"المفضلة" لليوناني يورغوس لانثيموس.. عن علاقات القوة حين يعز القرار بفعل الحب

ما يقرب من ٥ سنوات فى المدى

لندن- فيصل عبدالله
- على خلاف إشتغالاته السينمائية السابقة، "أسنان الكلب"(2009) (جائزة "نظرة ما" لمهرجان كان السينمائي)، "سرطان البحر"(2015) و "قتل الغزال المقدس(2017)، يدعونا اليوناني يورغوس لانثيموس(1973) في جديده "المفضلة"، جائزة لجنة التحكيم الكبرى لمهرجان فينسيا السينمائي (2018)، الى متابعة، وفي إطار تاريخي، لصراع حول السلطة والنفوذ والدسائس والحب والثقة تدور فصولها خلف أسوار البلاط الملكي البريطاني. وعبره، يأخذنا الى بداية القرن الثامن عشر إبان حقبة حكم الملكة "آن"، الممثلة ( البريطانية أوليفيا كولمان)، مكللة بأكثر من جائزة مثل، كأس فولبي لمهرجان فينسيا الـ 75 و"البافتا" و الأوسكار لأفضل آداء. ولكونها حبيسة عزلتها، بسبب أمراض تجمع بين الكآبة وداء النقرس والسمنة فضلاً عن عدم الوسامة وضعف الشخصية والنزق، تترك "آن" تسيير شؤون بلاطها الى موثوقتها المفضلة وحاملة مفاتيح الأسرار الدوقة سارة تشرشل (الممثلة الأمريكية راشيل وويز). ومع وصول الشابة الجميلة آبيغيل (الممثلة إيما ستون)، قريبة لسارة وأبنة ثري أكلته الديون ويلاحقه الإفلاس، الى القصر بوجهها المتسخ وحاجتها الماسة لفرصة عمل، حتى ضمن فريق الخدم، تتشكل أضلاع هذه الدراما التراجيكوميدية الباهرة. يشغل صراع هذه الشخصيات النسوية المركبة والمتعددة الطبقات، بين ذاتها وما يحيط بها من مخاطر وشراك، بين الحظوة والنبذ والسلطة ومركز القرار، الحيز الزماني الأكبر للشريط، ولكن داخل أسوار البلاط الملكي. صراع يوظف فيه المخرج تعاليم علم النفس والفلسفة والمسرح لسبر أغوار هذه الشخصيات الإستثنائية إزاء خياراتها الوجودية المرعبة، جرياً على سابق إشتغالاته، وكجزء من قراءته للطبيعة البشرية. عجز الملكة آن عن ممارسة مهامها، بفعل أمراضها العديدة وهزال قراراتها، يطلق يد الشخصية القوية الدوقة سارة في تلبس دور الآمر الناهي وضمن أجواء إفلاس مالي وخطط حرب جاهزة مع فرنسا تنتظر قرار من يمولها. بالمقابل، يبقى سؤال آبيغيل وخيارها هو هو، كيف الوصول الى قلب الملكة وإزاحة غريمتها سارة من المشهد؟. لعل سر النبتة البرية، مجموعة أعشاب جاءت بها من غابة تحيط بالقصر، لغرض إستعمالها كملطف للتخفيف من آلام حكة قروح ساق الملكة كانت البداية، ومنها تتوالى نقلات صعود آبيغيل سلم الحظوة والثقة لغاية صالة النوم الملكية/المبتغى. خزانة أسرار تلك الصالة وما يحيط بها من ردهات باذخة، صورت بطريقة أخاذة عبر إستعمال عدسات مقعرة وبزوايا منخفضة لغرض التلاعب بحجم كتل الشخصيات والأماكن من قبل روبي رايان، تقدم لنا كمشاهدين عالم "آن" السوريالي والعبثي في الوقت ذاته، زيجاتها، فقدانها لـ17 طفلاً وتربيتها لنفس العدد من الأرانب حيث تطلق عليهم "الصغار" رغم إنها تمقتهم لانهم يذكرونها بعاطفة أم تخلت عنها، لم تتحمل النظر الى طفل أخذته من خادمة في أحدى الأروقة أو سماع عزفهم الموسيقى في باحة الحديقة، نهمها للأكل والشرب وثقل المسؤولية لشخصية مهزوزة إزاء حاجات الحياة ورغباتها. فيما ناورت الدوقة سارة طريقها الى القمة عبر المخاتلة والدسيسة والثقة بالنفس والرأي الحاسم، مستغلة حظوتها وإنجذاب آن لها في لعبة تبادل للأدوار بين شخصية قوية وأخرى مستلبة وضعيفة. في حين جاءت نقلات صعود أبيغيل "المفضلة" الجديدة لإستلام مفاتيح البلاط وأسراره من خلال مساكنة رجال القصر لكسب الثقة قبل أن تقرر الخلاص نهائياً من عائق سارة وذلك عبر دس السم لها. وهنا يبدأ فصل يعيد تشكيل علاقة الملكة آن بملكها وشؤون رعاياها، ففي ظل غياب "المفضلة" القديمة تستعيد الملكة آن صحوتها من عجزها وما عانته من إستلاب لقراراتها تلك التي صادرتها سارة، إذ تعلن الهدنة مع فرنسا وتقيل حكومتها وفي ذات الوقت تلغى إقتراح زيادة الضرائب تدراكاً لردود فعل الداخل البريطاني. طعم لانثيموس شريطه بحوارات أقرب الى اللغة الحديثة، ومثلها وظف موسيقى تصويرية إستلفت من المغني المشهور آلتون جون بعض فقراتها، وفي عمل فني صاغه بتأن لدراسة مفهوم علاقات القوة وصراع الإرادات وصناعة القرار في مطبخ البلاط الملكي وخلف أسواره الحصينة.

ذكر فى هذا الخبر
شارك الخبر على