يروج.. حولنا ما سبق إلى محتوى نشرناه على النت، فيما لا يزيد عن دقيقتين، بعنوان "7 معلومات لا تعرفها عن النبي"، وتمكنا من خلاله أن نصل إلى 4 ملايين مشاهدة.

ماذا ينقص الخطاب الديني المعتدل كي يصل إلى الناس؟

الموضوع مركب وليس بسيطا، هناك عوامل كثيرة كي يؤدي الخطاب دوره، فأولاً الفكر وهناك كثيرون يعملون عليه بداية من الأزهر ، لكننا نحتاج إلى قنوات ربط، مثل وزارات التربية والتعليم والرياضة والإعلام، كل تلك المؤسسات وغيرها عليها أن تتشارك وتتبنى الفكر المعتدل، وكذلك محتاج لكتَّاب يتبنون الفكر المتجدد.

نحتاج إلى تضافر الجهود كي يصل الفكر، فالمؤسسة الدينية لا تتحمل بمفردها هذا العمل، والله يعين المؤسسة الدينية التي تعمل في بلد بها هذا العدد من الشباب والأئمة ووسائل الإعلام وغيره.

الرئيس تحدث مرارًا عن الخطاب الديني.. فهل تعتقد أن هناك خلافًا بين الرئاسة والأزهر حول آليات التجديد؟

أنا غير مسئول على المستوى السياسي لكي أجيب على هذا التساؤل، بقدر ما أسعى بدوري كداعية إلى مخاطبة الشباب عبر مواقع التواصل الاجتماعي وكافة قنوات الاتصال، فالخطاب التقليدي يؤدي إلى تطرف.. لسنا مع من يسعون إلى هدم التراث، فهدمه يؤكد أنك لست لك أي مرجعية في أي شيء، وتلك دعوة متطرفة توازي "التقليدية" التي نشتكي منها، لكننا نحتاج إلى تنقيح التراث، بأن نأخذ مناهجهم ونترك مسائلهم، فالشافعي لديه منهج في الحكم على الأشياء من خلال تجميع كافة الآيات المرتبطة بالموضوع الواحد، لكن لديه مسائل في هذا الصدد تناسب عصره.. التراث يبلغ مليون كتاب فبأي عقل يُمكن هدمه؟

أظن أن الرئيس حذر من فهم حديثه فهم خاطئ ودعوته تشير إلى التنقيح، والجهد المطلوب التركيز على المسائل الداعية إلى حب الحياة والتفاؤل، وبيان جمال حديث النبي عن الدنيا بأنها حلوة خضرة، وإن الله مستخلفكم فيها فناظر ماذا تفعلون، ونحن نشتكي من غياب تلك المعاني الجميلة، فحديث البعض اليوم يسير في طريق الهدم بالاعتماد على سطحية المستمع.

وماذا عن الجهاد في الإسلام؟

هناك من أساء إلى الجهاد، واقتطع آيات تتحدث عنه، وتناوله بالمفهوم المخالف للمنظور الإسلامي، ويترك حقيقته الذي شرعه لرد العدوان وليس لاستباحة الأعراض، وجميع الغزوات التي قام بها النبي كانت لدفع الاعتداء، وقد استطعت من خلال برنامج
"الإيمان والعصر" أن أبيَّن مفهوم الجهاد بطريقة مبسطة بأنه دعوة للسلام.

الخطاب الديني الحالي يدغدغ مشاعر الفقراء، بالتركيز على فقر النبي وأنه ربط على بطنه بحجر (خلال غزوة الخندق)، دون الحديث عن استطاعته (ص) تكوين ثروة عظيمة، الفهم الخاطئ أتى من خلال الكتب التقليدية، وحديثها عن سيرة النبي والتي ركزت على غزواته وأغفلت جوانب أخرى قدمها علي مدار عشر سنوات عاشها بالمدنية، فالرسول له 27 غزوة خلال 10 سنوات، ولو قلنا أن كل منها استمر لـ20 يومًا، فهذا يعني أنه قضى سنة ونصف في الحرب، وباقي المدة قضاها في البناء والإعمار وإرساء التسامح، وما قام به المدونون فهم خاطئ، وعلينا أن نتحدث في الجوانب التي أغفلت من أجل تصحيح الفكر والمفاهيم الخاطئة.

تفسيرك للهجوم على أحاديث نبوية وادعاء أنها تحث على القتل في حين أن القرآن يدعو للسلام؟ 

هناك قاعدة في العالم، وليس في الدين، تقول إن التعميم "عمى"، فالقول بهذا الكلام يحتاج إعادة نظر، فمثلًا حديث "أُمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله" لا يتعارض مع القرآن، مثل قوله تعالى "الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل"، فالناس في اللغة يُقصد بها في المفرد والجمع، وفي الحالتين "الناس" يقصد بها قريش وليس كافة البشر، وهذا ما يمكن الوصول إليه من خلال ناس معتدلون يمكن أن يجددوا الخطاب الدينى بناءً على الوعي قبل السعي، والتجديد يتطلب جهودًا عديدة ليست من المؤسسات الدينية بحسب، ومن ذلك المنطلق أقوم بدوري في منطقتي بمخاطبة الشباب. 

أي فئة تستهدف؟

حديثي موجه للشباب الذي لا ينتمي للتطرف التقليدي، أو التطرف الساعي للهدم، وأسعى للحفاظ على المعتدلين منهم من خلال برامجي وأفكاري.

وماذا عن ردك على إطروحات الباحث والإعلامي إسلام بحيري؟

بعيدًا عن الأشخاص، لكن يبدو عندما تعاند وتصر على وجهة نظر دون أن تتقبل رأيًا علميًا، لن تصل إلى شيء، فمن وقت لآخر تظهر بعض الشخصيات تسير على هذا الطريق، لكنها سرعان ما تندثر، لكني أؤمن بالحوار، لكن الحوار قد يصل أحيانًا مع بعض الأشخاص إلى ساحات القضاء، فأي طرف قد يتعدى منطقة الحوار إلى منطقة إهانة مقدسات الإسلام، والمتعارف في دول العالم أنه لو حدث ذلك فيجب اللجوء للقضاء.

وهل كانت لديك الرغبة في مناظرة بحيري؟

لست شخص المناظرات، وسعدت بمناظرة الحبيب علي الجفري والدكتور أسامة الأزهري له، وأرى أنه شخص يرفض أن يتعلم من أخطائه، ويواصل التحدي اعتمادًا على سطحية من يستمعون.

وما رأيك في ربط الإرهاب دائماً بأفكار ابن تيمية؟

كل زمن وله خصوصياته، وابن تيمية عاش في زمن التتار، وربط حديثه بما بعد ظُلم بين، وعلينا أن نراعي الكلام قيل في أي ظرف، وفي أي مكان، وعلينا مراعة الظروف التي خرج فيها هذا الكلام،  والغرب يقوم علي هذا المبدأ، فهم يتحدثون دائمًا أن فولتير قال هذا الكلام وفي هذه المناسبة، غير أن تأخذ هذا الكلام على وضعه وتقول أنه موجود فهو كارثة.

وماذا عن تنامي ظاهرة الإلحاد؟

الإلحاد له عدة جوانب، منها غياب التجاوب مع كافة التساؤلات التي تدور في الذهن، في حين أن وجوب الرد على أسئلة الناس أمر ديني، وعلاج الأمر يتطلب متخصصين للرد والتواصل مع الشباب، والجانب الآخر هو رفض التساؤل، في حين أن الإسلام دعا الناس إلى التساؤل، والقرآن بدأ سورة النبأ بقوله "عم يتساءلون. عن النبأ العظيم"، وهي دعوة للتساؤل لا لصدهم ومنعهم.

كذلك هناك صنف من الشباب يعاني من الإحباط وليس لديه معنى للحياة، فضلا عن تصرفات خاطئة للمتدينين ورجال الدين الذين يدعونه إلى الرضا السلبي، دون توجيه إلي الرضا الإيجابي وهو الإيمان بأن ضيق القدر بداية للفرج.

كل أدلة الملحدين في نفي وجود الله تثبت وجوده، لكن ليس هناك توجيه صحيح ورد متخصص يستطيع فهم الدين فهماً صحيحاً مبسطاً.

وما الذي يحتاجه الشباب اليوم؟

الشباب يحتاج إلى دفع الأمل، وعلينا أن نُرسي فيهم أن الأمل موصول بوجود الله، وصناعة الحلم والإصرار على تحقيقه، وفق قاعدة قرآنية بأن الله لا يُضيع أجر من أحسن عملاً.. تحويل شلة المقهى إلى شلة عمل، نحتاج إلى نزع ثقافة الربح السريع "الفهلوة"، فالمصريون دائماً ما يبحثون عن تلك الثقافة، وغزوا بها الإنترنت، دون أن يعوا بأن الحياة قائمة على جهد وعرق من أجل تحقيق الربح، وأن النبي كان يعمل وعمره 8 سنوات في الرعي، واليقين بأن تحقيق الهدف يرتبط بمقدار التعب، ولنا فيمن حولنا تلك العبرة.

وكيف ترى الأزمات التي تنشب من الحين لآخر بين وزارة الثقافة والأزهر؟

نحن نعيش في أزمة جسور، لأن الفكر الديني والوعي لدى المثقفين توقف مع العقاد ومصطفي صادق الرافعي، اللذان تمكنا من تغذية الفكر الثقافي بأفكار دينية حيث استطاع العقاد أن يؤلف عبقرياته، ولكننا اليوم نجد من الطرفين العيش في جزر منعزلة، وفقدنا تلك الجسور التي تربط بين هذين الركنين الأساسيين الراقيين.

وما تقييمك لجهود المؤسسات في التصدى لظاهرة الإسلاموفوبيا؟

مفيش شيء اتعمل أصلاً، ليس أمامنا حل سوى تحويل المسلمون الذين يعيشون في الغرب إلى نماذج يُحتذى بها في الأخلاق والأمانة وغيرها، فنحن نحتاج إلى مائة نموذج من زويل والنني ومحمد صلاح، نحتاج إلى أن يكون المسلمون مؤثرون، وليسوا عالة، وأن تتحول المؤسسات إلى العمل العام دون الاكتفاء بخدمة مصالح خاصة بالجاليات، وعلينا أن نُقارن بين الوضع في السابق، والذي أدى إلى وجود المخرج العالمي مصطفى العقاد الذي استطاع أن يخرج فيلما يؤدي إلى رموز أسلمت كالملاكم الأمريكي الراحل محمد علي كلاي، (فيلم الرسالة)، وعلينا ألا نلوم الأزهر، فماذا يستطيع أن يقدم خلاف أئمة تُبعث وكتب تُترجم. 

وماذا ينقص مساجد الأوقاف؟

المساجد تحتاج إلى أئمة مدربين جيدًا على الفكر المتطور الجديد الملائم للعصر.

وبشأن حملة أخلاقنا؟

خلصت في مارس 2016 وعلينا ألا ننظر إلى الماضي، ولدي أفكاري المستقبلية التي أعمل عليها الآن.

كيف نقنع الشباب بالقضايا الغيبية التي تناقش اليوم ومنها المهدي المنتظر والمسيخ الدجال؟

الشباب ليس بحاجة إلى التطرق والحديث عن تلك المسائل، فهم يبحثون عن حلول لمشاكلهم المعاصرة من أزمات ورغبة في التحلي بالأمل والطموح.

وبالنسبة لبرنامجك القادم في رمضان؟

يواجه كل ما له علاقة بالفكر المتطرف، ويوجَّه إلى الأفكار التي طرحتها، وتقديم رؤية مستنيرة وسيرة النبي والدفاع عنها ضد ما يثار حولها من تشكيك الآن، وتوضيح تلك المفاهيم العظيمة للشباب.

شارك الخبر على