الدفع قبل العلاج.. بلا رحمة ولا أخلاقيات!

حوالي ٥ سنوات فى الشبيبة

علي بن راشد المطاعنيهي أقصوصة مضرجة بالدم والدموع، حدثت وقائعها المؤسفة في إحدى المستشفيات التي تطلق على نفسها وصف (خاصة)، ونبارك لها هذه الخصوصية، وهي في الواقع خصوصية (مادية) فقط، ولا علاقة لها بالطب ولا بالتطبب، فهذه المهنة إنسانية في المقام الأول. والأقصوصة الدامية تقول إن أحد الأخوة راوده بغتة ألم مبرح في بطنه نتيجة حصوة في الكلى، هرع لأقرب مستشفى كأمر طبيعي، الوضع يتطلب إجراء عملية عاجلة، دفع مبلغا مقدما، وقبل العملية طلبوا منه دفع المبلغ المتبقي ليتسنى لهم المضي قدما في تقديم العلاج، وإن لم يدفع فلا علاج هكذا بوضوح، هكذا بصراحة، المبلغ المتبقى كان لا يزيد عن 300 ريال فقط لاغير، ولم تشفع له ضآلة المبلغ المتبقي بتلقي العلاج، لتغدو المعادلة واضحة وهي أن 300 ريال تساوي حياة مواطن كامل النصاب، فهل تدحرجت قيمة الإنسان حتى وصلت لهذا المبلغ الضئيل، فما نعرفه أن الإنسان هو أغلى رأس مال، فهل رأس المال الأغلى يساوي 300 ريال فقط لا غير ، معادلة لا تستقيم والمنطق، ثم هي لا تستقيم والوجدان السليم، فلولا وجود بعض الخيرين من الأهل والزملاء الذين انبروا لها وسددوا المبلغ لكانت الحصاة الملتهبة في جسد هذا المسكين قد قضت عليه، تكلفة العملية كانت 1.400 ريال، سدد منها 1.100 ريال وهذا ما كان متوفرا بجيبه وقتها، وليس لديه مانع في تسديد المبلغ كله، لكنه في تلك اللحظة الحاسمة والفاصلة ما بين الموت والحياة كان في جيبه هذا المبلغ فقط.والمعادلة الواضحة أمامنا الآن هي أن عليه أن يتحمل وزر أنه لا يحمل معه كامل المبلغ في ذلك الوقت، هذا بالطبع بناء على وجهة نظر المستشفى (مجازا) الذي أصر بأن اللوائح لا تسمح بهكذا تجاوزات، وبالتالي تمسكوا بنص وروح لوائحهم المهلكة!وبما أن الواقعة خطيرة بكل المقاييس، تطرح هذه الحالة تساؤلات منطقية هي: هل كل الحالات المرضية يتطلب ان يدفع المريض المبلغ اولا ام يعالج و من ثم يدفع ، وما ذنب من هم في الحالات الطارئة، والمصابين من الحوادث في مثل هذه المواقف هل يمتنع المستشفى الخاص عن العلاج، في المقابل اذا كان هذا المواطن وجد من يدفع المبلغ، فهل يمهل المرض آخرين اذا داهمهم المرض او إصابة حوادث لكي يدفعوا ثم يعالجوا.إن عزوف المستشفيات الخاصة عن إسعاف مثل هذا المريض يتطلب فتح تحقيق عاجل وشامل ودقيق، يخلص في النهاية لتقديم كل الذين استهانوا بروح هذا المواطن، إذ أنقذته العناية الإلهية وحدها من خلال وجود أولئك النفر الكريم الذين سددوا المبلغ، فهذهِ المباني التي تزعم بأنها مستشفيات لا نعتقد بأنها تستحق البقاء على ظهر هذه الأرض الطيبة، فهي غير مؤهلة للانتماء لهذا الحقل الإنساني المحض، فلو تم تحويلها لأي غرض تجاري آخر لكان أولى، أما مهنة الطب فكلا وألف لا.في المقابل لدينا مستشفيات حكومية تعالج المريض كإنسان قبل كل شيء، ولا تسال عن من يدفع الا بعد إتمام العلاج والخروج من المستشفى، هذه حقيقة تلك التي تضع الإنسان في المكان اللائق به، فتعالجه أولا، وتنقذ حياته بدءا، ثم تلتفت للجانب الآخر الذي يأتي في الدرجة الثانية في سلم الأولويات، هذه هي الطريقة الصحيحة في التصدي لهذه الحالات، وعلى ضوء الحادثة المؤسفة لا بد من إيجاد نظام وقانون واضح وصريح يضع حدا لهذا الممارسات اللا إنسانية حتى لا تتكرر في مستشفى أو مستوصف آخر.بالطبع هناك متطلبات مادية لأي علاج عندما تكون وفق بديهيات العمل الأمراض العادية و المواعيد وغيرها لكن في حالات الطارئة لا يجب ان تحجم المستشفيات عن علاج المريض واسعافه كجزء من أخلاقيات المهنة والتزام اجتماعي وإنساني يمليه الضمير في هذا الجانب المهم.نأمل من الجهات المختصة أن تحقق في هذه الحادثة، ونحتفظ باسم المستشفى لنقدمه للجنة التحقيق إن هي طلبته، فهذا السلوك لا يشبه السلطنة لا من بعيد ولا من قريب، وبالتالي لابد من استئصال هذا الفكر الغريب ومن الجذور.

ذكر فى هذا الخبر
شارك الخبر على