ما هو الرابط بين فلسطين و مفروشات ''إيكيا'' ؟

أكثر من ٧ سنوات فى السبيل

السبيل - علي سعادة تعرف تماما أن السياسة الخارجية ليست قطعة مفروشات من "إيكيا" لذلك ردت ذات يوم على عبارة ثقيلة الظل وسمجة لوزير الخارجية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان بالتالي "سأكون سعيدة بإرسال قطعة مفروشات من إيكيا إلى أفيغدور ليبرمان لكي يجمّعها، لكنه سيكتشف أنه لا بد من شريك وتعاون، وكتيّب شرح جيد".
عبارة ذكية جاءت ردا على سخرية ليبرمان عام 2014 في أعقاب اعتراف السويد بدولة فلسطين. ليبرمان كان قد قال:"على الحكومة السويدية أن تفهم أن العلاقات مع الشرق الأوسط أكثر تعقيدا من تركيب مفروشات إيكيا، وأنه لا بد من التحرك في هذا المجال بمسؤولية وحساسية". تخوض أهم سياسية في السويد، ونجمة السياسة الأوروبية الصاعدة مارغو والستروم نزاعات دبلوماسية مريرة، منذ أن تسلمت منصبها كوزيرة خارجية للسويد، مع أكثر من دولة من بينها السعودية وتركيا والمغرب ومع الاحتلال الإسرائيلي. وتواجه هجمة عنصرية إسرائيلية غير مسبوقة، بسبب تصريحات قالت فيها، إن الاحتلال والاضطهاد الإسرائيلي للفلسطينيين هو سبب التطرف وكل ما يجرى في المنطقة، وربطت بين تلك السياسة وهجمات باريس. كانت والستروم، أو فالستروم قد انخرطت في سياسات الجناح اليساري منذ كانت مراهقة، وتعتبر منذ فترة طويلة الزعيمة المحتملة للاشتراكيين الديمقراطيين. دخلت فالستروم إلى المشهد السياسي في بلادها وفي أوروبا عندما انتخبت في البرلمان السويدي عام 1979 وكان عمرها 25 عاما، عينت بعدها في عام 1988 وزيرة لشؤون المستهلكين والمرأة والشباب وعمرها 34 عاما، وفي سنوات التسعينيات تولت حقيبة الثقافة ثم حقيبة الشؤون الاجتماعية. وفي عام 1999 عينت بالمفوضية الأوروبية، مسؤولة عن السياسة البيئية، ورقيت إلى منصب نائب رئيس المفوضية الأوروبية عام 2004، وفي عام 2010 عينت مبعوثة دولية خاصة في ما يتعلق بالعنف الجنسي خلال النزاعات، وأصبحت وزيرة للخارجية عام 2014. وفاز حزبها "العمال الديمقراطي الاجتماعي" في انتخابات عام 2014 بنسبة 31 بالمئة فقط من الأصوات، وذلك في واحدة من أسوأ نتائج الحزب منذ عقود. واعتبر سياسيون أن السنوات التي كان فيها "الاشتراكيون الديمقراطيون" يهيمنون على السياسة السويدية ويحصدون بانتظام ما يزيد عن 40 في المئة من الأصوات قد لوت إلى غير رجعة. والآن لم يعد الحزب يهيمن على الحياة السياسية، وبات الحزب "الديمقراطي القومي" يتحدى بجدية "الاشتراكيين الديمقراطيين". واتسمت فترة مارغو إليزابيث والستروم المولودة عام 1954 في بلدة سكيليفتيا في السويد في منصبها كوزيرة للخارجية بأنها عاصفة. فأول خطوة بارزة قامت بها كوزيرة للخارجية كانت الاعتراف بفلسطين كدولة في عام 2014، وهي الخطوة التي أدت فورا لتوتر العلاقات مع "إسرائيل". وردا على رد الفعل الإسرائيلي إزاء تصريحاتها قالت فالستروم:" إن إسرائيل تخطت كل الحدود" في رد فعلها على اعتراف ستوكهولم بدولة فلسطين. وفي مقابلة أجرتها مع صحيفة "داغنس نيهتر" اعتبرت أن "الطريقة التي يتحدثون بها (الإسرائيليون) عنا وعن الآخرين غير مقبولة، لم تزعج الأميركيين فحسب بل كل من له علاقة بهم الآن". وقالت "إنهم ماضون في سياسات الاستيطان والهدم وسياسات الاحتلال التي تنطوي على إذلال للفلسطينيين، مما يجعل عملية السلام صعبة". القشة الأخيرة التي "قصمت ظهر البعير" وجعلت فالستروم ودولتها في مرمى النيران السياسية والإعلامية الإسرائيلية هو دعوتها إلى التحقيق في مقتل الفلسطينيين خلال انتفاضة القدس الحالية، إذ قالت: “لابد من التحقيق المعمق والموثوق في مقتل الفلسطينيين وإلقاء الضوء عليه، ووضع الكلّ أمام مسؤولياتهم”. وكانت فالستروم قد طالبت باجراء تحقيق فيما إذا كانت "إسرائيل" قد نفذت "عمليات إعدام دون محاكمات" ردا على "الهجمات" الفلسطينية. واعتبرت الحكومة الإسرائيلية تعليقاتها حول قيام الجيش الإسرائيلي بقتل الفلسطينيين بحجة محاولة طعن جنود "حادة للغاية" وأعلنت فالستروم شخصية غير مرغوب فيها ب"إسرائيل"، ورفضت استقبالها في زيارتها الأخيرة لفلسطين المحتلة. وحتى قبل تسلمها لحقيبة الخارجية أثارت فالستروم في مواقفها العديد من ردود الفعل الغاضبة في أكثر من دولة، فواجهت موجات انتقاد كبيرة من الحكومة السودانية، بعد أن قادت بنفسها حملة مناصرة للصحافية السودانية أمل هباني التي قُدمت للمحاكمة لأنها نشرت تحقيقا عن ناشطة اغتصبت أثناء التعذيب في المراكز الأمنية. وفي وقت سابق من العام الماضي، استدعت السعودية سفيرها في ستوكهولم بعد انتقاد فالستروم سجل السعودية في حقوق الإنسان، وخاصة القيود المفروضة على النساء وجلد مدون. ووُصفت صراحتها فيما يتعلق بحقوق الإنسان بأنها جزء من سياستها الخارجية "النسائية". وقد كبد النزاع الدبلوماسي السعودي-السويدي صناعة السلاح السويدية الملايين جراء العقود الضائعة، وأثار موقفها قلق الدوائر التجارية السويدية. واضطرت تحت ضغط لالغاء خطاب كان يفترض أن تلقيه أمام جامعة الدول العربية في القاهرة في أذار /مارس عام 2015. وكان هناك توتر أيضا مع المغرب حيث صوت البرلمان السويدي للاعتراف بالصحراء الغربية كدولة مستقلة، لكن الحكومة السويدية قررت فيما بعد عدم الاعتراف بالصحراء الغربية متعهدة بدلا من ذلك بدعم الجهود الدبلوماسية الدولية. وأشارت الأنباء إلى أن الرباط مارست ضغوطا على الساسة السويديين وهددت بإعاقة فتح متاجر "إيكيا" في المغرب. وتحولت قاعات المطارات إلى حرب لافتات بين السويد وتركيا، فقد كتب الأتراك على لوحة الإعلانات في المطارات التركية عبارة "السويد بلد الاغتصاب"، ردا على الانتقادات التي وجهتها ستوكهولم لأنقرة بشأن سحب مادة من قانون العقوبات حول زواج صغار السن. وكتب على لوحة إعلانية في صالة المغادرة في مطار أتاتورك عبارة بالتركية والإنجليزية "تنبيه إلى المسافرين! هل تعرفون أن معدل الاغتصاب في السويد هو الأعلى في العالم؟" ويعرض الإعلان الصفحة الأولى من صحيفة "غونس" التركية بعنوان "السويد بلد الاغتصاب". بدورها، نشرت صحيفة "كرونين زيتونغ" السويدية عبر لوحات المطار، خبرا بعنوان "ذهابكم إلى تركيا بهدف السياحة، يعتبر دعما لأردوغان فقط". ونجحت المساعي الدبلوماسية التركية في إزالة الخبرين من لوحات المطار. وأثارت هذه القضية توترا بين تركيا والسويد بعد أن وجه رئيس الوزراء ستيفان لوفن ووزيرة الخارجية مارغو فالستروم انتقادات أغضبت انقرة. وتبع ذلك استدعاء وزارة الخارجية التركية، القائم بأعمال السفارة السويدية لدى أنقرة، وجرى إبلاغه بانزعاج أنقرة وشعورها بخيبة أمل، حيال ادعاءات فالستروم المنافية تماما للحقيقة، والتي تستهدف تشويه صورة تركيا أمام العالم. وتبعت هذه العواصف الدبلوماسية وتزامنا معها فتح النائب العام المتخصص في مكافحة الفساد تحقيقا مطلع العام الحالي حول شقة في ستوكهولم تستأجرها فالستروم. وكانت قد حصلت عليها من نقابة عمال البلديات (كوميونال)، وهناك شبهة في تجاوز دورها بقائمة الانتظار للحصول على الشقة. ووفقا لصحيفة "أفتونبلاديت"، فإنها تدفع 32 كرونة شهريا (3.70 دولار) للشقة التي تبلغ مساحتها 89 مترا مربعا أخذا في الاعتبار الدعم الذي تحصل عليه كوزيرة في الحكومة. وتعاني العاصمة السويدية ستوكهولم من أزمة إسكان حيث يجب على السكان الانتظار ثماني سنوات أو أكثر للحصول على شقة يخضع إيجارها للقواعد المنظمة. ويهدف المدعي العام إلى تحديد ما إذا كان عقد فالستروم مع "كوميونال" من قبيل الرشوة، ولو كان الأمر كذلك فإنها أو أنيلي نوردستورم رئيس "كوميونال" يمكن أن يواجها الغرامة أو السجن. وتصر فالستروم على أنها انتقلت إلى الشقة في نيسان /إبريل عام 2015 بحسن نية، مشيرة إلى أن "كوميونال" أمدتها بمعلومات زائفة حول الاتفاق. وقالت فالستروم :"أرحب بالتحقيق، فليس لدي ما أخفيه، ومن الجيد تسوية هذه المسألة". وقال رئيس الوزراء السويدي ستيفان لوفين "كان من الأفضل لو أن فالستروم قامت بتسوية موضوع السكن بطريقة مختلفة"، مضيفا "لا يوجد خطأ رسمي، على حد علمي". ولا تبدو فالستروم نادمة على مواقفها فهي تحظى بدعم حكومتها وحزبها والجمعيات التي تقاتل من أجل حقوق متساوية للمرأة في السويد وفي أوروبا. وحين تحدث ديبلوماسي أسرائيلي لصحيفة "جيرويالم بوست" الإسرائيلية بأن هنالك فقط حلان لللازمة الدبلوماسية بين "إسرائيل" والسويد، الاول أن تعتذر السويد عن اعترافها بفلسطين، اما الحل الثاني ان تحصل السويد على حكومة اخرى غير تلك التي تحكم اليوم. ردت الحكومة السويدية من جهتها بأنها لن تعتذر وبأن خطوة الاعتراف بفلسطين لم تكن مبكرة بل على العكس تماماً. أما فيما يتعلق بحصول السويد على حكومة أخرى فعلى "إسرائيل" الانتظار ثلاثة اعوام ونصف، أي بعد الانتخابات البرلمانية القادمة، التي ستجرى في 2018، لكي ترى "أن كانت الحكومة الحالية ستستبدل بالكتلة البرجوازية المعارضة للحكومة"، والمعارضة أيضا للاعتراف بدولة فلسطينية في الوقت الحالي. فالستروم، شخصية سياسية نسائية منحازة لحقوق الإنسان وعلى غير الطريقة المعتادة لعمل وزراء الخارجية للكثير من الدول الغربية، وتولي اهتماما خاصا بالأوضاع الإنسانية الناتجة عن الظروف المضطربة في الشرق الأوسط، وهنا تطل بقوة في قضية اللجوء. وتأتي دموعها التي تشبه حبات الندى حين بكت الطفل السوري أيلان وبكت معه على صور مئات من اللاجئين السوريين، لتؤكد في أكثر من مرة أن "اللجوء والهجرة" حالة اختبار لكيفية "وفاء الأوروبيين لقيمهم المشتركة" التي تشكل قاعدة التفاعلات داخل الاتحاد. اتهمت بالعداء للسامية تارة وعدم النضوج السياسي تارة أخرى واختلقوا لها مشكلة استئجار شقة في استكهولم بدون الوقوف في طابور المستأجرين، وسيحدون لها أشياء اخرى . فالستروم تعي تماما أن فلسطين ليست قطعة من "إيكيا" لذلك لم تصمت وهي ترى جرائم الاحتلال بحق الفلسطينيين وهم يقتلون بدم بارد، وصفة الشجاعة والتمسك بالأخلاق السياسية، على أية حال، صفة يفتقدها السياسيون العرب بالفطرة.

شارك الخبر على